سورية بالعمق: ماذا يخبئ عام 2018 لسورية



قال الخبير في الشؤون السورية، فابريس بالانش: إن العام المقبل في سورية من المرجح أن يتسم باتفاقات المصالحة والانتعاش الاقتصادي الجزئي، وفي نهاية المطاف، يستمر الأسد بالاحتفاظ بالسلطة في البلاد.

صورة للرئيس السوري بشار الأسد، في شارع داخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق، في 6 نيسان/ أبريل 2015. يوسف كارواشان/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

قد لا يكون هذا العام عامَ السلام في سورية، ولكن قد يكون العام الأخير في هذا الصراع الوحشي. لقد صار واضحًا أنَّ الرئيس بشار الأسد وحلفاءه قد كسبوا الحرب. الغرب مقتنعٌ، من جانبه، بأنَّ معسكر الأسد ليس لديه الوسائل لإعادة تأهيل سورية، ويعتمد على الاستفادة من دوره في إعادة الإعمار، للتأثير على التحوّل السياسي، ولكنه، كما كان مخطئًا في الصراع العسكري، مخطئٌ أيضًا في هذه القضية.

على الجبهة العسكرية، سيكون الهجوم في إدلب أولويةً في عام 2018. ومع ذلك، من الضروريَّ أنْ ينهي الجيش السوري أيضًا آخر جيوب المتمردين حول دمشق والرستن. إنَّ استعادة الضواحي الشرقية لدمشق سيكون صعبًا، ولكنْ من المرجّح أنْ تنتهي -مثل الهجمات في أماكن أخرى- عن طريق اتفاق المصالحة، ونقل المتمردين المسلحين إلى إدلب.

من غير المرجّح، أنْ تنجو محافظة درعا من القتال، على الرغم من اتفاق خفض التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة، حيث يأمل الجيش السوري في إعادة فتح الطريق السريع إلى الأردن عند معبر نصيب الحدودي، وهذا يتضمن الاستيلاء على الجزء الشرقي من المحافظة، بين طريق درعا-دمشق وجبل الدروز. أما بالنسبة إلى الجزء الغربي من المحافظة، بين طريق درعا-دمشق والجولان، فإنَّ الوضع متجمدٌ نوعًا ما بسبب اتفاقٍ روسي أميركي، كَفِلَ فيه فلاديمير بوتين أنَّ (حزب الله)، والقوات الإيرانية لنْ يقتربا لحدود 25 ميلا (40 كم) من خط وقف إطلاق النار لعام 1973. وتريد روسيا هذا الاتفاق، لأنّه يعطي موسكو دورًا دبلوماسيًا مهمًا في الصراع العربي الإسرائيلي.

روسيا والمجتمع

يبقى السؤال الشائك حول الأكراد: هل سيواجه الجيش السوري (قوات سورية الديمقراطية) التي تحتلّ حاليًا ما يقرب من 30 في المئة من مساحة البلاد؟ يتوقف ذلك على كون الولايات المتحدة مستعدةً للبقاء في الشمال الغربي، نظرًا إلى التكاليف العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية (وبخاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع تركيا). وبالتالي فإنَّ الأكراد السوريين يتعرضون لخطر التخلي عنهم بسرعة من قبل الولايات المتحدة. ولا شكَّ أنَّهم يخططون بالفعل لاستعادة الأراضي العربية التي حرروها من (داعش)، مقابل الحكم الذاتي في الكانتونات الكردية في عفرين، وكوباني، والقامشلي. وعلى الرغم من أنَّ مندوبيّ (روجافا) لم يُدعَوا إلى أيّ محادثات سلام، فإنّهم ما يزالون في صلب المفاوضات الدبلوماسية.

في هذا الصدد، إنّ “مؤتمر السوريين” المقرّر أنْ يُعقد في سوتشي، في نهاية كانون الثاني/ يناير، هو خطوةٌ نحو تسوية الصراع السوري خارج جنيف. في حين أنَّ المعارضة السورية، وداعميها لم يعالجوا البتة قضية المجتمع، حيث فتحت روسيا النقاش حول مستقبل “الدولة السورية”، من خلال الاعتراف بالجماعات الإثنية، والدينية المختلفة التي تشكلّها، رغمًا عن دمشق، وعقائد البعث. إنَّ أيَّ تطورٍ للدستور السوري نحو الاعتراف السياسي بالهويات المختلفة للمجتمع السوري، من دون الوصول إلى النموذج اللبناني، يمكن أنْ يكون قضية بارزة في سوتشي، وفي تشكيل الانتقال السياسي.

هذه العملية السياسية تفلت من الغربيين الذين يعتمدون فقط على سلاح الاقتصاد، كملاذٍ أخير، للتأثير في مستقبل سورية. ويقدّر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار بمبلغ 250 بليون دولار. وهناك تقديراتٌ أخرى تتحدث عن 400 بليون دولار، أو حتى 600 بليون دولار، حيث لا تملك دمشق ولا حلفاؤها مثل هذا المبلغ، ولكنْ لا يزال ممكنًا إعادة بناء سورية، بما لا يقلّ عن عشرات المليارات من الدولارات.

إذا كان الشتات، وفئة التجار، على استعدادٍ للاستثمار في القطاع العقاري؛ فإنَّ إعادة بناء قطاع الصناعات التحويلية قد يكون أكثر صعوبةً؛ نظرًا إلى أنَّ الاستثمارات طويلة الأجل تُعدّ الآن محفوفةً بالمخاطر. ومع ذلك، ما يزال مستوى الفساد عقبةً رئيسة أمام إعادة بناء قاعدة إنتاج سورية قبل الحرب. ومن المرجّح أنْ تعاني البلاد من ركودٍ اقتصادي طويل، وخصوصًا إذا استمر الغربيون بفرض العقوبات، ورفضوا تقديم المساعدة.

سورية مختصرة

في ظل غياب تحسنٍ اقتصادي معقول، من المرجّح أنْ يبقى معظم اللاجئين السوريين في البلدان المضيفة، كما سينضم إليها وافدون جدد. هذا الاحتمال لا يزعج الأسد، الذي لربما أدرك أنَّ سورية كانت مكتظةً بالسكان في عام 2011، من حيث قدراتها الاقتصادية، وأنَّ هذا كان سببًا رئيسًا للثورة.

هناك بالفعل 7 ملايين لاجئ (5،5 مليون مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونحو مليون طالب لجوء في أوروبا)، حيث يمكن إنقاص سورية بمقدار 10 ملايين شخص (يبلغ عدد السوريين حوالي 23 مليون نسمة) -وخاصةً من الطبقات الشعبية السنية- وهو الهدف الذي يمكن تحقيقه في غضون ثلاث سنوات، إذا استمر معدّل المغادرة الحالي.

سيترك الفراغ فرصًا اقتصادية في ما يتعلق بالممر الإيراني، والتكامل الاقتصادي بين سورية والعراق وإيران (مع إمكانية إضافة لبنان). وبالنسبة إلى “أسد سورية” الذي أهملته دول الخليج، وتقاطعه أوروبا، فإنَّ الحلَّ هو التوجه إلى الأسواق المجاورة. ويمكن للعراق أنْ يصبح سريعًا أولَّ زبونٍ لسورية لتحفيز استئناف الإنتاج الزراعي والصناعي. وعودة صادرات النفط العراقية والإيرانية، وإذا ما تمَّ بناء خط أنابيب الغاز الإسلامي أخيرًا؛ فسيجلب بدوره “العائدات” إلى سورية.

الموانئ السورية لديها الآن “مناطق نائية” محتملة تمتد إلى طهران. وما تزال مسألة الموارد الهيدروكربونية البحرية، التي سيستغرق استغلالها سنوات، حيث ستساعد أساسًا على سداد الديون المتراكمة لكلٍّ من روسيا وإيران.

تعوَّدَ الشعب السوري على ظروف معيشيةٍ متواضعة، دفعت الحكومة، منذ فترة طويلة، إلى الاعتماد على الذات. وكان الأسد قد تصوَّر تحويل بلده إلى اقتصادٍ ناشئ في العقد الأول من القرن الماضي، ولكن هذا التغيير في النموذج الاقتصادي قد زعزع استقرار البلاد، وكاد أنْ يكلفه سلطته.

من الآن فصاعدًا، سيتم اتخاذ القرارات الاقتصادية، وفقًا لاعتباراتٍ سياسية، ولو كان ذلك يُبطئ التقدم. بعد هذا الصراع الوحشي؛ سيختار الساخط أنْ يُنفى بدلًا من أن يحتج، على الأقل لجيلٍ واحد.

خرج النظام قويًا نتيجة لهذا العرض للقوة. ومن المؤكّد أنَّه سيتعين عليه أنْ يختار أمراء الحرب الجدد، وأنْ يفسح المجال أمام النخب القبلية والأكراد؛ الأمر الذي يرجّح أنْ يفرض لامركزيةً فعلية في الأطراف، أما الذين لا يزالون يحلمون بمغادرة الأسد، فهم لا يفهمون أنَّه لا يزال حجر الزاوية في نظام السلطة في سورية. وعلاوةً على ذلك، ليس لدى حلفائه رغبة في رحيله، خصوصًا أنَّ الغرب ليس لديه ما يقدّمه في المقابل.

اسم المقالة الأصلي What Lies Ahead for Syria in 2018 الكاتب* فابريس بالانش، Fabrice Balanche مكان النشر وتاريخه سورية بالعمق، SYRIA DEEPLY، 5/1 رابط المقالة https://www.newsdeeply.com/syria/articles/2018/01/05/analysis-what-lies-ahead-for-syria-in-2018 عدد الكلمات 958 ترجمة وحدة الترجمة والتعريب

*- فابريس بالانش خبير في الشؤون السورية، وباحث زائر في مؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد.


وحدة الترجمة في مركز حرمون


المصدر
جيرون