الخطاب الوطني السوري المطلوب

25 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2018

6 minutes

اعتاد السوريون المعارضون على الانقسام والتشتت، عند كل موقف أو حدث سوري جديد، سواء أكان عسكريًا أم سياسيًا أم إعلاميًا، بل حتى لو كان رياضيًا. لوحظ ذلك من الأيام الأولى للثورة السورية، من الدعوة إلى تشكيل جسم سياسي يعبّر عن الثورة (المجلس الوطني، الائتلاف، الهيئة العليا للمفوضات… الخ)، إضافة إلى الدعوات الدولية والإقليمية للحل السياسي في سورية، من مؤتمرات جنيف، أستانا، سوتشي… وغيرها، التي ما زالت مستمرة حتى الآن. والدليل الملموس على ذلك في هذه الأيام الحدثُ العسكري الجديد على الساحة السورية، وهو دخول القوات العسكرية التركية الأراضي السورية، وتحديدًا مدينة عفرين، بهدف توجيه ضربة عسكرية لتنظيم (ب ي د) الإرهابي، حسب التصنيف التركي ودول أخرى؛ حيث طغت اللغة السياسية الشتائمية بين السوريين المعارضين، بل اللغة التخوينية، وبخاصة الفيسبوكية؛ وتشتتَ المشتتُ سياسيًا أكثر من السابق، بين فريق المؤيدين للتدخل التركي، وفريق المعارضين له، وفريق ثالث يعارض التدخل العسكري التركي ويعارض في الوقت نفسه قوات تنظيم (ب ي د) الكردي، ومواقف أخرى بين المواقف الثلاث الأساسية، حيث علَت أصوات المعارضين للتدخل العسكري، بالتنديد والشتم، لكل مشارك ومتعاطف من السوريين مع العملية العسكرية التركية، وبالتذكير بالماضي العثماني الاستبدادي، والخوازيق العثمانية، وأطلقت التسميات السياسية الجديدة، كما هو معتاد في الساحة السياسية السورية: “الجماعة الأردوغانية العثمانية”، أو بِلغة الشتائم: “جماعة الخوازيق العثمانية”. وبالتالي؛ ازدادت المجموعات السياسية، كما يحبذ السوريون تسميتها تاريخيًا: جماعة (تركيا، أميركا، إيران، روسيا، قطر، الإمارات، السعودية… الخ)، ما عدا سورية. والاتهامات والشتائم جاهزة للتوزيع، لكل من لا يتفق مع آرائهم السياسية، وتشتَت بوصلة المعارضين السوريين عن عدوهم الحقيقي: النظام الاستبدادي الأسدي وحلفائه.

لقد كشفت السنوات الست الأخيرة، عن التشوهات السياسية والأخلاقية الكبيرة لبعض السوريين، الذين صدروا أنفسهم، كسياسيين معارضين، فلم يستطيعوا الخروج من كونهم سياسيين تسلطيين بالجوهر، فكرًا وممارسة، الذين لم يتخلصوا من الثقافة الاستبدادية التي سادت في سورية خمسين عامًا من الحكم الأسدي، التي ما زالت سائدة.

هذا الخطاب السياسي الشتائمي التخويني المشتت لما هو مشتت بالأصل، والانتقاد الموجه له، لا يعني أننا ندعو إلى خطاب سياسي موحد ومتجانس للسوريين المعارضين، كخطاب النظام السياسي والإعلامي، بل العكس تمامًا، لا يمكن أن يكون الخطاب السوري السياسي المعارض إلا متعددًا ومتنوعًا؛ كون المجتمع السوري بالأساس متنوعًا -اجتماعيًا، دينيًا، ثقافيًا، قوميًا، سياسيًا، اقتصاديًا- ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلافات وتمايزات في الرؤى السياسية، بل من الطبيعي وجود صراعات سياسية، وهي حالة صحية، وبالتالي ما ندعو إليه هو إيجاد معايير سياسية ووطنية مشتركة للخطاب السياسي المعارض -مهما تعددَ وتنوع- تكون بوصلته الوطنية في الوقت الراهن، التي من أهمها:

1- بناء التنظيمات السياسية السورية كتنظيمات ديمقراطية، تشجع الاتصال الديمقراطي بين أعضائها، وتترجم معارفها إلى توصيات إجرائية، تدور حول الطريقة التي يمكن بها أن تمارس هذه التنظيمات السلوك الديمقراطي في الواقع المعاش.

2- تبني مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، نظرية وممارسة، حيث ما زالت العديد من التشكيلات السياسية تشكو من تقلص أطر الممارسة الديمقراطية والرأي الآخر والحوار، في داخلها ومع الآخرين، وما اللغة التخوينية الشتائمية إلا دليل ملموس على ذلك.

3- تبني استراتيجية بناء دولة القانون السورية المستقبلية (دولة المؤسسات القانونية والدستورية) صاحبة السيادة والقرارات المستقلة داخليًا وخارجيًا.

4- التشديد على وحدة الأراضي السورية، كهدف سياسي استراتيجي، له الأولوية في نضالاتها السياسية وغيرها.

5- محاربة الدعوات التقسيمية كافة، من خلال الاعتماد على إيجاد المؤسسات السورية الديمقراطية التي تجمع السوريين كافة، للدفاع عن وحدة سورية الجغرافية.

6- التصدي لكل محاولات الهيمنة الخارجية التي تستهدف وجود سورية كدولة، من خلال تعبئة طاقات السوريين بكل فئاتهم الشعبية في نضال طويل ومتعدد الأساليب والأدوات، على كافة الصعد.

7- الانفتاح على كافة القوى العالمية (دول ومنظمات وأحزاب..) التي تساند الشعب السوري، في نضالاته بالخلاص من الاستبداد والاحتلالات، والاستفادة من تعددها واختلافاتها وتناقضاتها السياسية لصالح القضية السورية.

8- تبني خطاب سياسي وطني من قبل المعارضة السورية، يتضمن جميع ألوان الطيف السياسي والثقافي للسورين كافة، والابتعاد عن الفئوية الطائفية والمذهبية، والقومية والجغرافية.

وأخيرًا: على القوى السياسية السورية كافة، أن تجيز الرأي المخالف برحابة صدر، وأن تحسن الاستماع والإنصات للآخرين، وأن تبتعد عن لغة التخوين للآخر المختلف سياسيًا -وربما المخطئ بالتحليل السياسي أحيانًا- فلا حل للمشكلات السياسية القائمة بينها إلا بالحوار الهادئ الرصين والاستفادة من كل الانتقادات، للوصول إلى خطاب سياسي متعدد ومتنوع، وموحّد في الوقت نفسه على أسس الثوابت الوطنية السورية الجامعة للسوريين كافة، التي بوصلتها الوطنية خدمة السوريين على الصعد كافة. إنه الخطاب الوطني السوري.

طلال المصطفى
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون