نيو يورك تايمز:  محادثات سلام سورية في روسيا: 1500 مندوب، معظمهم مؤيد للأسد



قوطع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء خطابه في محادثات السلام السورية في سوتشي، يوم الثلاثاء. سيرغي كاربوخين/ رويترز

رفضت معظم جماعات المتمردين في سورية التوجهَ إلى مؤتمر السلام الذي ترعاه روسيا في منتجع سوتشي، يوم الثلاثاء 30 كانون الثاني/ يناير، أما أولئك الذين ذهبوا فقد رفضوا مغادرة المطار.

قال بعض المندوبين: لا جدوى من صياغة المقترحات؛ لأنَّ البيان الختامي تمّ الاتفاق عليه إلى حدٍّ بعيد قبل أن تبدأ المحادثات. وبدلًا من ذلك، جلب البعض حقائب فارغة ليملؤوها بالبضائع الروسية، لبيعها عند عودتهم إلى الوطن، وكان البرنامج موزعًا بالتساوي تقريبًا بين المحادثات ووجبات الطعام.

ربما كانت كوميديا سياسية، باستثناء ما يجري في سورية، حيث قُتل 35 شخصًا على الأقل، كما ذكرت التقارير منذ الأحد، بينهم أمٌّ وثلاثة أطفال، في حملة القصف الجوي الحكومي المدعومة من روسيا على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون. وفي الأسبوع الماضي، قُتل ثمانية أشخاص بينهم طفلٌ صغير، عندما ضربت قذيفة هاون من المتمردين المدينة القديمة في دمشق.

كانت محادثات سوتشي التي دعا إليها الرئيس الروسي بوتين، بهدفٍ معلن: كسر الجمود الطويل في المفاوضات؛ لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات. حيث لم تحرز المحادثات الأخرى، برعاية الأمم المتحدة، أيّ تقدمٍ نحو الانتقال السياسي موضوع التفاوض. كان مسعى بوتين يوم الثلاثاء أفضل قليلًا.

قوطع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بنقدٍ لحملة القصف الروسي، بينما وصف النقاد المؤتمرَ بأنّه خشبة مسرح لم تُرتب حتى لتعزيز النقاش.

قال هشام مروة، مستشار هيئة التفاوض المعارضة التي رفضت الحضور مع 1500 مندوب، قلةٌ بينهم من المعارضين للحكومة السورية: “من الواضح أنّهم لا ينوون إجراء مناقشاتٍ جادة، الروس يحاولون السيطرة علينا، إنْ لم يكن بشكلٍ مباشر؛ فسيحاولون إيجاد وسيلة”.

غارات جوية مدعومة من روسيا قتلت 35 شخصًا على الأقل في سورية منذ الأحد. هارون الأسود/ وكالة الصحافة الأوروبية.

وكما قال المحللون: إنَّ الهدف الحقيقي لروسيا هو أنْ تحلَّ محلَّ الولايات المتحدة، بأنَّها القوة العالمية الأكثر نشاطًا، مع إعادة تشكيل العملية الدبلوماسية لتناسب الواقع العسكري والسياسي؛ إذ إن معارضي الرئيس بشار الأسد قد فشلوا في إطاحته.

تعيد حكومة الأسد، بمساعدة حثيثة من روسيا وإيران، تأكيد السيطرة من خلال حملةٍ عسكرية طاحنة، كما تقاوم حتى تقديم تنازلاتٍ سياسية صغيرة، حيث تقول روسيا إنّها تحاول أنْ تنتزعها من الأسد.

لم يتوقع أحدٌّ أنْ ينتج سوتشي اتفاقَ سلام. وبدلًا من ذلك، كان من المفترض أنْ تُوسعَ سوتشي نطاق الأصوات السورية في المحادثات، حيث استقطب بعض المعارضين المدنيين السلميين، وجماعات المعارضة المعتدلة الرسمية المقيمة في دمشق.

ولعل أكثر المفاوضات أهميةً في سوتشي كانت بين الأمم المتحدة وروسيا، حيث وافقت الأمم المتحدة على أنْ يحضر مبعوثها لسورية ستيفان دي ميستورا، مانحًا بعض الثقل لسوتشي، إذا توقفت روسيا عن محاولة استبدال جنيف بسوتشي، كموقعٍ لمناقشات إعادة صياغة دستور سورية.

في يوم الثلاثاء، تمّت مناقشة القضية، حيث اقترح مندوبو سوتشي قائمةً بأعضاء اللجنة، يمكن الموافقة عليها فقط في جنيف. ولكن إذا كان هذا الاتفاق يعيد التركيز على محادثات جنيف لإعادة صياغة الدستور بدلًا من استبدال الحكومة؛ فإنَّ روسيا تكون قد سجلت نقطةً أخرى لصالح الأسد. كما أظهرت الطريقة التي طبقت في سوتشي أيضًا مدى الجفاء في نقاشٍ حقيقي ومثمر بين المتحاربين السوريين.

وقال المشاركون: إنَّ المندوبين المرسلين من دمشق أتوا بموافقةٍ من أجهزة الأمن، ومعظمهم من الموالين، ومن النقابات والمجموعات الأخرى التي يسيطر عليها حزب البعث الحاكم. حتى المعارضون المعتدلون المقيمون في دمشق (الذين سُمح لهم بالذهاب كتوازن ضد المعارضة المسلحة) تلقوا أوامر صارمة من المسؤولين السوريين حول كيفية التصرف في المحادثات.

شارك قدري جميل، عضو في المعارضة السورية، وكان ذات يوم في حكومة الرئيس بشار الأسد، في المحادثات في روسيا. ألكسندر نيمينوف/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي

قبل يومين من المؤتمر، أُحضر المئات من المندوبين الموالين، ومن المعارضة المقيمة في دمشق، إلى دار الأوبرا في دمشق، حيث أعطاهم مسؤول أمنٍ رفيع المستوى، مع وزير الخارجية وليد المعلم، التعليمات. وقال أحد المشاركين: إن المسؤولين تحدثوا معنا، كمعلمين إلى طلاب يعطونهم دروسًا عن الوطنية السورية، ولم يتطرقوا البتة للحوار في روسيا.

إنّ المسؤولين السوريين، وفقًا لمشاركين، أعطوا المندوبين خطوطًا حمراء: لا مناقشة حول كتابة دستور جديد، فقط تعديل الدستور الذي اعتُمد في عام 2012. (بينما دعت الأمم المتحدة وروسيا وآخرون إلى دستور جديد). لا نقاش حول جيش البلاد أو أجهزة الأمن. (تدعو مبادئ الأمم المتحدة إلى إجراء إصلاحات لجعلها تلتزم بحقوق الإنسان وسيادة القانون). وقبل كل شيء، لا مناقشة لتغيير الرئيس.

وكشفت صحيفة (الشرق الأوسط) العربية عن تفصيلٍ إضافي: طُلب منهم ألا يصافحوا شخصيات المعارضة الآتية من الخارج. وقد أظهرت لقطات من الطائرة المتوجهة من دمشق إلى سوتشي (شركة أجنحة الشام التي يملكها ابن خال الأسد) صفوفًا من المندوبين يغنون أغنية وطنية.

بعد مداولاتٍ طويلة، قرّر عددٌ قليل من أعضاء المعارضة المقيمين في تركيا أنْ يشاركوا، ولكنْ عند وصولهم، واجهوا لافتاتٍ مزخرفة بشعار المؤتمر الذي يظهر فقط العَلم السوري الحالي، وليس العلم السوري القديم الذي اعتمدته المعارضة كرمزٍ للثورة، فرفضوا الخروج من المطار.

الوفد، بمن فيهم المقدم أحمد سعود، وهو منشقٌ عن الجيش، وقائد المتمردين الذي كانت تدعمه الولايات المتحدة، تقطعت به السبل في منطقة الواصلين في المطار.

في سورية، اندلعت التوترات العسكرية بين إيران وتركيا، وهما من رعاة محادثات سوتشي. وقيل إنّ الميليشيات المدعومة من إيران قصفت قافلةً تركية كانت تعمل داخل سورية، بموافقةٍ روسية، كما استمرت الغارات الجوية من قبل الحكومة السورية وروسيا.

وافقت الأمم المتحدة على إرسال مبعوثها ستيفان دي ميستورا إلى المحادثات في سوتشي، ولكنها طلبت من روسيا التوقف عن محاولة تجاوز المحادثات في جنيف التي تدعمها الأمم المتحدة. ألكسندر نيمينوف/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي

“حمائم سوتشي البيضاء” هو الوصف الذي أطلقه معاذ الشامي على الطيران الحربي فوق مدينته (سراقب)، حيث قصفت سوقًا ومستشفى، يوم الإثنين 29 كانون الثاني/ يناير. وقال في شريط فيديو عن الدمار: “روسيا تقول لنا: اقبلوا بشار، واقبلوا سوتشي، وإلا؛ فسندمركم”.

أحد المندوبين في مؤتمر سوتشي (معراج أورال)، وهو زعيم ميليشيا سورية متهمة، بتحريض من القوات المؤيدة للحكومة، بقتل عشرات المدنيين بمن فيهم الأطفال، في اجتياح لبلدتَي بانياس والبيضا الساحليتين السوريتين في عام 2013. كما التقط صورًا مع قدري جميل، وهو مندوبٌ بارز، وعضو في حزبٍ معارض معتدل، وخدم ذات يومٍ في حكومة الأسد.

ولعلَّ اللحظة الوحيدة التي واجه فيها المؤتمر مناقشةً عامة عفوية، هي مقاطعة السيد لافروف (وزير خارجية روسيا)، عندما ادعى في خطابه أنّ “سورية، بدعمٍ جوي روسي، تمكنت من تدمير القوات الإرهابية”، حيث صرخ رجلٌ: “أوقفوا طائراتكم عن قصف الشعب السوري!”. ويبدو أنّ حراس الأمن عنفوه بشدة، في حين هتف آخرون لروسيا، بينما ردّ السيد لافروف: “في روسيا، من التهذيب أنْ تقول من فضلك، أولًا”.

اسم المقالة الأصلي Syrian Peace Talks in Russia: 1,500 Delegates, Mostly Pro-Assad الكاتب أني برنارد، ANNE BARNARD مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 31/1 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2018/01/30/world/middleeast/syria-russia-sochi-talks.html عدد الكلمات 1016 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون