مجزرة حماة.. الفاجعة تشهد على “سورية الأسد”



2 شباط/ فبراير 1982، مجزرة حماة. إنها الذكرى التي ما زالت جرحًا غائرًا في الضمير الإنساني، إذ عوضًا عن العمل لإيجاد مناخ قانوني وإنساني، يرمم الجرح السوري ويحاكم المجرمين، تباهى سياسيو العالم بدعم المجرم لعقود، ليوغل أكثر وأكثر في الدم السوري؛ فتحولت تلك المجزرة إلى رقم في سلسلة مجازر نظام الأسد.

في ذلك التاريخ المشؤوم، لم تلتهم آليات النظام لحم البشر ومعالم الحارات والبيوت، بل وثقت بشكل صارخ أن العالم لا يحكمه الضمير والعدل والقِيم، إنما مزيج من الأوغاد الذين يتبادلون منفعة الانتشاء بالدم الآدمي، والجلوس فوق أشلاء الجثث والقوانين المستباحة.

استمرت خيوط الدم تتسرب من بيوت تلك المدينة وحاراتها نحو 27 يومًا، مرّر حافظ الأسد مقولته إنه يحارب “الإرهاب”، واشترى صمت اللئام حين باعهم سورية أرضًا وشعبًا، فجاءت المجزرة صفقة جديدة تتضمن استمرار وظيفته كنظام أمني، يتحكم بسقف الهواء الذي سيعبر للناس شرق المتوسط، وبكمية الخبز المسموح لها أن تدخل أحشاءهم، وبنوع الفكر الذي يجب أن ينامون ويصحون عليه، داخل إطار صورة الجنرال الخالد.

ابتدأت الفاجعة بقصف تمهيدي دام نحو 4 أيام، بكافة صنوف الأسلحة، مع عزل تام للمدينة عن باقي سورية، وحصار كامل لها من كافة الجهات، واستمر القصف حتى أصبحت عدة أحياء منها أشبه بالركام، ثم اقتحمتها أصناف الوحوش الآدمية المهيأة لارتكاب كل أنواع الجرائم، بلا رفة جفن.

شارك في الاقتحام مزيج من القوات التي أعدها نظام الأسد بعناية، منها “سرايا الدفاع واللواء 47 دبابات، واللواء الميكانيكي 21، وفوج الإنزال الجوي 21 وسرايا الصراع، وهي تابعة لعدنان الأسد. كما شارك في العملية نخب منتقاة من الأجهزة الأمنية المختلفة، ومجموعات مسلحة جرى تشكيلها من مقار حزب البعث”.

ستة وثلاثون عامًا مرت، وما زال نهر العاصي يئن مع نواعيره من ثقل المشهد الدامي، حيث إن مراحل وأسرار تلك الجريمة لم تتكشف إلا بشكل متتابع، بعد أن خرج الناجون منها، وكبر بعض الأطفال ليدلوا بشهاداتهم خلسة، بسبب الرعب الذي أراده الأسد أن يحيا في قلوب السوريين، كنتيجة لتلك الجريمة، كما تناقل عناصر الأسد أيضًا بطولاتهم لأهلهم وأصدقائهم: كيف ذبحوا العائلات وجرفوا البيوت ونهبوا الممتلكات واغتصبوا الأحلام، و”أدبوا” المدينة والسوريين، وكان واضحًا لمن عاش تلك الفترة أن النظام هو من جعل عناصره تطلق العديد من تلك التسريبات، لبلوغ هدفها ببثها للرعب في قلوب المدنيين.

أجبرت قوات نظام الأسد أهالي المدينة المتبقيين، على الخروج في شوارع المدينة لمشاهدة الجثث المتراكمة والمبعثرة بكل اتجاه، وهي غارقة بالدماء، ثم طُلب منهم التجمع والسير بمسيرة تهتف بحكم أبدي لحافظ الأسد.

نحو 40 ألف شهيد مدني، بين طفل وامرأة وشاب ومسن، هي نتيجة مئات المجازر التي جرت في أنحاء المدينة، من الساحات والأسواق والمستشفيات، إلى البيوت والمدارس والجوامع. جميعها شكلت مجزرة حماة.

ما زال السوريون حتى اليوم يحاولون نيل حريتهم واستنشاق الهواء النقي، بعيدًا عن رائحة الجرائم، ويصر العالم من الشرق والغرب على دعم قاتلهم، وتزويده بسبل البقاء، وإيجاد منافذ الحماية له بدل العمل على حماية الناس، فمجزرة حماة ما زالت، حتى تاريخ هذه الذكرى، تعد فاجعة مفتوحة على كل احتمال، حيث لم تأت فرصة للناس ليُكرموا شهداءهم، كي تهدأ أرواحهم، مع استمرار بحث الأجيال الجديدة عن مساحات قبور آمنة لشهداء جدد، في وطنٍ تعمّد كل شبر فيه بنهر دمٍ ودموع، وتكلّل مجلس أمن هذا العالم وقوانينه الجوفاء بإكليل عار، قد يحتاج السوريون إلى عقود طويلة لفهمه، والتصالح مع فكرة أن العالم وعديد لجانه وسياسييه، متخمون بالجريمة لا بالعدل.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون