فقط لو حفظت رقمك



جسد مسروق عار إلا من الحزن والحلم، على استحياءٍ نظرَ إلى عجزنا، وهمس خلسة: تمامًا هكذا يولد الخريف.. تمامًا هكذا تغرق المراكب…

و…. للصمت بلاغة الموت، إذا سَفح اللسان دمَ المعاني، وله طهارة الكفن الشفيف المخضّب بماء الورد، إذا ما خالج صوت الحق الشك. لا تستغث، أيها المسروق بليل، فغير أمّك لن يسمعك، أمعن الأمل، تفرّس ما استطعت بخيط ضوء يفتض نافذة مرسومة على عجل بالطبشور على جدار، واكتب حكايتك الأخيرة بظفرك المخلوع، على جلد بطنك، كي يُلقيها لاحقًا متبجّحًا منّا علينا في مأتمك. لك تخيّل صوته الجهوريّ المنشّى، ولك توهّم حصافة الذي سيمجّد قهرك، ووقاحة المتفاخرين بنبل صبرك، ولك تصوّر الحشد المهيب يحيون ذكرى مقتلك. تمامًا، هذا آخر ما همس به المسروق، قبل أن يصبح رقمًا رُسم على عظم.

نعم… ونحن لنا اعتراف وأسف. لقد أضعنا سلالم الوصول إليك، وفقدنا باب خروجك من قبرك إلينا، ونسينا مفتاحه الوحيد في صحن فنجان الشاي الأخضر، على طاولة زجاجية مستديرة في ردهة منتجع بعيد… ربما! إنّا نعتذر. ولربما سقط من أحد الرفاق في جيب ساقطة، في غرفة المسّاج في الطابق السفليّ لفندق ساقط، لا تنقصه إلا نجمة واحدة كي يصير فريقًا ساقطًا! على كل حال، إنّا نعتذر. وهناك احتمال كبير -أيضًا- أن مؤخرة أحد المشرفين المناضلين التافهين المكلفين بالبحث عنك، والتي ابتلعتنا قد ابتلعت المفتاح وابتلعتك! نعم هذا وارد، عمومًا، قدّمنا نقدًا ذاتيًا واعترافًا وأسفًا، بشفافيّة، لقد بيع باب الحديد قبل أن يتم بيعك.

وكما اتفقنا، لقد اعتذرنا، فلا تستغث، لُذ خلف سوطك أيها المسروق، واسمع حكايتك الأخيرة، ملحمة آمالك وأحلامك ورؤاك التي حدثت، بعد صوتك وقبل صمتك. لقد أُهدِيَت أمك للجنود المارقين المثقلين بإرث القتل المدججين بالثارات، قُدِمَت هبة لزناة سَفحوا كبرياءها على مهلٍ، لطغاة كنسوا ماء وجهها المتجلّد كحطام المرايا، ثم رموها كتلة خردة عتيقة مُنهكة بالصدأ، تقشّر عن أخاديد قلبها نبرتك وصورتك، ثم تصدّعت مثل صخرة هشّة، تفتت، وتمطّت آلامها خجولة أمام روحها المخذولة، بعيدًا هناك على حدود تنازعوا عليها، في أرض يباب، ليست لنا وليست لهم ولم تكن يومًا لأحد، رُمِيت على رمل غريب، في ظل خيمة خفيفة واطئة، للأمم الصديقة الواطئة، تنظر إلى الأفق العريض، متى تُطلّ؟ كل يوم تسألك؟ وتسأل المانحين رغيفَ الخبز، كي لا تموت قبل أن تضمّك إلى صدرها، إلى قهرها إلى حِجرها إلى صبرها إلى جوفها إلى نُقيّ عظامها، شريانها، إلى حُمرة حُمرة دمها.

اطمئن، لا بأس بها أو عليها الآن، لقد اختنقت في آهها عليك ومنك، ماتت وهي تقول لك: لا بأس أن سقطت في منتصف الطريق يا بني، فقط لو علِمتُ فحفظت رقمك..


جهاد عبيد


المصدر
جيرون