“جينوار” قرية نسائية تواجه الحرب والنظام الأبوي في سورية



بعد ملاحظة المعاناة الشديدة للنساء السوريات تحت وقع تنظيم (داعش) في سورية؛ أثبتت المرأة السورية مرة أخرى رغبتها في أن تكون خلّاقة في حماية نفسها من الحرب في بلدها. منذ ربيع عام 2017، أنشأت نساء كرديات، من ضمن “أقليات” أخرى موجودة في سورية، قريةَ (جينوار)، وهي قرية نسائية فقط، تقع في منطقة الأغلبية الكردية في شمال شرقي سورية. للقرية طريقتها الخاصة في مواجهة آثار الحرب، وتوفير ملجأ آمن للنساء المتعرضات لعنف قمعي وذكوري. أطلقوا على مشروعهم اسم “قرية جينوار الحرة”؛ قرية (روج آفا)، وهي تقع على الحدود السورية التركية بالقرب من بلدة الدرباسية. الهدف من القرية هو تبادل الدعم النسائي في إعادة بناء أنفسهن خلال مواجهتهن الصراع الوحشي الدائر في المنطقة. وأنشأن أيضًا مجلس “أقارب الشهداء” لدعم بعضهن، يضمّ النساء اللواتي فقدنَ أقاربهن أو أفراد أسرهن. ويبين هذا المشروع أن النساء -كما هو الحال في الصراعات الأخرى في جميع أنحاء العالم- يمتلكن دومًا مفاتيح التنمية الاجتماعية المستدامة والسلام في البلاد.

تُمثِّل قرية (جينوار) سبيلًا بديلًا لمحاربة العنف في البلاد. قرّرت هذه النسوة إيجاد وسيلة بديلة لمناهضة العنف دون حمل السلاح والقتال المباشر. وفي الواقع، إنّ القرية لا ترُكّز على خلق ملجأ من الحرب فحسب، بل تهدف أيضًا إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، من خلال تمكين المرأة. وتستند القرية إلى مبدأ الكونفدرالية الديمقراطية، إذ إنها تُركّز على المثل العليا للديمقراطية والإيكولوجية وتحرير المرأة. وقد ألهمَت النظريات الماركسية النساءَ في (جينوار) والتي تُعزّز دور المرأة في المجتمع. وتعتقد النساء في (جينوار) أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تطور المجتمع، وتقلّص من امتيازات الرجال هي عن طريق فصل أنفسهن عنهم كلّيًا.

في السياق ذاته، تُسلط هذه التجربة الضوءَ على الطبيعة غير الطائفية، والمنهج المضاد للعقلية السائدة التي يجب على القيادة السورية اتباعها، لبناء مستقبل مستدام وآمن للسوريين. كشفَت امرأة كردية سورية من (جينوار)، في أثناء مقابلة أُجريت معها، أنّ الإناث، في مجتمعها السابق، كنّ معرضات دائمًا للاضطهاد، بغض النظر عن الظروف المحيطة بهم.

ولذلك، فإنّ مؤسِسات (جينوار) يطمحن إلى أن تكون القرية مستقلة ومكتفية ذاتيًا بوجود مدرسة، مركز رعاية صحي، يركز على الطب الطبيعي، ومركز ثقافي، إضافة إلى توفير المواشي والحيوانات الكفيلة في إطعامهن. وبنَت نساء جينوار منازلهن الخاصة من الطين. كما أنشأن حدائق مع أشجار الفاكهة وأشجار الزيتون والمزارع، من أجل توفير المأكل لسكان القرية. وتُعد الحدائق نفسها عملًا من أعمال المقاومة ضدّ سياسات النظام السوري التي تقوم بمحاربة الزراعة في (روج آفا)، منذ سبعينيات القرن الماضي.

ووفقًا للنساء، فإنّ القرية متاحة لاستقبال جميع نساء العالم، بغض النظر عن اختلافات الدين أو العرق. وهنّ يؤمنّ بجدوى تبادل الخبرات بين النساء، كما أنهن يُرحّبن بالأطفال في القرية، بغض النظر عن جنسهم؛ لأنهّم سينمون في بيئة متساوية يتمتع الرجال والنساء فيها بالقدر نفسه من الحقوق والواجبات. وبالتالي، فإنّهن يعتقدن أن لن يكون هناك نظام أبوي في القرية، على الرغم من إمكانية استقدام الرجال في المستقبل.

تُعدّ هذه القرية نموذجًا سلميًا لقوات الدفاع النسائية الكردية، المتمثلة في “وحدة حماية المرأة- YPJ”، والتي تعد أحد فروع “وحدات حماية الشعب الكردية-YPG” المتهمة بارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي في المنطقة. وفي واقع الأمر، إنّ العديد من النساء الكرديات يشعرن بأنّ (جينوار) تُمثّل الخيار الوحيد، للتخلص من المجتمع الذكوري والأبوي المهيمن، وإنّ هيكلة الأسرة التي تستوجب حمل السلاح وإظھار استقلالھن، عن طریق القتال وتکریس حیاتھن للقضیة الکردیة. تمنح (جينوار) المرأة الكردية خيارًا آخر لفصل نفسها عن السلطة الأبوية دون اللجوء إلى العنف، ويثبت المشروع كذلك أنّ المرأة قادرة أن تكون مستقلة، من دون لجوئها إلى حمل السلاح. ومع ذلك، فإنّ النساء في (جينوار) يناضلن من أجل الحصول على مجتمع حر، كسائر التنظيمات التحررية الناشطة في المنطقة. ستكون (جينوار) جزءًا من المجالس المحلية والتعاونيات في منطقة (روج آفا). (جينوار) ليست كيانًا مستقلًا عن الثورة السورية، بل هي نموذج سلمي للمرأة في زمن الحرب.

لا تُعد (جينوار) مثالًا على المقاومة السلمية ضدّ النظام السوري فحسب، بل أيضًا هي صورة من صور المقاومة ضدّ الرأسمالية والنظام الأبوي الذي يدعمه. ويتيح هذا المشروع للنساء اللواتي عانين في أثناء الأزمة السورية، إعادة بناء حياتهن في بيئة آمنة، بينما يناضلن من أجل تحقيق العدالة والإنصاف في المجتمع السوري.

اسم المقالة الأصلي “Jinwar”: A Women-only Village Fighting Against War and Patriarchy in Syria الكاتب                        إيما كابرول / Emma Cabrol المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين ترجمة وحدة الترجمة والتعريب
إيما كابرول


المصدر
جيرون