هجوم إيراني لاذع على الأسد لمنحه بوتين كعكة إعمار سورية



شنّت صحيفة (قانون) الإيرانية، هجومًا لاذعًا على بشار الأسد، لافتة إلى أنّه يعمل على تقليم أظفار إيران في سورية بعد هزيمة تنظيم (داعش) والدخول في مرحلة جديدة.

أشارت الصحيفة، في عددها الصادر يوم الأحد (21 الجاري)، إلى أنّ إيران هي من تحملت التكاليف الباهظة لبقاء بشار الأسد في منصبه الرئاسي. واصفة إياه بأنّه “بلا مبادئ وناكر الجميل”، وذلك لتسليمه ملف إعادة الإعمار في سورية للروس لا للإيرانيين، ومؤكدة أنّه من حق إيران الاستيلاء على حصتها، ولو بالقوة.

نددت الصحيفة بما وصفته تهميش دور إيران في مستقبل سورية، وقالت: “هذه المسألة لم تعد خافية عن أعين الإيرانيين، وكانت سببًا في بعض الاعتراضات داخل أوساط النظام بإيران”. وحول مخاوف الحكومة الإيرانية من عدم حصول إيران على حصتها بسورية، قالت صحيفة (قانون): “يبدو أن روحاني يشعر بفقدان حصة إيران في سورية، وقد تناول الرئيس الإيراني مؤخرًا مسألة إعادة إعمار سورية، وحصة إيران من هذا الملف مع الأسد”.

نوهت الصحيفة إلى استنزاف إيران اقتصاديًا بسورية، وقالت: “أن ندفع ونتحمل ثمن تكلفة هذه الحرب، وفي نهاية الحصاد؛ يجلس آخرون لتقاسم الكعكة على المائدة، حقًا إن هذا ليس عملًا شريفًا، لذلك علينا أن نأخذ حقنا ونتكلم عنه بصراحة، لأن الشعب الإيراني لديه حصته من هذا النصر في سورية”. وبدأت صحيفة (قانون) عملها في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وهي صحيفة تعرف نفسها بأنها مستقلة ولا تنتمي إلى أي تيار سياسي، وغير محسوبة على الحكومة، وتؤمن ميزانيتها من عدة جهات.

اعتبرت الصحيفة أن من حق إيران أن تستولي -ولو بالقوة- على ما تسميه حصتها من الكعكة السورية، قائلة: “إن الحق يؤخذ، وبالرغم من محاولة إخفاء الحقائق حول فقداننا حصتنا بسورية من قبل البعض في إيران؛ فإن شعبنا يعلم ويعي ما يحدث لنا بسورية”. وواصلت (قانون) هجومها على الأسد قائلة: “يجب ألا نسمح لبشار الأسد، وأي شخص آخر، بتحقيق أهدافه المتمثلة في تقليم أظفار إيران، وحذفها من مرحلة إعادة الإعمار في سورية”.

عين موسكو على “حصة الأسد”

هجوم الصحيفة اللاذع على رئيس النظام السوري يأتي بعد أن أشارت عدة تقارير اقتصادية إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ، منذ فترة طويلة، العمل على حصد ثمن تدخل بلاده العسكري بسورية، من خلال عقود مشتركة مع النظام تحت عنوان “إعادة إعمار سورية”، وتُقدر كلفتها بعشرات مليارات الدولارات، ستكون لموسكو “حصة الأسد” منها.
وتناست الصحيفة الإيرانية أن نظام الأسد أبرم، العام الماضي، عقودًا واتفاقات اقتصادية مع طهران، تتعلق بمجالات إعادة الإعمار وحقول النفط وشبكات الهاتف المحمول والمجالات الزراعية.

رأى محللون اقتصاديون أن هذه المشروعات هي محاولة للسيطرة على بعض أجزاء سورية، واسترجاع القروض التي منحتها طهران لنظام الأسد خلال سنوات الثورة، على شكل خطوط ائتمان، والبالغة نحو 4 مليارات دولار، فضلًا عن فتح خط ائتمان في 2017 بقيمة 3.5 مليارات دولار. وظفرت إيران -بحسب مختصين سوريين- بأكثر القطاعات الاقتصادية حيوية وربحًا، بعد توقيعها السنة المنصرمة على 5 عقود في مجالات مختلفة، منها النفط والصناعة والاتصالات والزراعة والثروة الحيوانية.

ويرى معارضون لنظام بشار الأسد، أن المشروع الإيراني في سورية بات واضحًا، حيث بدأ عسكريًا، وأمنيًا، ثم استكمل عبر قرارات التجنيس والتغيير الديموغرافي، والسيطرة على العقارات والأبنية، واليوم عبر الاتفاقات التجارية.

وفق المعارضين، فإن منح إيران ميناء في مدينة اللاذقية، غربي سورية، سيكون بمثابة احتلال وتحكم بمقدرات السوريين، حتى بعد رحيل رأس النظام السوري، كما أن منح مشغل ثالث للخلوي يعد مخالفة، وخصوصًا أن عقد المشغل الثالث ينص على منح الشركة الإيرانية نسبة 40 بالمئة و60 بالمئة للجانب السوري، موزعة بين مؤسسة الضمان الاجتماعي بنحو 20 بالمئة و40 بالمئة لصندوق الشهداء (أي قتلى النظام في حربه ضد السوريين). وكان نظام الأسد قد تحدث، في عدة مناسبات، أن حلفاءه في ما سماه “محاربة الإرهاب” هم شركاء أساسيون في عملية إعادة الإعمار، وعلى رأسهم روسيا وإيران والصين، في حين يعتبر ملف إعادة الإعمار ملفًا جاذبًا لمختلف دول العالم والشركات الدولية، حيث تقدر قيمة إعادة إعمار سورية بأكثر من 200 مليار دولار.

غضب إيراني من اجتماعات “سوتشي”

وقّع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين في النظام السوري: وليد المعلم، ونائب رئيس الحكومة الروسية: ديميتري روغوزين، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على بروتوكول الدورة العاشرة للجنة الحكومية السورية المشتركة، للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي التقني، في منتجع “سوتشي” الروسي، الذي يتناول مشاركة الروس في إعادة الإعمار في سورية، وهو ما أغضب الجانب الإيراني.

وفقًا لوكالة أنباء (سانا) التابعة لنظام الأسد، فإن “اجتماعات الخبراء الفنيين الذين يمثلون مختلف وزارات ومؤسسات الدولة في البلدين، واللقاءات بين رجال الأعمال السوريين والروس في منتجع “سوتشي” على ساحل البحر الأسود، تركزت على سبل التعاون المشترك بين الشركات، وتوسيع الاستثمارات الروسية في سورية، والمشاركة في إعادة إعمار البنى التحتية الأساسية التي تضررت بفعل الإرهاب”، على حد وصفها.

وكشفت وزارة الدفاع الروسية، في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، عبر بيان صحافي لها، أن “روسيا سترسل إلى سورية نحو 4 آلاف طن من مواد البناء وآلات البناء الخاصة؛ لترميم البنية التحتية الضرورية في التجمعات السكنية التي تم تحريرها من الإرهابيين. كما سترسل جرافات وحفارات ورافعات للمشاركة في أعمال إعادة الإعمار، إضافة إلى أكثر من طنين من الأنابيب المعدنية لشبكة المياه وغيرها من مرافق الحياة، ومئات الكيلومترات من الأسلاك لترميم الاتصالات والكهرباء، ومواد بناء لإعمار مستشفيات ومدارس ومنشآت اجتماعية أخرى”.

تقول روسيا إنها تكبّدت تكلفة باهظة، خلال سنوات الحرب في سورية إلى جانب الأسد في مواجهة معارضيه، وحسب تقديرات روسية، بلغت تكلفة العمليات العسكرية الروسية نحو 2.4 مليار دولار، في حين قدّرها خبراء اقتصاد بأكثر من ذلك. ومن أجل تعويض التكلفة الكبيرة التي دفعتها في الحرب، تسعى موسكو إلى وضع يدها على ثروات سورية، ولا سيما في قطاعي النفط والغاز. وأبرمت روسيا، خلال الفترة الماضية، العديد من العقود والاتفاقات التي تضمن لها التفرد، بقطاع الطاقة السوري، في مناطق سيطرة نظام الأسد على الأقل.

يرى مراقبون سياسيون وإعلاميون أن هذا الجدل الدائر الذي وصل إلى حدّ الهجوم الإيراني على بشار الأسد، يؤكد أن النظام السوري، وحلفاءه روسيا وإيران، يستعجلون الاتجار بملف إعادة الإعمار وحجز الحصص والقطاعات الخاصة بهم، وكأن الأزمة السورية قد انتهت، وتمّ التوصل إلى اتفاق دولي على شكل الحل السياسي، عقب 7 سنوات من الحديث عنه! بعد أن استطاعوا تسويق بقاء النظام، بدعوى أولوية “محاربة الإرهاب”.

كما أن هذا التحارب الخفي بين نظام الأسد والقوى الحليفة، والذي يطفو أحيانًا على سطح العلاقات السورية–الإيرانية-الروسية، بدأ مبكرًا؛ ذلك أن الوضع الميداني في سورية يتميز حتى الآن بعدم استقرار معظم المناطق السورية، سواء أكان في ما يسمى “مناطق خفض التصعيد” أو مناطق سيطرة تنظيم (داعش)، إلا أن هذا لم يمنع حلفاء النظام من حجز حصصهم، استعدادًا لحصد أرباحهم من الحرب السورية في لحظة طرح ملف إعادة الإعمار دوليًا، وقد شكّل النظام اللجان الخاصة بإعادة الإعمار وعقد المؤتمرات والمعارض والندوات وكلف جميع المؤسسات التي يهيمن عليها بإعداد الملفات والمخططات اللازمة.


غسان ناصر


المصدر
جيرون