جعجعة سوتشي وطحن تل أبيب



“نلتقي بين الحين والآخر، بهدف ضمان التنسيق العسكري الذي يجري بين جيش الدفاع الإسرائيلي وقوات الجيش الروسي العاملة في سورية، وهذا تكلل بالنجاح حتى اليوم، ومن المهم أن يستمر هذا النجاح”.

بهذه الكلمات استهل بنيامين نتنياهو زيارته الأخيرة إلى موسكو، وهي السابعة في غضون عامين، حيث شهدت العلاقات بين موسكو وتل أبيب تطورًا أقرب إلى التحالف والتنسيق العالي، بخاصة في سورية مع تسريب أنباء تفيد أن تل أبيب، من قاعدة حميميم الروسية، على تواصل مستمر عن تحرك القوات الجوية الروسية العاملة هناك، وتم إنشاء خط ساخن بين حميميم وتل أبيب لهذا الغرض. تؤكد هذه التسريبات الآليةَ المشتركة المتبعة منذ عام 2015 في مجال التنسيق والاتصال وتبادل المعلومات.

فبينما كان وزير خارجية موسكو لافروف يفتتح في سوتشي تسويق مسرحية نظام الأسد ومعارضته المستحضرة هناك، كان فلاديمير بوتين يتحدث أمام نتنياهو عن “التماهي والانصهار بين معاداة السامية وفوبيا روسيا”، في متحف “التسامح اليهودي” بموسكو، ثم عدّد نتنياهو القيمَ المشتركة التي تجمع موسكو وتل أبيب، وتحدّث عن عمق التاريخ والحضارة المشتركة التي تجعل الانتقال لمواجهة الأيديولوجيا القاتلة: “إنني أُقدّر عاليًا هذه الدعوة ودعمكم الشخصي من هذا الموقع، وفي هذا اليوم بالذات الذي يعكس تصدينا المشترك لأسوأ شرّ عرفته البشرية”.

اختيار بوتين ونتنياهو تاريخَ بدء “الحوار السوري” يومًا لتذكير العالم بأهمية العلاقة التي تصب في مصلحتهما بالدرجة الأولى، للدلالة على مكانة ومتانة العلاقة بين الطرفين، بحيث لم يستخدم بوتين عبارات مشابهة في زيارته لقاعدة حميميم، عندما أحضر الأسد إلى مطارها، على العكس، كل ما يجري وتكشفه العلاقة والتنسيق في سورية بين بوتين ونتنياهو هي للحفاظ على الأسد، كمصدر استقرار واستثمار لهذه العلاقة والوظيفة، يقول نتنياهو لمضيفه في موسكو: “إن (إسرائيل) تعمل بما يتناسب مع مصالحها، ولن تضايق الأسد، لتحسين تقوية سيطرته في سورية. وهذا مفيد لكلينا”.

في الأثناء، نُقلت تصريحات عن الأسد أنه أبلغ الروس أنه في حال نفذت (إسرائيل) غارات جديدة؛ فإنه سيقصف مطار بن غوريون، بمعنى أن القدرة العسكرية موجودة أصلًا، والصواريخ الباليستية التي قصف بها النظام مدن حلب وإدلب والرقة وحماة، من تخوم مدينة دمشق، قادرة على الوصول إلى مطار بن غوريون، لكن العدو هنا يختلف، وبحاجة إلى رسائل وشرح وجعجعة أكثر.

إذًا في أسبوع جعجعة المفاوضات السورية، وإسراع موسكو للملمة وشحن شخصيات “معارضة” إلى سوتشي؛ للعمل على تحسين أوضاع سيطرة الأسد و”انتصاراته” التي يرى الروسي والإسرائيلي فيها مصلحة في هزيمة “أسوأ” شرّ، وكل الجعجعة واللعب بأوراق متعلقة بطهران ومخاطرها والتهديدات المتبادلة التي يطلقها نتنياهو وطهران وحزبها وفرقها، المقصود منها طحين تل أبيب الذي تخبزه في موسكو ودمشق وطهران وبقية العواصم.

لا جدال أمام نتنياهو في موسكو، عندما يعلن أمام بوتين أن المجال الحيوي للعمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية سيبقى قائمًا ومفتوحًا، وأن (إسرائيل) لا تعمل ضد الأسد، لأن العدوان الإسرائيلي والأسدي، أو الروسي، على الشعب السوري، له هدف مشترك يجمع الأطراف المعتدية لإجهاض مطالب حرية وكرامة السوريين. تقديم موسكو طمأنة لـ (إسرائيل) عن عميات العدوان تفوق تمامًا طمأنة الأسد ودعمه في حربه ضد شعبه، لأن لغة التحذير والوعيد بين الحين والآخر ليست سوى تعبير مباشر عن انشداد لاستحقاقات ما بعد الجرائم التي ارتكبها كل من الأسد وموسكو، وتل أبيب وطهران، بحق الشعب السوري.

خلاصة القول: إن زيارة نتنياهو السابعة لموسكو، في غضون عامين، تكشف أهمية وجود الأسد في السلطة، لكل من تل أبيب وموسكو. يأتي هذا ضمن ما اطلع عليه نتنياهو من بوتين، بخصوص “مؤتمر الحوار السوري” في سوتشي، عندها استطاع نتنياهو حمل بعض النجاحات من زيارته إلى موسكو والتي تحتاج إليها الحكومة الإسرائيلية، في ظل طمأنة موسكو لتل أبيب بأنها تقف على مسافة منها أقرب بكثير من تلك الظاهرة في دمشق وصحفها عن “أبو علي بوتين”.


نزار السهلي


المصدر
جيرون