(دار العدل في حوران).. تجربة قضائية ناجحة رغم الصعوبات



أكد عصمت العبسي، رئيس محكمة (دار العدل) في درعا، في حديث لـ (جيرون)، أن “(دار العدل) في حوران تلقت منذ تأسيسها أكثر من 21 ألف دعوى، بمختلف الاختصاصات”، مؤكدًا أنها: “السلطة القضائية الوحيدة في الجنوب السوري، وتمارس مهماتها بناءً على ذلك”.

تم الإعلان عن تأسيس (دار العدل) في حوران في 1/11/ 2004، حيث تشكلت من توحيد عدة محاكم، أبرزها محكمة الـ (الكوبرا) التي كانت تتبع لـ (جبهة النصرة)، ومحكمة (غرز)، واعترف بها كمرجعية قضائية أكثر من 90 فصيلًا، باستثناء لواء (شهداء اليرموك) الذي بايع تنظيم (داعش) لاحقًا.

مصدر خاص من درعا أكد لـ (جيرون) أن “(دار العدل) كانت بداية محكمة شرعية، ويقوم على رأسها مجموعة من المشايخ، ولكن تمكن أهل درعا، في ما بعد، من إزاحة أصحاب المشاريع العابرة للحدود، وأصبحت المحكمة حورانية خالصة، وتم اعتماد القانون العربي الموحد كمرجعية للمحكمة”، أضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: “هناك تعاون مع (تجمع المحامين الأحرار)، حيث يشكل المحامون نسبة 40 في المئة من قضاة المحكمة، وكذلك نائب رئيس المحكمة من المحامين الأحرار، كما أنها سمحت للمحامين بمرافعات الدفاع، ولا يوجد حاليًا محاكمة في الدار من دون دفاع، وهذه سابقة في الثورة السورية. كما قامت (دار العدل) بإضافة قانون المخدرات إلى القانون العربي الموحد، وبتطوير بعض المواد القانونية فيه”.

تعدّ المحكمة المرجعيةَ الوحيدة في مناطق درعا الخاضعة لفصائل المعارضة، ما عدا مناطق سيطرة النظام وتنظيم (داعش)، وقد شارك ممثلو (دار العدل) مؤخرًا بعدة فعاليات دولية، وخصوصًا تلك التي أقامتها منظمة “نداء جنيف”، في مدينة جنيف السويسرية، حول إنشاء محاكم خارج سلطة الحكومات.

وتقوم (دار العدل) -بحسب القائمين عليها- بكافة مهام السلطة القضائية، فهي تقوم بـ:

محاكمات جنائية وجزائية، مع وجود محاكم بدايات وتمييز وصلح. إبرام وتصديق عقود البيع والشراء. تصديق عقود الزواج واعتمادها من قبل مديرية السجل المدني.

أكّد العبسي أن الدار تلقت -حتى نهاية العام الماضي- “أكثر من 21 ألف دعوى قضائية، بمختلف الأنواع المدنية والجزائية والأحوال الشخصية، وتم فصل نحو 14 ألف دعوى منها، كما أنه يوجد في سجنها ما يقارب 226 موقوفًا، جرت محاكمتهم بتهم متعددة”. أضاف “تتألف (دار العدل) من 56 قاضيًا، و92 إداريًا، و185 أمنيًا، وقد استشهد 22 من كوادرها، خلال السنوات الماضية”.

المحامي والناشط الحقوقي عاصم الزعبي أوضح لـ (جيرون) أن الدار اعتمدت على أحكام الشريعة الإسلامية، منذ بداية عملها، ولكن تم تقسيم المحكمة إلى محاكم شرعية وجنائية وتمييز؛ لتكون أول هيكلية قضائية في مناطق محررة”.

أضاف الزعبي: “يشكو معظم المواطنين من أن الأحكام لا يتم تطبيقها على عناصر الفصائل الذين يرتكبون جرائم، في الوقت الذي تطبق فيه بصرامة على المدنيين، وتم توثيق هروب العديد ممن ارتكبوا جرائم، من سجون المحكمة، وبخاصة سجن (غرز)، كما أن عدم وجود قوة تنفيذية خاصة بالمحكمة، تكون قادرة على جلب المتهمين الثابت ارتكابهم جرائم، ولّد مشكلة حقيقية”.

الناشط مازن البلخي، المتابع لشؤون الجنوب السوري، أكد لـ (جيرون) أن “(دار العدل) استطاعت سد الفجوة القضائية في مناطق درعا المحررة، بعد أن عمد النظام السوري إلى سحب مؤسسات الدولة. وبالفعل تصدت الدار لمعظم المشكلات القانونية”، وأضاف: “أستطيع أن أقول إن الدار هي من أكثر الجهات القضائية التي تتمتع باستقلالية، وتمثل فعليًا تجربة فريدة في تاريخ الثورة السورية، على اعتبار أنها الجهة الوحيدة التي تمثل مرجعية قضائية وحيدة، في نطاق جغرافي واسع، مثل حوران”.

أضاف البلخي: “من المهم أن نعرف أن الدار سمحت بوصول المحامين لمناصب عليا في المحكمة، في مختلف المحاكم: البدايات والتمييز والصلح، وتعدّ الدار بالنسبة إلى أهل حوران مرجعية للمتخاصمين، وهذا دليل على ثقة الناس بها، ولكنها تحتاج إلى الدعم لتستمر في عملها، وبخاصة في إطعام وعلاج المساجين، أتمنى أن تكون (دار العدل) جزءًا فاعلًا من منظومة القضاء السوري بعد التسوية السياسية، وأن تطبق القوانين التي يتفق عليها عموم السوريين، في مرحلة الاستقرار”.

عن المشكلات التي تواجه (دار العدل)، قال العبسي: “تواجه الدار نقصًا شديدًا من الموارد المالية، وعدم وجود جهاز شرطة منظم يكون رديفًا للقضاء؛ ما يضطرها أحيانًا إلى تولي مهمّات إضافية هي من مهمات جهاز الشرطة، كحماية السجون وإدارتها وملاحقة المطلوبين؛ ما استنزف طاقات وموارد الدار بشكل كامل، إضافة إلى أن قضاة (دار العدل) والعاملين فيها لم يتلقوا رواتبهم منذ قرابة العام؛ ما دفع كثيرين منهم إلى الاستقالة، الأمر الذي رتب أعباء إضافية على العاملين”.

أوضح المصدر الخاص أن عدم دعم الجهات الدولية للدار يرجع إلى أن “الدار تعتمد القانون العربي الموحد، بينما تشترط المنظمات الدولية عليها اعتماد القانون السوري، بدلًا عنه”. وتجري حاليًا عدة محاولات ومطالب لتجاوز هذا الأمر. الناس يريدون قانونًا أقرب للشريعة ويعدّ القانون العربي الموحد مقبولًا بهذا الخصوص، إضافة إلى أنه عند تطبيق القانون السوري، من الممكن أن يكون حجة للفصائل الاسلامية للقول إن (دار العدل) تطبق قانونًا وضعيًا، وهذا ما سيهدد وجود المحكمة وتمثيلها”.

يرى ناشطون من حوران أن الحل يجب أن يكون عبر اتفاق مختلف ممثلي الحراك المدني في درعا، على توقيع وثيقة للمطالبة باستبدال القانون العربي الموحد بالقانون السوري، بحيث تكون هذه الخطوة مدعومة من قبل “مجلس المحافظة، نقابة المحامين الأحرار، مديريات الحكومة المؤقتة، منظمات المجتمع المدني، رابطة أهل حوران، مجلس ثوار حوران، هيئة الإصلاح، هيئة المتابعة والإشراف”.

ينظر معظم المهتمين في الشأن القضائي السوري إلى (دار العدل)، على أنها المحاولة الأنجح لتقديم قضاء مستقل خارج عن سيطرة سلطة النظام، مطالبين القائمين على الدار بالإسراع إلى تطبيق المعايير الدولية، لتعزيز هذه التجربة على المستوى السوري.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون