النظام السوري كجلاد

31 يناير، 2018

“لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون، وطبقًا للإجراء المقرر فيه”. (العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 9، فقرة 2).

يُخيّم شبح الموت على السجون السورية، وكلّ شخص في سورية، يُثار حوله أدنى شك بأنه معارض للنظام، هو عرضة للاعتقال التعسفي تلقائيًا، وفي معظم الأحيان للاختفاء والتعذيب وإساءة المعاملة، وبالتالي الموت في المعتقل. وقد أضحت الوفيات داخل سجون النظام السوري، منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، ظاهرة شائعة جدًا، تحدث بشكل يومي، في جميع السجون ومراكز الاحتجاز والتحقيق التي تديرها أجهزة أمن النظام. تؤكد التقارير الدولية التي تستند إلى شهادات معتقلين سابقين لدى النظام ممن أطلق سراحهم أن الأسباب الرئيسة لوفاة المعتقلين في سجون الأسد تعود إلى انتهاج الأجهزة الأمنية سياسة تعذيب السجناء، وإساءة معاملتهم واحتجازهم في ظروف صعبة.

لقد وثّقت المنظمات الدولية ما يزيد عن 17 ألف حالة وفاة لمعتقلين داخل سجون النظام السوري، خلال الفترة 2011 – 2016، فضلًا عن أكثر من 65 ألف حالة اختفاء قسري لأشخاص، جلهم من المدنيين، من ضمنهم ناشطون وصحافيون وعاملو إغاثة وأطباء. والواضح أن اعتماد النظام سياسة ممنهجة في قتل المعتقلين وإخفائهم القسري يستهدف نشر الرعب بين السوريين، وردعهم عن إبداء أي معارضة لنظام الأسد.

وفقًا للمعطيات التي بحوزة هيئات المراقبة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، تتعدد أسباب وفاة المعتقلين داخل سجون النظام السوري، ومن الأسباب الشائعة للوفاة التعذيب وإساءة المعاملة، الجوع وسوء التغذية، الضغوط النفسية التي تؤدي إلى رفض المعتقلين للأكل والشرب، الإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير العلاج اللازم للمرضى والنقص الشديد في الأدوية، المعاناة من جراء الأمراض وتحديدًا الأمراض الجلدية المعدية والتهابات الجهاز الهضمي التي ينتج عنها الجفاف والإسهال الشديدين، كما أن نقص الطعام والهواء النقي وحالة الاكتظاظ داخل الغرف والزنازين تؤدي إلى انتشار الأمراض بين المعتقلين.

إن إصرار نظام الأسد على منع هيئات المراقبة الدولية المختلفة، مثل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية” المنشأة بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان 1/17- S في آب/ أغسطس 2011، من الدخول إلى السجون ومراكز الاعتقال والتحقيق التي يديرها ويشرف عليها، يثبت أنه يخفي الكثير من الحقائق بشأن مصير عشرات آلاف المعتقلين. ولذلك، هو يخشى من اطلاع هيئات المراقبة الدولية على سجلات السجون الرسمية الخاصة بظروف الاحتجاز ومعاملة السجناء والوفاة داخل سجونه؛ لأنها ستفضي إلى الكشف عن حقيقة ارتكاب أجهزة أمن النظام جرائم خطيرة بحق المعتقلين، تتمثل بالقتل جراء التعذيب والتعذيب والاختفاء القسري.

تؤكد آلاف الشهادات لمعتقلين سابقين وأفراد من الأجهزة الأمنية حقيقةَ انتهاج أجهزة أمن النظام لسياسة قتل المعتقلين في السجون ومراكز الاعتقال والتحقيق. وقد أدلى عشرات المعتقلين السابقين في سجون النظام بشهاداتهم أمام لجان التحقيق ومنظمات حقوق الإنسان، حيث قال معظمهم إنهم شاهدوا أشخاصًا توفوا أمامهم من جراء تعرّضهم للتعذيب والضرب المبرح، وبسبب النقص الحاد في الخدمات الطبية والأدوية والطعام، وجراء سوء التغذية.

ووفقًا لشهادات أطباء سوريين ممن عملوا في المشافي العسكرية في سورية، غالبًا ما كانت قوات الأمن تأتي بجثامين السجناء المتوفين إلى المستشفيات العسكرية، وتجبرهم على تدوين سجلات مزورة تؤكد على وفاة المعتقلين جراء أزمات قلبية. وتحتفظ الأجهزة الأمنية داخل مقارّها بسجل من الوثائق الرسمية المزورة للأشخاص المتوفين وأسباب وفاتهم، وبالتالي تدعي أمام الإعلام والمجتمع الدولي أنها لا تقتل المدنيين والأبرياء.

تمثل ممارسات الأجهزة الأمنية التي تؤدي إلى وفاة المعتقلين في السجون ومراكز الاعتقال التابعة لها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التعاقدي والعرفي التي تمنح الحماية لجميع الأشخاص المحرومين من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع، وتنص على وجوب معاملتهم على نحو إنساني في كل الأحوال، بما في ذلك الحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة.

وتنطوي ممارسات النظام السوري وأجهزته الأمنية بحق المعتقلين في السجون على انتهاك خطير للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي تضمن لكل إنسان الحق في الأمان على شخصه، وتنص على عدم جواز تعريض أي شخص للاعتقال التعسفي أو حرمانه من حريته إلا بموجب القانون. وفي هذه الحالة، يتعين على الجهات المعنية إبلاغ الشخص الموقوف بالتهمة الموجهة إليه، وأن يتم تقديمه على وجه السرعة إلى القضاء، وأن يحاكم خلال مدة معقولة أو أن يفرج عنه في حال ثبتت براءته. كما أنّ لكل شخص حُرم من حريته، من جراء التوقيف أو الاعتقال، الحقّ في الرجوع إلى المحكمة، لكي تفصل في مشروعية اعتقاله، وأن تأمر بالإفراج عنه إذا كان اعتقاله منافيًا للقانون، وله الحق في الحصول على تعويض مناسب في هذه الحالة. كما تنطوي ممارسات النظام السوري بحق المعتقلين، وتعريضهم للموت أو الاختفاء القسري في معظم الأحيان، على انتهاك صارخ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تقضي بوجوب معاملة كل المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، وأن يعاملوا كأبرياء لغاية ثبوت إدانتهم.

نزار أيوب
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون