الجولة الحاسمة ليست في “مطار سوتشي”



قبل أيام من انطلاق مؤتمر سوتشي، وصف المتحدث باسم هيئة المفاوضات السورية جولةَ فيينا، مع كل من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ووفد النظام، بأنها ستكون “حاسمة”، ومبدأ الحسم هنا لمعرفة اليقين الذي وصلت إليه رؤية هيئة التفاوض، من خلال جولة فيينا وزيارة وفدها إلى موسكو. اليوم تثير بعض الشخصيات “المعارضة” القادمة من تركيا إلى سوتشي، معارضَتها لوجود شعارات “مؤتمر الحوار السوري” في مطار سوتشي، وقبل يومين نشرت بعض وسائل الإعلام مسودة البيان الختامي لهذا المؤتمر، والمتضمنة أفكارًا عامة.

جولة سوتشي الحالية لا تختلف ولا تبتعد كثيرًا عمّا أطلقه المسؤولون الروس من مواقف، حيال رؤيتهم لمستقبل سورية المتمثل في تكريس الديكتاتورية الأسدية؛ فنقاش الدستور والحكومة والمسائل الأخرى التي تقع في سُلّم الأولويات، كلها تأتي بعد التخلص أولًا ممن كان سببًا في استخدام كل تلك العبارات، وفي انتهاك المؤسسات ورموزها وقتل وتدمير السوريين وقهرهم. وقبول نقاش شكل الدستور والحكومة، من طرف ينتهك على مدار الساعة كل الدساتير والشرائع الدولية، يدل على “استغفالٍ” لم يعد ينفع مع السوريين، بعد تضحيات جسام، ولا يمكن لأي قوة سياسية أن تنجو من مفاعيل طاحنة، تركت آثارها على الثورة السورية التي ستدخل عامها الثامن، بعد أسابيع قليلة.

ترتبَ على هذا خسائر مؤقتة، نظرًا إلى الدور الذي لعبته قوى محلية وإقليمية ودولية ضاغطة على الشعب السوري وثورته، وآزرت النظامَ المجرم، وأدخلت الوضع السوري في مرحلة صعبة، وحالة تناقضية حادة، قطبها الأول تمسك الشعب السوري بثورته ومطلبه في الحرية والعدالة والخلاص من الطغيان -نلمس تلك الحالة في الشارع السوري ومدنه وقراه التي لم تزل تقاوم همجية ووحشية النظام- وقطبها الثاني: سياسات إقليمية ودولية استجاب لشروطها بعض أطراف المعارضة، مجملها تحمل مخاطر تصفية الثورة السورية.

تكشف تجربة أعوام التفاوض، من جنيف وأستانا بأرقامها المتعددة وسوتشي التي يمكن أن يستنسخ منها الروسي جولات أخرى، أيّ نتيجة قادت هذا المزيج المتكرر لتجربة واستكشاف عقلية النظام وموسكو، وهي نتيجة مرشحة للتكرار في غياب ضوابط توفرها عملية جَسر الهوة بين المعارضة وشارعها وأزقتها اللذين يدفعان الكلفة الأعلى، لمواجهة إجرام النظام وحلفائه. محاولة موسكو في سوتشي إضفاء مسحة من التجديد على إجرامها بحق الشعب السوري لن تحوّل أنظار السوريين عن الواقع والمأزق الذي خلفه دعم الطاغية في دمشق.

ذلك هو التحدي الحقيقي الذي يواجهه الشعب السوري، من استحقاق سوتشي وما قبله من جولات، وفي القلب منها تخليص الشعب السوري من جوهر مطالبه، في القضاء على الطغيان والتخلص من الاستبداد، من خلال إرساء عملية “تكييف وتطبيع” مع الجريمة والمجرم، لذلك يبدو الحسم الأكثر فاعلية ليس بالتظاهر غضبًا في مطار سوتشي أو توصيف ما سيقال في حضرة “الرفاق الروس″، بل في التوجه الواقعي الوحيد الذي يملك مقومات الانتصار على المجرم، وعلى البنى المصابة بالتكلس والاسترخاء، والتي وجدت في منتجع سوتشي مرآة لمراقبة أورامها المتضخمة.

لن تكون جولات المفاوضات حاسمة؛ ما لم يكن جدول أعمالها في بنوده جميعًا يبحث كيفية إسقاط الطاغية وتقديمه للعدالة، وبغير ذلك سيظل الوطن كله يترنح تحت براميل الطاغية، وستبقى المعتقلات والمدن والقرى شواهد أبدية على وجوب هدم الطغيان ورموزه وأدواته، تلك منصة انطلاق لإعادة سورية لأبنائها، والرافعة التي لا بد منها هي إسقاط الأسد، بعد تلك الجولة، يُكتب تاريخ ودستور سورية من دون الأسد، يكفي أن يكون عقدًا جديدًا بين السوريين، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وقضائيًا وفنيًا وثقافيًا وتاريخيًا، وهل هناك أكثر إشراقًا لمستقبل لسورية من دون الأسد وزمرته، وهي جولة الشعب السوري الباقية في الثورة، وفي الجولة التي لم تأت بعد.


نزار السهلي


المصدر
جيرون