اختتام منتدى دافوس 2018 “بناء مستقبل مشترك في عالم ممزق”



اختتم منتدى الاقتصاد العالمي الـ 48 أعماله في دافوس، وقد استضاف نحو 3 آلاف مشارك من 110 دولة، بينهم 70 رؤساء دول وحكومات، و38 رئيس منظمة دولية. شارك في المنتدى الذي انعقد في 23 – 26 كانون الثاني/ يناير، قادةٌ من مجموعة السبع، بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، كما حضر المنتدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والموفد الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو، ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير رعد بن زيد.

يُعدّ المنتدى أحد المنابر التى تتبنى العولمة؛ حيث يجمع هذا اللقاء السنوي رؤساء دول ووزراء وأعضاء برلمانات وإعلاميين وأكاديميين، إضافة إلى شركات دولية عابرة للقارات، وممثلي المنظمات غير الحكومية؛ لتكوين تصورات مشتركة معهم، حول القضايا الدولية والإقليمية الأساسية المطروحة على جدول الأعمال فى كل عام، وذلك على مستوى المؤتمرات السنوية أو الجلسات الاستثنائية “غير العادية”.

عُقد المنتدى هذا العام تحت عنوان (بناء مستقبل مشترك في عالم ممزق). وركزت أهم محاور هذه الدورة على قضايا إصلاح النظام الرأسمالي القائم على مبدأ السوق، ومفهوم النمو الاقتصادي وتداعياته على تماسك المجتمعات في العالم، كما ركز على مفهوم بناء العلاقات بين الدول على أساس الميزان التجاري والحماية الاقتصادية.

أصدر المنتدى، قبل البدء بفعالياته، تقرير المخاطر العالمية 2018 تحت عنوان “الحقونا المخاطر تحاصر الأفراد والدول والمؤسسات في كل مكان”. ومن المخاطر المحتملة 5 مخاوف تهدد العالم في 2018، وهي: “تدهور في أوضاع المناخ”، و”الكوارث الطبيعية”، و”الهجمات الإلكترونية”، و”سرقة البيانات”، و”الإخفاق في التصدي للتغيّر المناخي”. ويتضمن التقرير معلومات وحقائق مخيفة عن المخاطر التي تحاصر الإنسان والدولة. ركّز التقرير على السخط والاستياء العام من النظم السياسية والاقتصادية القائمة، ودعا إلى “إصلاحات جذرية لرأسمالية السوق”، وإعادة بناء التضامن داخل الدول وفيما بينها. وتشمل المخاطر الاقتصادية المألوفة احتمالية ارتفاع أسعار الأصول بشكل غير مستدام، في عالم يتخبط منذ ثماني سنوات، وارتفاع المديونية واستمرار الضغوط في النظام المالي العالمي.

لم تشهد جلسة منتدى دافوس الختامية المواجهةَ المتوقعة، بين الأفكار الليبرالية لرجال الأعمال وأرباب العمل، من جهة، وأفكار الرئيس الأميركي المتمثلة بـ “أميركا أولا” من جهة أخرى. فالرئيس الأميركي دعا إلى “علاقات تجارية عادلة ومربحة للجميع”، ويشير المحللون إلى خبرته في التجارة والأعمال، فهو أول رئيس يأتي من رجال الأعمال، وكل الذين سبقوه من الرؤساء الأميركيين كانوا رجال سياسة.

إلا أن بعض الحضور كانوا يشعرون بالقلق من أن وتيرة التغير التكنولوجي، والطبيعة المدمجة المعقدة للاقتصاد العالمي، تُصَعِّب على الزعماء تشكيل الأحداث والتحكم فيها، ناهيك عن إعادة تشكيل النظام العالمي. فالأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، وأزمة المهاجرين في 2015-2016، كشفت عجز النظام الدولي عن إيجاد الحلول، وبخاصة بعد أن ظهرت مشكلات كثيرة وتحديات اقتصادية واجتماعية جديدة، وظهرت طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفي والإيراد المضمون، وأن المزيد من الناس يميلون إلى الاعتقاد بأن الرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق تحتاج إلى تعديل شامل حتى أولئك الذين استفادوا منها. وفي هذا المجال قالت شاران بورو، الأمينة العامة للاتحاد النقابي الدولي: إن العالم بحاجة إلى “إعادة التفاوض على عقد اجتماعي جديد، وإعادة كتابة القواعد. لقد بنينا هذا العالم المكسور، والآن نحن بحاجة إلى تعلم بعض الدروس وإعادة البناء”.

من أهم النقاشات في المؤتمر كان موضوع المهاجرين واللاجئين، حيث خصص منتدى دافوس ست فعاليات بشأن الهجرة واللاجئين.

طالبت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة كبار القادة في منتدى دافوس الاقتصادي بالتحرك العاجل لإنقاذ آلاف المهاجرين من الوفاة غرقًا في البحر الأبيض المتوسط. حيث تحدث المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة وليام لاسي سوينغ عن فقدان المئات من المهاجرين، في البحر المتوسط. كما دعا سوينغ المشاركين في دافوس من القطاع الخاص إلى توفير فرص عمل للمهاجرين؛ بهدف تسهيل اندماجهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها طلبًا للأمان والاستقرار. وأشاد سوينغ بالدور التركي المهم في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن تركيا تعد أكبر بلد مستضيف للاجئين في العالم، ولديها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ في الوقت الراهن.

وقالت الممثلة الأميركية كيت بلانشيت[1]، والمشاركة بصفتها (سفير النوايا الحسنة) لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن سفرها في جميع أنحاء العالم أظهر لها مدى عالمية المشكلة، وأن هناك حاجة إلى حلول متعددة، وأن جزءًا كبيرًا من المشكلة يكمن في “التضليل” حول قضايا اللاجئين، مشيرة إلى أن دول العالم النامي هي من تتحمل العبء، فالعالم المتطور لا يشارك في ذلك. ودعت، عند استلامها جائزة في المنتدى الاقتصادي العالمي، قادةَ العالم إلى “التوقف” عن تصوير اللاجئين باعتبارهم “عبئًا اقتصاديًا أو تهديدًا إرهابيًا”، والتعاطي معهم بدلًا من ذلك كبشر والتعامل معهم “وجهًا لوجه”. وقالت بلانشيت: “لا يوجد في أي مكان مَن يجسد إنسانيًا العالم المتمزق أكثر من اللاجئ. ذلك الشخص الذي هُجِّر من كل ما يعتبره عزيزًا، وأجبِر على الفرار، والذي كثيرًا ما يُمتَعَض منه، ويهان في البلد الذي يستقر فيه، ليوصف بأنه عبء اقتصادي أو تهديد إرهابي. وهذا هو الكلام الذي نحتاج حقًا إلى التوقف عنه”.[2]

وقد نالت الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار مرتين (جائزة كريستال) تقديرًا لاهتمامها بقضية اللاجئين. وأضافت: “من السهل جدًا علينا، تجاهل فكرة الأعداد الهائلة من المحتاجين، وتجاهل الآخرين، ولكنَّه أصعب من الوقوف وجهًا لوجه أمام إنسان واحد، والتحديق في عينيه، وسماع قصته، واختبار إنسانيتنا المشتركة. متى أصبحت شاهدًا؛ لا يمكنك الابتعاد وتجاهل الأمر”.

ومن الأحداث الأكثر شعبية في دافوس، المشاركة في فعالية (يوم في حياة اللاجئ)، حيث يستخدم الحدث لوضع المشاركين في موضع اللاجئ، لمنحهم بعض الإحساس بما سيكون عليه مواجهة الفظائع التي يواجهها اللاجئون. ويستمر هذا الحدث لمدة 75 دقيقة فقط، من حياة 65 مليون شخص لاجئ. (يوم في حياة اللاجئ) ليس من أجل جمع التبرعات، ولكن من أجل زيادة الوعي بحياة اللاجئين ومعاناتهم، ففي نهاية التجربة هناك جلسة لاستخلاص المعلومات لمناقشة الموضوع، حيث يساعد الخبراء قادة الأعمال، والرؤساء التنفيذيين، والمشاركين المشاهير إيجاد سبل لمساعدة اللاجئين في واقع الحياة.

ويوفر المنتدى الاقتصاد العالمي فرصة للقاءات الهامشية والحشد لقضايا معينة. أما أهم القضايا التي طرحها زعماء العالم في المنتدى فتتلخص بما يلي:

ركزت مداخلة رئيس الوزراء الهندي: نارندرا مودي، على أهم ثلاثة تحديات تواجه الحضارة وهي تغير المناخ، والإرهاب، والردود العنيفة ضد العولمة. كما ناقش فرص ومخاطر التكنولوجيا، وخطة الهند لمكافحة عدم المساواة في الدخل، وخلق فرص العمل.

بينما تحدث رئيس الوزراء الكندي: جوستين ترودو، عن مواضيع المرأة، وفرص العمل، وتغير المناخ، والتجارة. أما الرئيس الفرنسي: إيمانويل ماكرون، فتحدث عن عودة فرنسا للعالم، حيث قال: “فرنسا عادت” “France is back” على وقع التصفيق، قبل أن يطالب بـ “عقد عالمي جديد” ضد شكل “انحداري” من العولمة، محذرًا من أن عدم القيام بذلك سيجعل “المتطرفين يربحون في كل البلدان”. ومن جهتها، حذرت ألمانيا من أن “الحمائية” ليست الحل لمشكلات العالم، فيما دعت الصين إلى تعزيز التبادل الحر، تزامنًا مع مساعي الولايات المتحدة تهدئة مخاوف العالم إزاء شعار الرئيس دونالد ترامب “أميركا أولا”.

ودعَت إيران إلى تعاون إيراني سعودي للمساعدة في حل النزاعات في سورية واليمن. وانتقدت إيران تصريحات ملك الأردن عبد الله الثاني[3] التي أدلى بها في إحدى ندوات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والمتعلقة بالسياسة الإيرانية في المنطقة. وكان ملك الأردن قد حذر، خلال ندوة في منتدى دافوس، مما وصفه بـ “خطر السلوك الإيراني في دعم ميليشيات مسلحة، وإقحام الدين في الخلاف السياسي”. وقال أيضًا: إن هذه العوامل كانت وراء تحذيره سابقًا من “الهلال الشيعي”، كما رأى أن السعودية “تنتهج سياسة مبادرة في المنطقة، بهدف رسم خطوط حمراء أمام طهران”.

وترأس الوفد اللبناني رئيس مجلس الوزراء: سعد الحريري، الذي حاول حشد المزيد من الدعم الاقتصادي، وجذب استثمارات جديدة من خلال لقاءات رئيس وزرائه مع مسؤولي دول مختلفة. في حين ترأس وزير الدولة إبراهيم العساف، وفدَ المملكة العربية السعودية، وتحدث بأنّ المملكة تقوم بإصلاحات وتكافح الفساد، بهدف توفير بيئة تنافسية عالية للمستثمرين، وأكد أنّ القطاع الخاص في السعودية “شريك أساس في التنمية من الآن وحتى عام 2030”.

في ختام المؤتمر، شنّ الرئيس الأميركي: دونالد ترامب، هجومًا عنيفًا على وسائل الإعلام، فيما رد عليه صحفيون بصيحات استهجان. وكانت دافوس قد شهدت تظاهرات مع ملصقات وشعارات مناهضة لترامب وحضوره. إضافة إلى زيوريخ وجنيف ولوزان، معربين عن عدم رضاهم عن سياسة الهجرة التي ينادي بها الرئيس الأميركي، كما اتهموه بالعنصرية.

في الواقع، يعدّ منتدى دافوس مهمًا جدًا، ولكن توفير المنتدى حلًا فعالًا لما يتحدث عنه، ليس أمرًا سهلًا، حيث يبقى كلامًا عموميًا غير واقعي. إن الاضطرابات التي يشهدها نظام التجارة التقليدي، وتزايد الاختلافات في العالم الغربي، في نواحي آلية الأمن وجيوسياسية وتغيرات المناخ وغيرها، أصبحت عاملًا سلبيًا في الدورة الاقتصادية الجديدة. فالمشكلات الاقتصادية العالمية في فترات الأزمات الدولية والدول الممزقة، كما يشير عنوان المنتدى (بناء مستقبل مشترك في عالم ممزق) تحتاج إلى تعاون وإلى إعادة التفاوض على عقد عالمي جديد، من أجل بناء مستقبل مشترك. وطالما عملت دول العالم معًا، من أجل التوصل إلى توافق في الآراء، إلا أن الاختلافات الخطيرة في مصالح الدول السيادية، جعلت من الصعب أن يصبح التعاون فعّالًا، أو من الصعب تحويله إلى قوة تنفيذ.

[1] https://www.google.com.lb/amp/s/amp.theguardian.com/business/2018/jan/23/cate-blanchett-urges-davos-to-give-refugees-more-compassion

[2] المفوضيه العليا لشؤون اللاجئين/ الأمم المتحدة

[3] إيران تنتقد تصريحات ملك الأردن في دافوس

https://arabwindow.net/world/news10299.html


شذى ظافر الجندي


المصدر
جيرون