الأهالي يعلنون النفير العام.. (هيئة تحرير الشام) تترك سراقب لأبنائها



بعد سيطرة قوات النظام على مطار (أبو ظهور) العسكري، وتمكنه من السيطرة على معظم ريف حلب الجنوبي؛ تحاول تلك القوات حاليًا التقدم بشكل عرضي إلى ريف إدلب الشرقي، والهدف -بحسب إعلامه الحربي- الوصول إلى الطريق الدولي الواصل بين حلب ودمشق، الذي يمر بمدن سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون، في ريف إدلب.

رأى الباحث في مركز (جسور) للدراسات عبد الوهاب عاصي، في حديث مع (جيرون)، أن “ميليشيات النظام تحاول الوصول إلى سراقب، عبر التقدم بشكل عرضي من محيط مطار أبو ظهور، وسط غياب دفاعات متينة لفصائل المعارضة المتواجدة في المنطقة، حيث تنتشر (هيئة تحرير الشام/ النصرة) على أكثر النقاط، وهناك تواجد لـ (فيلق الشام) و(حركة أحرار الشام) و(جبهة ثوار سراقب)، و(جيش إدلب الحر)”.

لم يستبعد عاصي من الناحية العسكرية “استمرار تقدم ميليشيات النظام السوري نحو مدينة سراقب، بسبب هيمنة (هيئة تحرير الشام/ النصرة) على أغلب الخطوط الدفاعية في هذا المحور، وإصرارها على عدم إشراك فصائل أخرى إلا ضمن قيادتها، فضلًا عن افتقار الفصائل إلى خطوط دفاع خلفية أو تجهيزات تحصين هندسي”.

هذه التطورات دفعت الأهالي والناشطين في سراقب إلى إعلان النفير العام، حيث بدؤوا حملة تدشيم واسعة لمداخل المدينة التي بات النظام لا يبعد عنها من جهتها الشرقية سوى 15 كم. المحامي عقبة باريش، أحد ناشطي سراقب، قال في حديث لـ (جيرون): “أعتقد أن سراقب من المدن السباقة لاحتضان الثورة، بالتالي فإن أهل المدينة لن يتخلوا بسهولة عن حلمهم منذ 7 سنوات حتى الآن، وأهل سراقب ناصروا جميع المناطق، ولديهم فصيل (جبهة ثوار سراقب) الذي لم ينضم إلى أي تشكيل آخر، سراقب فيها شباب مثقفون وواعون، وهم قادرون على إدارة الأمر معنويًا ودعم صمود المدينة”، أضاف باريش أن “النزوح الذي تشهده المدينة هو فقط لإخراج النساء والأطفال، بينما الرجال مصممون على البقاء والمقاومة”.

على الصعيد العسكري، أعلنت (جبهة ثوار سراقب) عن إطلاق (جيش سراقب) الذي بات يستقبل مئات المتطوعين من أبناء المدينة، وسيعمل وفق خطة عسكرية محكمة، بحسب عدي غريب القيادي في (جبهة ثوار سراقب) الذي أكد لـ (جيرون) أن الوضع العسكري في سراقب جيد، وأن “المدينة باتت حصنًا حصينًا، وهي اليوم عصية ومنيعة بهمة ثوارها وأهلها، وهناك إقبال كبير من الشباب على التطوع لحمل السلاح وصد العدو الصائل”.

أضاف غريب: “حاليًا، المرحلة الأولى انتهت، وهي تدشيم وتحصين المدينة، والمرحلة الثانية ستكون مرحلة هجوم لاستعادة المدن والقرى التي سيطرت عليها ميليشيات النظام، ونحن نوجه رسالة إلى النظام بأن سراقب ستكون مقبرة لهم، وعليها ستتكسر أحلامهم الزائفة”.

ناشطون من إدلب حمّلوا (هيئة تحرير الشام/ النصرة) المسؤولية الكاملة عما يجري، متهمين إياها بالتخاذل والقبول بتسليم عدة مناطق من إدلب، وكان من أبرز المهاجمين الشيخ علي العرجاني، وهو أحد الشرعيين المنشقين عن (الهيئة)، حيث قال في قناته على (تلغرام): “الجولاني المجرم مستمر في تسليم المناطق للنظام الأسدي، والمنافقون يخيطون له الطريق”، بينما رد القيادي في الهيئة المعروف باسم (أبو ماريا القحطاني)، في تغريدة له: إن الهيئة قدّمت تضحيات كبيرة “فإن لم يشفع كل ذلك؛ فلتحرضكم نخوتكم، فالأرض أرضكم والأعراض أعراضكم”. وهو ما أثار ردة فعل غاضبة من ناشطي إدلب، معتبرين أن هذا الكلام دليل على تخلي الهيئة عن المنطقة، باعتبارها القوة العسكرية الأكبر، وطالبوها بتسليم مستودعات السلاح التي صادرتها من بقية الفصائل.

لكن قياديًا في (حركة أحرار الشام)، فضل عدم ذكر اسمه، أكّد لـ (جيرون) أن “مختلف الفصائل أرسلت تعزيزات إلى المنطقة التي تقع شرق مدينة سراقب؛ لتثبيت نقاط صد تقدم قوات النظام، ثم يتم بعد ذلك بحث خيارات الهجوم، لاسترجاع المناطق التي تقدم إليها النظام مؤخرًا”.

الصور التي تصل من سراقب تبيّن عشرات الشبان وهم يدشمون المدينة، بالرغم من القصف، وهم يؤكدون استعدادهم للدفاع عنها، وهو ما أشار إليه عبد الوهاب عاصي الذي أكد أن “الحالة الاجتماعية في سراقب ستقف عائقًا أمام سيطرة ميليشيا النظام السوري على المدينة، لأن شعورًا بعدم الثقة بدأ يسود وسط أهالي المدينة، حيث قام الأهالي بتجهيز متاريس وتحصينات في محيطها، وأطلقوا كيانًا عسكريًا خاصًا بهم، من الممكن أن يسحب أبناء سراقب من بقية الفصائل، بدعوى الحفاظ على المدينة من السقوط، وهو مشابه لـدافع الحفاظ على الهوية”.

وكانت مدينة سراقب قد تعرضت لحملة قصف عنيف منذ شهر تقريبًا، وقد تصاعدت خلال اليومين الماضيين، حيث أكد ناشطون أن النظام وحلفاءه الروس شنوا نحو 200 غارة جوية بالطيران الحربي والمروحي، إضافة إلى عشرات الصواريخ التي حمل بعضها مادة (النابالم) الحارقة؛ ما أدى إلى سقوط 40 شهيدًا من المدنيين وعشرات الجرحى، وتدمير عدة مراكز صحية بحسب ما وثق (تحالف العمل المدني في إدلب).

التحالف ذاته حذر، في بيان أصدره أمس الجمعة، من حدوث كارثة إنسانية في المحافظة، محمّلًا الدول الضامنة لاتفاقية خفض التصعيد مسؤولية ما يجري في إدلب، وبخاصة في سراقب.

رأى عاصي أن “عوائق عدة قد تقف ضد تقدم ميليشيا النظام نحو سراقب، منها عدم قبول تركيا أو تحفظها الكبير على سياسة أمر الواقع التي تتبعها ميليشيا النظام ومن خلفها إيران، على مذكرة (خفض التصعيد) الموقعة بين الضامنين الدوليين في أستانا. ومن المعلوم أن سراقب تقع ضمن نطاق المنطقة الزرقاء، وبالتالي من المتوقع أن تستأنف غرفة عمليات رد الطغيان هجماتها؛ لاستعادة التوازن العسكري الذي فقدته في منطقة غرب السكة”.

يذكر أن مدينة سراقب تعدّ إحدى أهم حواضن الثورة في مرحلتها السلمية في الشمال السوري، وعُرفت بحراكها المدني المنظم، كما كانت أول مدينة في الشمال السوري تنتخب مجلسًا محليًا عام 2017 عبر صناديق الاقتراع، بحضور مراقبين من منظمات مجتمع مدني، وبمشاركة شعبية واسعة.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون