جمعيات حلب الخيرية.. فساد واستغلال لحاجة الفقراء



أصبح تخطيط وضبط الميزانية الشهرية للأسر في مدينة حلب، من أكثر المشكلات التي تقض مضجع معظم الحلبيين، فعاصمة الاقتصاد السوري سابقًا تشهد حاليًا ارتفاعًا ملحوظًا بنسب الفقر؛ بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل جنوني، بما لا يتناسب مع الرواتب الشهرية المتواضعة، سواء للعاملين في القطاع العام أو الخاص. حيث يراوح متوسط دخل الفرد بين 30 – 45 ألف ليرة سورية. وهو مبلغ زهيد؛ إذا ما تمت مقارنته بأسعار المواد الغذائية، وبقيمة فواتير المياه وكهرباء الدولة والأمبيرات وغيرها.

وعلى الرغم من انتشار العديد من الجمعيات الخيرية في حلب، للمساهمة في تخفيف وطأة الفقر والمعاناة، على حد زعمهم، فإن الواقع -بحسب آراء العديد من أهالي المدينة- يشي بعكس ذلك، حيث أصبح الفساد، في إدارات هذه الجمعيات، حديثًا يوميًا يتداوله أهالي حلب فيما بينهم، مع تسليمهم لفكرة أن لا أحد يستجيب لشكواهم. فقد أصبحت العديد من الجمعيات الخيرية موضع شك من قبل المواطنين، بل يعتقد البعض أنها مصدر رئيس لتمويل المشرفين عليها، وإثرائهم غير المشروع، مقابل إعطاء الأهالي القليل من المساعدات، بطريقة مذلّة أيضًا.

(أم نذير)، أم لثلاثة أطفال من سكان حي الميدان في حلب، شرحت في حديث لـ (جيرون)، معاناتها مع جمعية (من أجل حلب) قائلة: “في عام 2016 كنت أحصل على معونة شهرية: سلة غذائية تتضمن الأرز والبرغل والزيت وما شابه. ومنذ شهر تموز 2017 باتوا يوزعون المعونة مرةً كلّ شهرين، مع تناقص في محتويات السلة الغذائية كالمعلبات والسردين والأجبان التي أصبحنا نراها تُباع على البسطات”.

تقول (أم نذير): إن الجمعية المذكورة أوقفت تقديم المعونة للعديد من العائلات، بذريعة عدم وجود سبب مقنع للحصول على المساعدة. وأضافت في هذا الخصوص: “أعرف عائلة أوقفت الجمعية تقديم المساعدات لها؛ لأنهم اكتشفوا عند إرسالهم موظفي (معاينة الحالات) أن منزلهم ليس مستأجرًا. وبناء عليه اعتبروا أنهم لا يستحقون المساعدة. هل المطلوب أن يسكن الناس في العراء، لكي يستحقوا المساعدة!”. ولم يعد خافيًا على أحد أن من يمتلك بيتًا في حلب هو غير قادر على تأمين مصاريف معيشته، وباتت غالبية الناس تعيش على الحوالات الخارجية التي يرسلها لهم أقاربهم.

(سحر) من حي الجابرية تحدثت لـ (جيرون) عن معاناتها من الوقوف في طابور طويل، أمام جمعية (الإحسان) في حي الجميلية، كل شهر، من أجل الحصول على القليل من المواد الغذائية. تقول سحر: “أذهب من السابعة صباحًا، لكي أحجز دورًا أمام باب الجمعية من شدة الازدحام، وما يزيد الأمر سوءًا المعاملة السيئة لنا من قبل موظفي الجمعية، فهم يصرخون في وجوه الناس بشكل دائم، ولا يقيمون وزنًا لكبار السن أو النساء. أصبحت عملية الحصول على المعونة قمة في الإذلال”.

لفتت (سحر) أيضًا الى انتشار ظاهرة بيع المساعدات الإنسانية في حلب على البسطات، بأسعار مرتفعة. وذكرت أن هناك تجارًا يقومون بشراء المعونات من بعض الجمعيات، ويقومون ببيعها في الأسواق، من دون أن يكون هناك أي رقابة أو محاسبة من قبل مسؤولي النظام.

نعيم (اسم وهمي)، أحد العاملين السابقين في جمعية (وارطان) الخيرية، يرى أن هناك غيابًا تامًا لضبط عمل الجمعيات الخيرية من قبل النظام. وأصبح هناك عدم ثقة بوصول المساعدات إلى مستحقيها من الفقراء، بل بات الأمر يعتمد على المعرفة الشخصية لموظفي الجمعيات. يضيف نعيم لـ (جيرون): “المدة الزمنية الطويلة للقائمين على الجمعيات تضمن تحويلها إلى بؤرة فساد؛ ذلك أن الموظفين، بعد فترة، يقومون بـ (تطبيق) المراقبين. فأفضل رقيب هو تغيير القائمين على الجمعيات والمراقبين عليهم، بمدة لا تتجاوز الشهر أو اثنين كحد أقصى، وتكون هذه المدة غير معروفة من قبل الذين سيعملون على تحقيق أهداف هذه الجمعيات، لأن في بداية العمل من الطبيعي أن يُبدي الشخص الأمانة والنزاهة في عمله. لذلك أرى عملية تدوير العاملين على الجمعيات قد تكون حلًا إضافيًا يضمن تقليل حالات الفساد، لكن ذلك لا يُغني عن المحاسبة والرقابة التي يجب أن تقوم بها الجهات المختصة لدى النظام”.


جيرون


المصدر
جيرون