الدفاع المدني في إدلب.. صناعة الأمل

25 يناير، 2018

محمد

يناير 25 2018

تحقيقاتمقالات بارزة

الدفاع المدني في إدلب.. صناعة الأمل

هدى يحيى

إعلامية وناشطة من ريف إدلب، حائزة على إجازة في التاريخ

 

بقلم هدى يحيى.

راح الشاب زاهر الحسين (25 عاماً) يتصبّب عرقاً بينما يبحث بين الأنقاض عن ناجين إثر تعرّض إحدى المباني في معرة النعمان لقصف الطيران الحربي التابع للنظام السوري، ليفاجأ بصرخة طفل تحدّت الموت تحت أكوام الدمار، فكان أن نجح بعزيمة كبيرة وإرادة صلبة بإخراج الطفل الذي كتبت له الحياة على يده.
زاهر الحسين واحد من مئات الشبان والشابات الذين اختاروا العمل في الدفاع المدني، شباب يخاطرون بحياتهم من خلال تطوّعهم في منظومة الدفاع المدني السوري لإنقاذ أرواح الآخرين دون أي مقابل مادي، مركزين على هدف وحيد وهو الهدف الإنساني البحت، المتركز حول تقديم الخدمات الإنسانية المتعدّدة.
أهم الخدمات التي يقدمها الدفاع المدني هي: التحذير من المخاطر والهجمات، البحث والإنقاذ في المناطق السكنية عن ناجين، إخلاء السكان المدنيين في مناطق القتال التي فيها انتهاكات، توفير الخدمات الطبية، بما في ذلك الإسعافية وإطفاء الحرائق وإدارة ملاجئ الطوارئ.
يقول زاهر  لحكاية ما انحكت: “بمجرد أن تحدث الغارة نتوجه فورا للمكان، غير آبهين بكثرة الأخطار المحدقة بنا، فنقوم بواجبنا الإنساني في مساعدة الآخرين وانتشالهم من بين الأنقاض”. يصمت قليلاً ليتابع منفعلاً: “لا شيء يفرحنا أكثر من مشاهدة يد أو قدم تتحرّك بين الأنقاض أو سماع صوت ناج ينتظر من يسمعه ويمد له يد العون لنقوم بمساعدته على الفور وإخراجه من براثن الموت إلى الحياة من جديد. من جهة أخرى لا شيء يحزننا كأن نجد أحدهم يحتضر ولا نستطيع إنقاذه”، مبدياً حزنه العميق إثر احتراق أحد الأطفال في بلدة كفرسجنة بفعل غارة للطيران الحربي على منزله دون تمكن عناصر الدفاع المدني الذين وصلوا متأخرين من إنقاذه.
عن منظومة الدفاع المدني وتوزع مراكزه في إدلب وريفها، يتحدث قائد قطاع معرة النعمان، محمد ذكره (40 عاماً)، موضحاً لحكاية ما انحكت أنّ محافظة إدلب تقسم إلى سبعة قطاعات وهي: إدلب الغربية، إدلب الشرقية، معرة النعمان، حارم، أريحا، جسر الشغور وخان شيخون. أما بالنسبة لعدد مراكز كل قطاع، فهناك خمسة مراكز تابعة لمعرة النعمان، أربعة مراكز لخان شيخون، أربعة لحارم، خمسة لأريحا، ستة لإدلب الغربية، ثلاثة لإدلب الشرقية وخمسة لجسر الشغور. أما بالنسبة لعدد عناصر الدفاع المدني في محافظة إدلب، فهو ما يقارب الـ 900 متطوع، وفقاً لمعلوماته.
للنساء دور أيضاً
لم تكن المرأة بمنأى عن عمل الدفاع المدني في إدلب وريفها، إذ شاركت منذ عام 2013 تزامناً مع تأسيس الدفاع المدني السوري، الذي سعى لإشراك المرأة في المنظومات الإسعافية لتقوم بمهامها ومشاركة رجال الدفاع المدني مهامهم من خلال افتتاح مراكز نسائية بشكل متتال في مختلف المناطق المحرّرة، حيث بلغ عدد المراكز النسائية في إدلب وريفها نحو 12 مركز.
تختص مراكز الدفاع المدني النسائية في توعية السكان حول مخلفات الحرب وتأهيل الأماكن الأكثر أمنا في حالات القصف، بالإضافة لتقديم الرعاية الطبية والدعم النفسي في المدارس، والمشاركة في عملية إنقاذ النساء أثناء القصف.
لا ينسى الطفل إيهاب (12 عاماً) كيف استفاد من محاضرات الدفاع المدني حين نُبّه لضرورة عدم ملامسة الأشياء الغريبة التي قد يجدها أمامه، إذ إنه تلافى حمل إحدى الألعاب الغريبة في طريق عودته من المدرسة بعد أن تذكر نصائح عناصر الدفاع، ليتبين أنّ اللعبة فعلاً عبارة عن قنبلة تمّ إلقاؤها من إحدى الطائرات، حيث قام عناصر الدفاع بتفكيكها على الفور.
هزار كليب (22 عاماً)، إحدى المتطوعات في الدفاع المدني في مركز معرة النعمان، تشرح طبيعة عملها لحكاية ما انحكت، بأنّها تداوم في المركز بشكل يومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، ويتركز عملها في مساعدة واستقبال الحالات الباردة الوافدة إلى المركز مثل العناية بالحوامل والأطفال.
 تقول لحكاية ما انحكت: “يقدم مركزنا بعض الأدوية البسيطة المتوفرة، وفي حال وجود حالات مستعصية وحرجة نقوم بتحويلها الى أقرب مشفى لمتابعة العلاج”، وتؤكد الكليب، بأنهن يرافقن المريضة حتى المشافي الحدودية أو التركية إذا لزم الأمر بواسطة سيارات الدفاع وبشكل مجاني، “فالمهم بالنسبة لنا هو الاطمئنان على صحة المريضة وأنها غدت في أيدٍ أمينة”.
هزار تحب عملها ومولعة به، فهي وإن لامست صعوبته وقساوة المناظر التي يرونها بشكل شبه يومي، إلا أنها سرعان ما اعتادت عملها وتأقلمت معه، بل وهي اليوم تشعر بسعادة كبيرة كلما ساهمت في إنقاذ أحدهم، إذ تعبّر عن ذلك وقد رسمت ابتسامة على وجهها “إنه لشعور عظيم بأن يكتب لشخص الحياة على يديك، يكفي أن تشعر بإنسانيتك وروعة ما تقوم به”.
صراع مع المجتمع ومهمات أخرى
واجهت الكليب في بداية عملها ضمن الدفاع المدني انتقادات من حيث عدم تقبّل المجتمع لعمل الإناث في هذا المجال، لكن بعد أن أثبتت المرأة قدراتها ومسؤوليتها، غدا الأمر مقبولاً لدرجة أنّ بعض الأسر أخذت تشجع بناتها على الانضمام لمراكز الدفاع المدني.
تذكر الكليب بأنه تمّ تدريبهن على تقديم الإسعاف الطبي في حالات الطوارئ وأعمال البحث والإنقاذ الخفيفة، وذلك ضمن ورشات تدريب أقيمت في كل من تركيا والمناطق المحرّرة.

(عناصر من الدفاع المدني السوري خلال تأدية واجبهم بعد قصف جوي. المصدر: موقع الدفاع المدني السوري، والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

إضافة لعملهم الميداني، يقوم الدفاع المدني بإطلاق الحملات التوعوية بشكل مستمر، ومن هذه الحملات على سبيل المثال لا الحصر، إطلاق خدمة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتمكن فيها المشترك من استلام التحذيرات عن الطيران الحربي في عموم مناطق سورية عبر خدمة التحذير المبكر بمّا يسمى الراصد، هذه الخدمة تعتمد بشكل أساسي على الرصد بالتعاون مع شبكة من المراصد الموزعة في كل أماكن عمل الدفاع المدني كإدلب، حلب، درعا، ريف اللاذقية، ريف دمشق، ريف حماه، القنيطرة، وتهدف الخدمة لتخفيف الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية على المدنيين، والتقليل من الأذى الذي قد يلحق بهم، حيث تصل الرسالة التحذيرية للمدنيين المتواجدين تحت القصف مما يمكنهم من أخذ الحيطة والحذر بغية حماية أنفسهم.
أم محمد الأربعينة لا يمكنها التخلّي عن سماع الراصد كلما سمعت صوت الطيران يحلق فوق بلدتها كفروما، تقول: “أستطيع معرفة مكان التنفيذ، فإن كان قريباً منّا نزلت إلى الملجأ مع أبنائي، أما إن كان التنفيذ بعيداً عنّا فلا داعي لذلك”.
الصعوبات.. قصف مستمر وقلة معدات
صعوبات عديدة واجهت وتواجه منظومة الدفاع المدني في إدلب وريفها. هذه الصعوبات يتحدث عنها مطيع جلال (30 عاماً) أحد عناصر الدفاع المدني في سرمين، فيقول لحكاية ما انحكت: “تكثيف الطيران والقصف على مختلف مناطق المحافظة، تسبب في وقوع مجازر عديدة، الأمر الذي عرضنا لضغوط كبيرة في متابعة أماكن القصف”، لافتاً أن مراكز الدفاع المدني ليست متواجدة في كل قرية أو بلدة. كما ويعاني الدفاع من قلة المعدات اللازمة كسيارات الإسعاف، سيارات إطفاء، جرافات ورافعات.. مما يؤدي لضياع الكثير من الوقت في إخراج العالقين تحت الأنقاض. ويردف جلال بأن استهداف الطيران الحربي لفرق الدفاع أثناء تأدية واجبهم الإنساني يعتبر من أكثر التحديات التي تواجههم، ذلك أنه قد أودى بحياة الكثيرين من عناصر الدفاع المدني وإصابة العشرات كان بينهم إعاقات دائمة.
لم يسلم عناصر الدفاع المدني رغم حيادهم وعملهم الإنساني من إجرام الفاسدين المعتدين، إذ تعرّض سبعة عناصر منهم للقتل بينما هم مناوبون داخل مركزهم في سرمين بتاريخ 12آب/ أغسطس 2017. وعلى الرغم من إلقاء القبض على الفاعلين فيما بعد، والذين تبيّن أنهم عبارة عن مجرمين غايتهم السرقة ولا يتبعون لأية جهة، فإن الحادثة لاقت استنكاراً واسعاً من جميع فئات المجتمع الذي كانت ردة فعله تشكيل لجان أمنية لحماية مراكز الدفاع المدني من الاعتداء بحسب ما صرح به سعيد موحد (25 عاماً) أحد المنظمين لمبادرة اللجان.
العلاقة مع المؤسسات الأخرى
علاقات تعاون تجمع الدفاع المدني مع المجالس المحلية في إدلب وريفها، هذا ما عبر عنه رئيس المجلس المحلي لمدينة سراقب، ابراهيم باريش (50 عاماً)، فهي علاقة تنسيق في حالات الطوارئ والتواصل اليومي لتزويد الدفاع بالآليات والعمال إن لزم الأمر، وفق قول الباريش. من جهته، أفاد محمود الخطيب (23 عاماً) وهو رئيس المكتب الاعلامي لدى المجلس المحلي في بلدة حزانو، بأن بلدتهم تضم مصدر المياه الرئيسي لتزويد سيارات إطفاء الدفاع بالمياه بشكل دوري ومستمر، هذا المصدر يشرف مجلسهم عليه ويحافظ على جاهزيته.
أيضا هنالك علاقات تنسيق وتعاون مشترك بين منظومة الدفاع المدني ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة. يتحدث عن هذه العلاقات المسؤول التنفيذي لدى منظمة سوريا للإغاثة والتنمية، عبيدة دندوش (30 عاماً)، قائلاً: “في حال قصف أي منطقة في إدلب وريفها، يعلمنا الدفاع المدني عن عدد سيارات الإسعاف التي يحتاجها فنزوده بها، أو المشافي التي يوّد توجيه الحالات إليها ليكون هنالك دراية عن توجيه الحالات للمشافي التي تتواجد فيها الاختصاصات المطلوبة لإسعاف المصابين، تفادياً لخطر تأخير الحالات في الوصول للإسعاف والعلاج المناسب”.
ويكشف الدندوش عن وجود ترددات على القبضات اللاسلكية بينهم وبين الدفاع المدني لسرعة التواصل، وكذلك مجموعات على الأنترنت تشمل جميع منظومات الإسعاف والدفاع المدني في الشمال السوري.
الدفاع المدني منظمة إنسانية لا تنتمي لأي فصيل عسكري، يعمل بحيادية ويقدم خدماته لجميع محتاجيه بغض النظر إن كانوا مدنيين أو عسكريين. إنهم أصحاب الخوذ البيضاء تراهم في أماكن الخطر والدمار، يؤثرون غيرهم على أنفسهم، فينقذون الأرواح غير آبهين بأرواحهم التي أزهقت المئات منها بسلاح طيران لا يراعي أخلاقيات الحرب.

(الصورة الرئيسية: عنصر من الدفاع المدني السوري ينقذ طفلا بعد قصف جوي. المصدر: الموقع الرسمي للدفاع المدني السوري، والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

هدى يحيى

إعلامية وناشطة من ريف إدلب، حائزة على إجازة في التاريخ

 

بقلم هدى يحيى.

راح الشاب زاهر الحسين (25 عاماً) يتصبّب عرقاً بينما يبحث بين الأنقاض عن ناجين إثر تعرّض إحدى المباني في معرة النعمان لقصف الطيران الحربي التابع للنظام السوري، ليفاجأ بصرخة طفل تحدّت الموت تحت أكوام الدمار، فكان أن نجح بعزيمة كبيرة وإرادة صلبة بإخراج الطفل الذي كتبت له الحياة على يده.
زاهر الحسين واحد من مئات الشبان والشابات الذين اختاروا العمل في الدفاع المدني، شباب يخاطرون بحياتهم من خلال تطوّعهم في منظومة الدفاع المدني السوري لإنقاذ أرواح الآخرين دون أي مقابل مادي، مركزين على هدف وحيد وهو الهدف الإنساني البحت، المتركز حول تقديم الخدمات الإنسانية المتعدّدة.
أهم الخدمات التي يقدمها الدفاع المدني هي: التحذير من المخاطر والهجمات، البحث والإنقاذ في المناطق السكنية عن ناجين، إخلاء السكان المدنيين في مناطق القتال التي فيها انتهاكات، توفير الخدمات الطبية، بما في ذلك الإسعافية وإطفاء الحرائق وإدارة ملاجئ الطوارئ.
يقول زاهر  لحكاية ما انحكت: “بمجرد أن تحدث الغارة نتوجه فورا للمكان، غير آبهين بكثرة الأخطار المحدقة بنا، فنقوم بواجبنا الإنساني في مساعدة الآخرين وانتشالهم من بين الأنقاض”. يصمت قليلاً ليتابع منفعلاً: “لا شيء يفرحنا أكثر من مشاهدة يد أو قدم تتحرّك بين الأنقاض أو سماع صوت ناج ينتظر من يسمعه ويمد له يد العون لنقوم بمساعدته على الفور وإخراجه من براثن الموت إلى الحياة من جديد. من جهة أخرى لا شيء يحزننا كأن نجد أحدهم يحتضر ولا نستطيع إنقاذه”، مبدياً حزنه العميق إثر احتراق أحد الأطفال في بلدة كفرسجنة بفعل غارة للطيران الحربي على منزله دون تمكن عناصر الدفاع المدني الذين وصلوا متأخرين من إنقاذه.
عن منظومة الدفاع المدني وتوزع مراكزه في إدلب وريفها، يتحدث قائد قطاع معرة النعمان، محمد ذكره (40 عاماً)، موضحاً لحكاية ما انحكت أنّ محافظة إدلب تقسم إلى سبعة قطاعات وهي: إدلب الغربية، إدلب الشرقية، معرة النعمان، حارم، أريحا، جسر الشغور وخان شيخون. أما بالنسبة لعدد مراكز كل قطاع، فهناك خمسة مراكز تابعة لمعرة النعمان، أربعة مراكز لخان شيخون، أربعة لحارم، خمسة لأريحا، ستة لإدلب الغربية، ثلاثة لإدلب الشرقية وخمسة لجسر الشغور. أما بالنسبة لعدد عناصر الدفاع المدني في محافظة إدلب، فهو ما يقارب الـ 900 متطوع، وفقاً لمعلوماته.
للنساء دور أيضاً
لم تكن المرأة بمنأى عن عمل الدفاع المدني في إدلب وريفها، إذ شاركت منذ عام 2013 تزامناً مع تأسيس الدفاع المدني السوري، الذي سعى لإشراك المرأة في المنظومات الإسعافية لتقوم بمهامها ومشاركة رجال الدفاع المدني مهامهم من خلال افتتاح مراكز نسائية بشكل متتال في مختلف المناطق المحرّرة، حيث بلغ عدد المراكز النسائية في إدلب وريفها نحو 12 مركز.
تختص مراكز الدفاع المدني النسائية في توعية السكان حول مخلفات الحرب وتأهيل الأماكن الأكثر أمنا في حالات القصف، بالإضافة لتقديم الرعاية الطبية والدعم النفسي في المدارس، والمشاركة في عملية إنقاذ النساء أثناء القصف.
لا ينسى الطفل إيهاب (12 عاماً) كيف استفاد من محاضرات الدفاع المدني حين نُبّه لضرورة عدم ملامسة الأشياء الغريبة التي قد يجدها أمامه، إذ إنه تلافى حمل إحدى الألعاب الغريبة في طريق عودته من المدرسة بعد أن تذكر نصائح عناصر الدفاع، ليتبين أنّ اللعبة فعلاً عبارة عن قنبلة تمّ إلقاؤها من إحدى الطائرات، حيث قام عناصر الدفاع بتفكيكها على الفور.
هزار كليب (22 عاماً)، إحدى المتطوعات في الدفاع المدني في مركز معرة النعمان، تشرح طبيعة عملها لحكاية ما انحكت، بأنّها تداوم في المركز بشكل يومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، ويتركز عملها في مساعدة واستقبال الحالات الباردة الوافدة إلى المركز مثل العناية بالحوامل والأطفال.
 تقول لحكاية ما انحكت: “يقدم مركزنا بعض الأدوية البسيطة المتوفرة، وفي حال وجود حالات مستعصية وحرجة نقوم بتحويلها الى أقرب مشفى لمتابعة العلاج”، وتؤكد الكليب، بأنهن يرافقن المريضة حتى المشافي الحدودية أو التركية إذا لزم الأمر بواسطة سيارات الدفاع وبشكل مجاني، “فالمهم بالنسبة لنا هو الاطمئنان على صحة المريضة وأنها غدت في أيدٍ أمينة”.
هزار تحب عملها ومولعة به، فهي وإن لامست صعوبته وقساوة المناظر التي يرونها بشكل شبه يومي، إلا أنها سرعان ما اعتادت عملها وتأقلمت معه، بل وهي اليوم تشعر بسعادة كبيرة كلما ساهمت في إنقاذ أحدهم، إذ تعبّر عن ذلك وقد رسمت ابتسامة على وجهها “إنه لشعور عظيم بأن يكتب لشخص الحياة على يديك، يكفي أن تشعر بإنسانيتك وروعة ما تقوم به”.
صراع مع المجتمع ومهمات أخرى
واجهت الكليب في بداية عملها ضمن الدفاع المدني انتقادات من حيث عدم تقبّل المجتمع لعمل الإناث في هذا المجال، لكن بعد أن أثبتت المرأة قدراتها ومسؤوليتها، غدا الأمر مقبولاً لدرجة أنّ بعض الأسر أخذت تشجع بناتها على الانضمام لمراكز الدفاع المدني.
تذكر الكليب بأنه تمّ تدريبهن على تقديم الإسعاف الطبي في حالات الطوارئ وأعمال البحث والإنقاذ الخفيفة، وذلك ضمن ورشات تدريب أقيمت في كل من تركيا والمناطق المحرّرة.

(عناصر من الدفاع المدني السوري خلال تأدية واجبهم بعد قصف جوي. المصدر: موقع الدفاع المدني السوري، والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

إضافة لعملهم الميداني، يقوم الدفاع المدني بإطلاق الحملات التوعوية بشكل مستمر، ومن هذه الحملات على سبيل المثال لا الحصر، إطلاق خدمة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتمكن فيها المشترك من استلام التحذيرات عن الطيران الحربي في عموم مناطق سورية عبر خدمة التحذير المبكر بمّا يسمى الراصد، هذه الخدمة تعتمد بشكل أساسي على الرصد بالتعاون مع شبكة من المراصد الموزعة في كل أماكن عمل الدفاع المدني كإدلب، حلب، درعا، ريف اللاذقية، ريف دمشق، ريف حماه، القنيطرة، وتهدف الخدمة لتخفيف الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية على المدنيين، والتقليل من الأذى الذي قد يلحق بهم، حيث تصل الرسالة التحذيرية للمدنيين المتواجدين تحت القصف مما يمكنهم من أخذ الحيطة والحذر بغية حماية أنفسهم.
أم محمد الأربعينة لا يمكنها التخلّي عن سماع الراصد كلما سمعت صوت الطيران يحلق فوق بلدتها كفروما، تقول: “أستطيع معرفة مكان التنفيذ، فإن كان قريباً منّا نزلت إلى الملجأ مع أبنائي، أما إن كان التنفيذ بعيداً عنّا فلا داعي لذلك”.
الصعوبات.. قصف مستمر وقلة معدات
صعوبات عديدة واجهت وتواجه منظومة الدفاع المدني في إدلب وريفها. هذه الصعوبات يتحدث عنها مطيع جلال (30 عاماً) أحد عناصر الدفاع المدني في سرمين، فيقول لحكاية ما انحكت: “تكثيف الطيران والقصف على مختلف مناطق المحافظة، تسبب في وقوع مجازر عديدة، الأمر الذي عرضنا لضغوط كبيرة في متابعة أماكن القصف”، لافتاً أن مراكز الدفاع المدني ليست متواجدة في كل قرية أو بلدة. كما ويعاني الدفاع من قلة المعدات اللازمة كسيارات الإسعاف، سيارات إطفاء، جرافات ورافعات.. مما يؤدي لضياع الكثير من الوقت في إخراج العالقين تحت الأنقاض. ويردف جلال بأن استهداف الطيران الحربي لفرق الدفاع أثناء تأدية واجبهم الإنساني يعتبر من أكثر التحديات التي تواجههم، ذلك أنه قد أودى بحياة الكثيرين من عناصر الدفاع المدني وإصابة العشرات كان بينهم إعاقات دائمة.
لم يسلم عناصر الدفاع المدني رغم حيادهم وعملهم الإنساني من إجرام الفاسدين المعتدين، إذ تعرّض سبعة عناصر منهم للقتل بينما هم مناوبون داخل مركزهم في سرمين بتاريخ 12آب/ أغسطس 2017. وعلى الرغم من إلقاء القبض على الفاعلين فيما بعد، والذين تبيّن أنهم عبارة عن مجرمين غايتهم السرقة ولا يتبعون لأية جهة، فإن الحادثة لاقت استنكاراً واسعاً من جميع فئات المجتمع الذي كانت ردة فعله تشكيل لجان أمنية لحماية مراكز الدفاع المدني من الاعتداء بحسب ما صرح به سعيد موحد (25 عاماً) أحد المنظمين لمبادرة اللجان.
العلاقة مع المؤسسات الأخرى
علاقات تعاون تجمع الدفاع المدني مع المجالس المحلية في إدلب وريفها، هذا ما عبر عنه رئيس المجلس المحلي لمدينة سراقب، ابراهيم باريش (50 عاماً)، فهي علاقة تنسيق في حالات الطوارئ والتواصل اليومي لتزويد الدفاع بالآليات والعمال إن لزم الأمر، وفق قول الباريش. من جهته، أفاد محمود الخطيب (23 عاماً) وهو رئيس المكتب الاعلامي لدى المجلس المحلي في بلدة حزانو، بأن بلدتهم تضم مصدر المياه الرئيسي لتزويد سيارات إطفاء الدفاع بالمياه بشكل دوري ومستمر، هذا المصدر يشرف مجلسهم عليه ويحافظ على جاهزيته.
أيضا هنالك علاقات تنسيق وتعاون مشترك بين منظومة الدفاع المدني ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة. يتحدث عن هذه العلاقات المسؤول التنفيذي لدى منظمة سوريا للإغاثة والتنمية، عبيدة دندوش (30 عاماً)، قائلاً: “في حال قصف أي منطقة في إدلب وريفها، يعلمنا الدفاع المدني عن عدد سيارات الإسعاف التي يحتاجها فنزوده بها، أو المشافي التي يوّد توجيه الحالات إليها ليكون هنالك دراية عن توجيه الحالات للمشافي التي تتواجد فيها الاختصاصات المطلوبة لإسعاف المصابين، تفادياً لخطر تأخير الحالات في الوصول للإسعاف والعلاج المناسب”.
ويكشف الدندوش عن وجود ترددات على القبضات اللاسلكية بينهم وبين الدفاع المدني لسرعة التواصل، وكذلك مجموعات على الأنترنت تشمل جميع منظومات الإسعاف والدفاع المدني في الشمال السوري.
الدفاع المدني منظمة إنسانية لا تنتمي لأي فصيل عسكري، يعمل بحيادية ويقدم خدماته لجميع محتاجيه بغض النظر إن كانوا مدنيين أو عسكريين. إنهم أصحاب الخوذ البيضاء تراهم في أماكن الخطر والدمار، يؤثرون غيرهم على أنفسهم، فينقذون الأرواح غير آبهين بأرواحهم التي أزهقت المئات منها بسلاح طيران لا يراعي أخلاقيات الحرب.

(الصورة الرئيسية: عنصر من الدفاع المدني السوري ينقذ طفلا بعد قصف جوي. المصدر: الموقع الرسمي للدفاع المدني السوري، والصورة تنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)

ثقافةرأي الموقعسوريا تكتبمقالات رأي

سورية والقابلية للاحتلال

لدينا اليوم في سورية، شرائح اجتماعية، تقبل كل منها بـ “احتلال” ما، عددها بالحد الأدنى أربع: الروسي والتركي والإيراني والأمريكي. الذرائع التي تسوقها كل جماعة أو فئة تكاد تتشابه تقريباً: الدعم الاقتصادي، الحماية، الدعم في وجه الخصوم. الباحث والكاتب محمد ديبو، يقرأ الكامن خلف هذا القبول

الاعلامثقافةثقافةسوريا تكتبشبكات اجتماعيةمجتمع مدنيمقالات مختارةنظرة نقدية

الجماهير والفرد: إعادة النظر في كيفية مناقشة القضايا المعقدة على وسائل التواصل الاجتماعي

ثمة حاجة قصوى لتغيير طرق تواصلنا مع بعضنا البعض. هذه العجالة تخاطب بالتأكيد الأصوات الرائدة التي تعبر عن قضايا هامة (الجنوسة والطبقة وغير ذلك) وتدعوهم لتحمل مسؤولياتهم في شرح مواقفهم ونقاط اختلافهم، وللسعي لإقامة تحالفات وشبكات تضامن واسعة وقابلة للبقاء. من شأن مناقشة هذه القضايا والتعبير عنها بشكل جماعي أن يكون فرصة لا تقدر بثمن لتأسيس ذوات وكتل سياسية جديدة.

ثقافةسوريا تكتبمقالات بارزة

أن تكوني امرأة في سوريا المعسكرة

بعد تكسر السرديات “الوطنية” التي كان يعتمدها النظام، يغدو السؤال: هل ستفرض الحرب السورية تعريفات جديدة للأيديولوجيات الوطنية بناء على مختلف الكيانات الجغرافية؟ الكاتبة رهف الدغلي، تفكك سرديات النظام السوري، متسائلة عما يحمله لنا المستقبل من سرديات بديلة

حكاياتمقالات بارزة

جنازة غير مكلفة (5)

أين يدفن السوريون موتاهم؟ وكيف يتدبرون أمر القبور في ظل هذا الغلاء الفاحش؟ قصة مؤثرة ومؤلمة عن معاناة أخت وأخاها وهم يبحثون عن قبر يضم رفاة أمهم.

حكاياتمقالات بارزة

وجه مالك المفقود (4)

ضد رغبة أمه، تطوع في “الدفاع المدني”، فعاد إليها جثة مع مئة ألف ليرة سورية كتعويض، وزعته الأم على الفقراء في الحارة ولم تصرف منه شيئاً. هنا حكاية “مالك” التي ترويها أليس الشامي من دمشق

حكاياتمقالات بارزة

مصاعب الإيجار في دمشق… المدينة التي لفظتني (3)

اضطرت حياة أن تترك منزلها أكثر من مرة بفعل غلاء الأسعار، الأمر الذي اضطرها إلى ترك العاصمة والعودة إلى منزل أهلها في مدينة طرطوس. حكاية تسلط الضوء على متاعب السكن، عاكسة تحولات الحياة السورية ومصاعبها

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]