التشكيلات السياسية الجديدة وأحوالها – حزب (وعد) مثالًا



فورة سورية في كل شيء شملت مختلف جوانب الحياة، وانهمر السوري في شتى الميادين.. خارجًا من عنق زجاجةٍ تفجّرت، فحملت معها شظايا زجاجها. بعضها جارح، وبعضها يتطاير في الهواء بلا هدف، وبعضها يريد التهام كل ما يصادف، أو يبحث عنه، تعويضًا عن جوع وحرمان وقمع العقود.

كانت التشكيلات السياسية وشبه السياسية الجديدة ظاهرةً فاقعةً، حيث شهدت سنوات الثورة قيام مئات التنظيمات والأحزاب والتجمعات، ليس الملفت فيها تشابهها في الأسماء حيث يدوخ الباحث وحسب، بل في المضامين والأهداف إلى درجة التطابق عند أغلبها. فالديمقراطية، والدولة المدنية، والنظام التعددي، والشعب والعلاقة معه، والوطنية المطعّمة بقليل الخلفيات الأيديولوجية، قاسم مشترك عام إلى درجة تثير الحيرة، إذ طالما أن هذا التشابه، إلى درجة التماثل، قائمٌ فلماذا بقاء كل هذه التشكيلات بصفة مستقلة، ومتنافسة أحيانًا، ومتصارعة في حالات قليلة؟ لماذا لا تتجمّع وتتحد، أو على الأقل، تشكل كيانات جبهوية وغيرها؟

الاتجاهات الديمقراطية أو العلمانية توزعت في عدد من التشكيلات، معظمها من يتامى الأحزاب اليسارية، ومن بقايا من عمل في المعارضة حينًا، مع وجود بعض العناصر الشبابية القليلة، بينما وجود وحضور النساء يكاد يكون نادرًا، ولا يعبّر عن حقيقة دور المرأة في الثورة، وقد حاول بعض العلمانيين المحسوبين على التوجه الديمقراطي تجميع الصفوف وتوحيد الجهد في تنظيم عريض، فكان “المنبر الديمقراطي”، ثم “القطب الديمقراطي”، فـ “اتحاد الديمقراطيين” الذي نجح في جمع عدد كبير من المحسوبين على ذلك الاتجاه، وتأمين تمويل عقد مؤتمر ضمّ المئات، لكنه فشل في الاستمرار، وتعرّض بعد أيام من انتهاء المؤتمر لعمليات انشقاق وحملات تهمٍ بينية، بينما حاول من بقي الحفاظَ على هيكلية التنظيم، ضمن مسار متراجع يصل إلى درجة الغياب عن الفاعلية.

لقد برزت بوضوح أمراض النخبة والمثقفين، في حالة من الذاتية التي تصل إلى درجة النرجسية عند البعض، والتنافس الحاد الباحث عن الاستئثار، ونفي الآخر، ولو باستخدام وسائل غير ديمقراطية تخالف العناوين المرفوعة، وتتناقض مع أسس وعي التعددية، واحترام الرأي الآخر.

كما نهضت تشكيلات أخرى لهذه الاتجاهات، كـ “الحزب الجمهوري”، و”حزب الجمهورية”، و”تيار مواطنة”، و”حركة معًا”، و”حركة بناء الدولة”، وغير ذلك كثير، وسط حالة من التأزم والتراجع التي تكشف مستوى تغلغل الأزمة السورية في الأوضاع، ودور التمويل وجهاته، وحالات اليأس والإحباط والتعقيد التي تسم حياة السوريين، والهجرة واللجوء، والبعد عن الشعب وفعالياته الثورية، والشباب ووجودهم ودورهم، ناهيك عن ضعف الجانب التجسيدي للبرامج والطموحات، ثم الدوران في المعهود والتكرار، لدرجة يمكن القول معها إن التيارات المحسوبة على العلمانية والديمقراطية هي الأكثر تشتتًا، وبعثرة، ولغوًا في هواجس الوجود، والبحث عن بدائل.

إلى جانب هذه التشكيلات، هناك الكثير ممن يحاول الجمع بين الوطنية والديمقراطية، بينما يضعف حضور ووجود التيارات القومية والعروبية، على خلاف الحالة الكردية التي تلتف حول قضية قومية، تجمع شتى التيارات المتناقضة فكريًا. وعلى سبيل المثال، واستلهامًا لتاريخ ودور “الكتلة الوطنية” التي قادت مرحلة الاستقلال وما بعده، هناك عدة تنظيمات تحمل الاسم ذاته، وتكاد تتماثل في المضمون، وكنتُ على الصعيد الشخصي، من مؤسسي الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية التي توليتُ رئاستها عدة سنوات، والتي تحاول التمايز بخطها الوطني ومواقفها المستقلة، وقد نجحت -ولو نسبيًا- في الاستمرار والتجديد بضمّ عدد متنام من أجيال الشباب، والنساء، وهناك تنظيمات بأسماء كبيرة، تقتصر على أعداد محدودة من المعارف والأصحاب والأقرباء، بينما تناثرت، أو تلاشت كثير من مسميات عاشت ردحًا من الوقت.

على صعيد آخر، يوجد عدد من التنظيمات الإسلامية، أو المحسوبة على الإسلام السياسي وهي كثيرة أيضًا، وبعضها يعمل في هيئات المجتمع المدني، أو عبر مكونات أخرى كالمجلس الإسلامي وغيره، بينما تبقى تجربة (الحزب الوطني للعدالة والدستور) جديرة بالتوقف.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، أُعلن عن تشكيل هذا الحزب الذي عدّه كثيرون أنه الذراع السياسي للإخوان المسلمين، حيث برزت وجوه إخوانية كثيفة في القيادة، وأولهم رئيس الحزب محمد حكمت وليد الذي يشغل حاليًا موقع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب أسماء إخوانية أخرى معروفة، وإسلامية أيضًا لا تنتمي تنظيميًا إلى الجماعة، وانضمام عدد من المسيحيين والقوميين، حيث شغل نبيل قسيس نائبًا للرئيس، وكذلك حسن النيفي، وريمون معجون، وكما كانت تشير المعلومات، فالإخوان المسلمون تحدثوا عن ضرورة وجود حزب وطني، وأن تمثيلهم يجب ألا يتجاوز الثلث، وثلث إسلامي متنوّع، وثلث من اتجاهات أخرى.

ورغم أن السؤال الكبير ظلّ مطروحًا عن الهدف الرئيس من المشروع، طالما أن جماعة الإخوان هي حزب سياسي، مهما التحفت بيافطات أخرى، وأنها تُمارس السياسة بطريقتها، وليست حزبًا، أو حالة دعوية، فلماذا إقامة حزب سياسي يعرف الجميع أن سيطرة الجماعة فيه هي الأقوى؟

بعض القيادات الإخوانية بررت الأمر على أنه تجربة للارتقاء من الحالة الضيقة إلى الفضاء الوطني العام، وربما الخروج من جملة الاتهامات الموجهة إليهم عن انغلاق تنظيمهم، أو محاولة للخروج من حالة محصورة إلى فضاءات أرحب.

وفي ظل توفر غطاء مالي مقبول؛ عرف (الحزب الوطني للعدالة والدستور – وعد) مرحلةً نشطةً في بداياته، وتوسعًا في أطره ومهامه، لكن سرعان ما تفجّرت الصراعات البنيوية داخله، وأدّت إلى خروج معظم الأعضاء غير الإخوانيين والإسلاميين، بمن فيهم أعضاء أساسيين في المكتب السياسي، كنبيل قسيس وحسن نيفي وريمون معجون وغيرهم، وشكلوا (حزب النداء الوطني الديمقراطي) وسط أجواء من الاتهامات المتبادلة.

بقية (حزب وعد) سارعت إلى عقد مؤتمر لها، وحشد أسماء كثيرة في المكتب السياسي، كمحاولة للردّ على الانشقاق، وإثبات جدارتهم بالبقاء والعمل المتسع، لكن هذه الحالة لم تدم طويلًا أيضًا، حين عرف الحزب استقالة عدد مهم من أعضاء مكتبه السياسي، وفي مقدمهم الأمين العام سعد وفائي، ونائب الرئيس صالح مبارك، والسيدة رفاه المهندس، فيما يمكن وصفه بالعطالة وضعف الإنتاجية والفعالية.

بتاريخ 19 و20 الشهر الماضي، عقد الحزب “مؤتمره الثاني”، في صالة أحد الفنادق، كان ملفتًا -كعادة معظم السوريين- التأخرُ في موعد الافتتاح، وقلة عدد الحضور، وضعف التحضير، وقد انتقد واقع التشكيلات السياسية الجديدة، ومفاصل الأزمة التي تأسر معظمها، ومنها (حزب وعد)، إن كان لجهة الحضور الضعيف، والتحضير السيئ، وعدم وجود تقارير مكتوبة، وأهمية اعتماد نهج النقد والمراجعة لبحث الأسباب، وكشف الأخطاء والنواقص.

وكان عبد السلام البيطار المرشح لرئاسة الحزب متفائلًا جدًا، وهو يلقي “التقرير الإداري والمالي”، إلى درجة أنه وعد الحضور بأن يصبح الحزب القوة السورية الأولى، في المرحلة القادمة، في حين أن المعطيات الحالية تناقض ذلك الوعد.


عقاب يحيى


المصدر
جيرون