من أين يحصل الأسد على مقاتليه؟ (ليس فقط لبنان والعراق)



تحتاج أميركا إلى اتخاذ موقف ضد توريد المقاتلين المدعومين من إيران إلى مناطق الحرب في جميع أنحاء المنطقة.

قوات موالية للرئيس السوري بشار الأسد في منطقة (الخفسة) على الضفة الغربية لنهر الفرات، سورية 9 آذار/ مارس2017، وكالة (سانا) عبر (رويترز).

في مطلع كانون الأول/ ديسمبر، أشار مسؤولون كبار في إدارة ترامب إلى أنّ حوالي 80 في المئة من قوات الدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد، ضد المتمردين في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، هم قواتٌ مستوردة من خارج البلاد. حيث تقوم إيران، وهي أكثر المؤيدين المتحمسين لنظام الأسد، بتدريب القسم الأكبر من هؤلاء المقاتلين، وتجهيزهم.

لكنَّ المثير للاهتمام أنَّ هؤلاء المقاتلين الأجانب، وكلّهم تقريبًا من المسلمين الشيعة، ليسوا فقط من اللبنانيين والعراقيين؛ إذ إنّ أعدادًا كبيرة منهم من جنوب آسيا- وخاصة أفغانستان وباكستان- مما يضيف بعدًا جديدًا تمامًا إلى الحرب الأهلية السورية المستمرة، التي تدخل الآن عامها السابع.

مع استمرار الحرب الأهلية في سورية، ما يزال نظام الأسد يعاني من الإصابات وعمليات الفرار من الجندية، كما قُتل العديد من مقاتليه، أو أصيبوا بجراحٍ في ساحة المعركة، ولتعويض النقص في القوى البشرية؛ توجه النظام إلى إيران للمساعدة في تجنيد مقاتلين جدد، حيث استطاعت إيران الاستفادة من الطابع الطائفي للصراع في سورية، للمساعدة في حشد الأفغان الذين يعيشون في إيران كلاجئين، والذين يبلغ عددهم هناك نحو ثلاثة ملايين.

ينتمي المقاتلون الأفغان إلى فرقةٍ تُعرَف باسم (لواء فاطميون) تحت قيادة وسيطرة حرس الثورة الاسلامية الإيرانية، ووفقًا للمصادر الإيرانية الرسمية، فإنَّ عددهم يراوح بين 10 آلاف و12 ألف مقاتل. وقد شهد العديد من هؤلاء المسلحين أعمالًا قتالية كبيرة في سورية، في كلٍّ من حلب ودرعا ودمشق واللاذقية ومنطقة القلمون، وتشير بعض التقارير إلى أنَّ المئات منهم قد لقوا مصرعهم في المعارك في سورية.

بعض المقاتلين هم محضُ مرتزقة مدفوعين بالمال، وبعضهم مغرّرٌ بوعودٍ بالحصول على الإقامة القانونية، وتصاريح الإقامة لأسرهم لدى عودتهم إلى إيران. أما الآخرون فيحرضهم “المدافعون الشرفاء عن الضريح”، مؤمنين أنَّه واجبٌ دينيّ لحماية الأضرحة الشيعية المقدسة في سورية، بما في ذلك ضريح السيدة زينب، الذي يحظى بتقديس المسلمين الشيعة، حيث يُفترض أنّه يحوي على قبر حفيدة النبي محمد (ص). وفي كثيرٍ من الحالات، يبدو أنَّ معايير التجنيد منخفضة جدًا. المجرمون وغيرهم من غير المرغوب فيهم هم في أغلب الأحيان من بين قوات النظام، يعتبرهم الأسد وقودًا للحرب، حيث يتم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية في سورية.

بالإضافة إلى الأفغان، هناك المقاتلون الأجانب الشيعة الباكستانيين الذين يقاتلون الآن في وحدتهم الخاصة في سورية، والمعروفة باسم (لواء زينبيون). وهذا يمثل تطورًا كبيرًا عن المراحل الأولى للصراع، عندما كان يندمج الشيعة الباكستانيون بشكلٍ روتيني مع وحداتٍ أخرى، لأنَّهم غالبًا ما يفتقرون إلى الأعداد والتدريب، ليكونوا فعالين في ساحة المعركة. وبدءًا من عام 2013، بدأت أعدادٌ كبيرة من الشيعة الباكستانيين من قبيلة (توري) في منطقة القبائل الكورمية، ومن عرقية هازاراس من (كويتا) بالوصول إلى سورية. وفي الوقت نفسه تقريبًا، انتشرت مواقعٌ باللغة الأوردية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي تحثُّ الشيعة الباكستانيين على الانضمام إلى شبكةٍ متنامية من المقاتلين الأجانب في سورية للدفاع عن نظام الأسد ضد مقاتلي (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش)، وغيرها من الجماعات الإرهابية والمتمردة النشطة في جميع أنحاء البلاد.

تميل معظم التحليلات من مراكز الأبحاث الغربية والجامعات، بخصوص المقاتلين الأجانب، إلى التركيز على التهديد الذي يشكلّه الجهاديون السنّة المرتبطون بـ (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش)، والقاعدة، ولكن نمو شبكة المقاتلين الشيعة الأجانب الإيرانيين يمثل أيضًا تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي، وربما عقبةً أكثر خطورةً على الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث يقوم الحرس الثوري الإيراني، وقواته بالوكالة: (حزب الله) اللبناني الإرهابي، بتدريب الشيعة الأفغان، والباكستانيين على الأسلحة والحركة التكتيكية، وعلى حرب الدبابات أيضًا.

مع التدريب المستمر الذي قدمته نخبةٌ من (حزب الله)، وقادة من الحرس الثوري الإيراني، فإنَّ ما كان يُعدّ من قبلُ ميليشياتٍ متنوعة من مقاتلين غير مدربين تطورّ ببطءٍ إلى جنودٍ مدربين تدريبًا جيدًا، ومجهزين جيدًا، ويمكن نشرهم في جميع أنحاء سورية، لدعم الوحدات الموالية للأسد، ونظامه. وعلى الرغم من أنَّ هذه الوحدات تتعرض لمستوياتٍ عالية من الإصابات، لكنّها تكتسب أيضًا خبرةً قتالية ثمينة، وتعمل سويةً مع الجماعات الخبيرة المتطورة التي يمكن أنْ تعلّمهم طرقًا مختلفة لتحسين تكتيكاتهم، وتقنياتهم وأساليبهم.

في حين تمّ تجنيد لواء (فاطميون) ولواء (زينبيون)، وتدريبهما على القتال في سورية تحديدًا، فإن هناك قلقًا متزايدًا من أنَّ هؤلاء المسلحين يمكن أنْ ينشروا الفوضى في أفغانستان وباكستان، على التوالي، عندما يعود عددٌ كبير منهم إلى ديارهم. وبعيدًا عن استخدام المقاتلين الأفغان والباكستانيين في سورية، هناك خيارٌ آخر هو إرسال المسلحين إلى ساحات قتالٍ أخرى، أينما يقاتل الإيرانيون أو يدعمون مجموعاتٍ بالوكالة، بما في ذلك العراق واليمن، حيث تسعى طهران لتوسيع نفوذها، كونها تحارب السعودية في معركةٍ مستمرة من أجل التفوق الإقليمي.

تراقب الولايات المتحدة وحلفاؤها التطورات الجارية في سورية بقلقٍ متزايد. وأحد المخاوف الرئيسة هو أنَّ هذه الشبكة من المقاتلين الأجانب يمكنْ أنْ تساعد إيران على تواجدٍ أكبر خارج الشرق الأوسط، وتتوسع عبر المنطقة، نحو جنوب آسيا. وقال باحثون في مجلس العلاقات الخارجية، منهم (أري هيستاين، وجيمس ويست): “عندما يعود هؤلاء المقاتلون الأجانب المتمرسين بالمعارك إلى ديارهم، بعد أنْ تدربوا جسديًا وعقائديًا من قبل إيران، وبعد أنْ قاموا ببناء شبكةٍ من الناس المتشابهين بالعقل، يمكن أنْ يصبحوا بمثابة شبكاتٍ عابرة للحدود لتعزيز الطموحات الإيرانية القديمة في جنوب آسيا”.

على مدار العام المقبل، قد تسعى الولايات المتحدة، وحلفاؤها السنة في المنطقة -وبخاصة السعودية- إلى تبني دورًا أكثر فاعليةً في تقييم ومواجهة وتطوير استراتيجية متماسكة للانسحاب (العودة إلى السابق)، واحتواء شبكة التهديد الإيرانية، وعلى وجه الخصوص، زراعة فرقة مقاتلة شيعية أجنبية عابرة للحدود.

بناءً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة، وشركائها الخليجيين، ألا يتنازلوا ببساطة عن نفوذهم وعمقهم الاستراتيجي، وأن يضعوا بعض “الخطوط الحمراء الوسيطة”، لإبلاغ إيران بما لا يُمكن التسامح به، وفقًا للخبير في الشؤون الإرهابية: مايكل نايتس. وأيّ شيءٍ أقلَّ من هذا الموقف القوي يمكن أنْ يؤدي إلى وجودٍ إيراني أقوى، في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ ما يجعل احتمالات استمرار الصراع أكثر، وليس أقل.

اسم المقال الأصلي Where Is Assad Getting His Fighters From? (It’s Not Just Lebanon and Iraq) الكاتب* كولن كلارك وفيليب سميث، Colin P. Clarke, Philip Smyth مكان النشر وتاريخه ناشيونال إنتريست، The National Interest

مؤسسة راند، RAND Corp.، 2/1 رابط المقالة http://nationalinterest.org/feature/where-assad-getting-his-fighters-its-not-just-lebanon-iraq-23899?page=show عدد الكلمات 918 ترجمة أحمد عيشة

*- كولن كلارك: خبير سياسي في مؤسسة (راند)، وباحث مساعد في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب- لاهاي.

فيليب سميث: باحث مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي يركز على جماعات الميليشيات الشيعية.


أحمد عيشة


المصدر
جيرون