تحرك دولي لمواجهة إرهاب “حزب الله” والميليشيات الدائرة في الفلك الإيراني



اتّهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإسبوع الماضي، إيران بزعزعة استقرار الشرق الأوسط -خلال اجتماع في البيت الأبيض شارك فيه أعضاء بمجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن القومي الأميركي- يأتي في سياق تحرك قوى دولية أخرى، لمواجهة نظام ولاية الفقيه في طهران وأذرعه الإرهابية في المنطقة، بخاصة “حزب الله” اللبناني، والميليشيات الحوثية في اليمن، حيث تناقش الحكومة البريطانية، حظر “حزب الله” ككل (بجناحيه السياسي والعسكري)، وذلك بناءً على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، الذي يُجيز لوزارة الداخلية حظر أي منظمة تعتقد أنها “معنية بالإرهاب”. تزامنًا مع بروز دور فرنسي، يهدف إلى مكافحة إرهاب “حزب الله”، وكل التنظيمات المتطرفة في المنطقة.

أعلن جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، أن “حزب الله” يعدّ أحد التهديدات الإرهابية الرئيسية، إلى جانب تنظيمي (القاعدة) و(داعش) الإرهابيين. وقال ماتيس، خلال إعلانه استراتيجية الدفاع الجديدة، في 19 الشهر الماضي: “بغض النظر عن القضاء العملي على خلافة (داعش)، فإن تنظيمات متطرفة مثل (حزب الله)، و(داعش) و(القاعدة) تواصل زرع الكراهية، وتدمير السلام وقتل الأبرياء”.

ووفقًا للاستراتيجية الجديدة، ستقوم الولايات المتحدة بتطوير تحالفات ثابتة، للحفاظ على ما تم تحقيقه في سورية والعراق وأفغانستان، من أجل إلحاق الهزيمة بالإرهابيين لأمد طويل، وقطع قنوات دعمهم.

وبعد خمسة أيام من إعلان ماتيس، أكّد مارشال بيلّينغسلي، مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، من بيروت، أنّ بلاده ماضية في سياسة تقويض “حزب الله” لمنعه من استخدام النظام المصرفي لأهدافه المشبوهة وضرب الديمقراطية اللبنانية. وبالنسبة للاستراتيجية التي تضعها واشنطن لمحاربة عمليات “حزب الله” المشبوهة، قال: “نتعامل مع الحزب ضمن استراتيجية سبقَ أن بدأناها، وأعتقد أنّها تأتي بالنتائج المطلوبة، والتأثيرات على “حزب الله” الممنوع من الوصول إلى التمويل الذي يحتاج إليه لنشر الإرهاب واضحة، على الرغم من مشاركته في أعمال إرهابية في أماكن بعيدة كاليمن، ونتعاون مع السلطات اللبنانية ومع السلطات الإقليمية؛ للتأكد من أن “حزب الله” وقاسِم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني) لا يمكنهما الوصول للدولار الأميركي”.

وكانت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، قد أقرت مؤخرًا، تعديلات على قانون تجفيف منابع تمويل “حزب الله”، ووضعه في إطار مكافحة تمويل الإرهاب. وبعدها، استمرّت الإجراءات العقابية الأميركية بحق الحزب والإيرانيين، عبر إدراج مزيد من الشخصيات والكيانات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني في لوائح الإرهاب والعقوبات. ومنذ أيام، يبحث الكونغرس ملفات عدة تتعلّق بتمويل بعض الجماعات، من بينها “حزب الله”، وقد تقدّمت بعض لجان الكونغرس بتقارير، تفيد بأن “حزب الله” يستفيد ماليًا من شبكات للاتجار بالمخدرات في عدد من الدول. وهو ملف جديد يُفتح للحزب في أميركا، في إطار مزيد من الضغط.

باريس: مؤتمر دولي لتفكيك “حزب الله” و”داعش”

فرنسيًا، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون، أثناء زيارته للدوحة مطلع كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، أن بلاده ستحتضن مؤتمرًا دوليًا لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، وهو الباب الجديد الذي يفتحه ماكرون، لدخول مسرح الشرق الأوسط واستعادة الدور الفرنسي فيه.

ويرى محللون سياسيون عرب وأجانب أن باريس تعمل حاليًا على بلورة فكرتها، من خلال تنظيم هذا المؤتمر، على أن لا يقتصر البحث على مواجهة تنظيم (داعش)، بل التنظيمات المسلحة الأخرى، ومن بينها المجموعات أو المنظمات المدعومة من إيران، كـ “حزب الله” في لبنان، والميليشيات الحوثية في اليمن، وبعض الفصائل العراقية كـ “عصائب أهل الحق” و”فاطميون” وغيرها. والهدف من ذلك هو العمل على تفكيك هذه التنظيمات، لمساهمتها في ضرب الاستقرار في المنطقة.

ويفيد مراقبون، بأن هذه التحركات الدولية، ضد “حزب الله” اللبناني وكافة أذرع إيران بالمنطقة، هي مطلب سعودي بشكل رئيس، تبنّته خارجيتا الولايات المتحدة وفرنسا، حيث جرى البحث في كيفية العمل على ضغط دولي لتفكيك هذه المنظمات المسلحة.

وتشير مصادر مطّلعة ومتابعة لملف “حزب الله” واشتباكاته الدولية، إلى أن الحراك الفرنسي لن يقف عند حدود عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، بل هناك توجهات دولية وأوروبية، تريد الذهاب بعيدًا في هذا التحرك، وطرح هذا الملف على طاولة مجلس الأمن. وذلك لإصدار قرار أممي يمنع وجود أي سلاح خارج إطار مؤسسات الدولة، على أن يشكل هذا القرار مقدمة لإرساء حلول سياسية في الشرق الأوسط، ويعمل على تخفيف التوتر وزعزعة الاستقرار في دول المنطقة.

تصدي بريطاني لأكثر المنظمات الإرهابية وحشية في العالم

أما بريطانيًا، فإن حكومة تيريزا ماي تعمل، غداة الإعلان الأميركي عن ملاحقة الحزب حتى النهاية، على حظر “حزب الله”، وذلك بناءً على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، والحظر المشار إليه يعني أنّ الأصول المالية للحزب تصبح ممتلكات إرهابية، ويمكن أن تخضعَ للتجميد والضبط.

وتبدي الصحف البريطانية، دعمها لإدراج ذراع “حزب الله” السياسية على لائحة الإرهاب. حيث وصفت صحيفة (التلغراف) الحزب الشيعي اللبناني بـ “أكثر المنظمات الإرهابية وحشية وأشدها قسوة في العالم. إذ إنه قام بدعم من إيران ببناء واحدة من أقوى القوات العسكرية غير الحكومية في تاريخ البشرية، واستخدمها لقتل وتشويه عشرات الآلاف من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، على مدى العقود الثلاثة الماضية، من بوينس آيرس إلى بيروت إلى بلغاريا”.

من جهته، كتب مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ماثيو ليفيت، في موقع مجلة (ذا هيل) الأميركية أن “لندن تعاني من مشكلة (حزب الله)، الذي يستمر في الانخراط في نشاطات إجرامية كتجارة المخدرات داخل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كله، رغم الحظر الجزئي”.

واستشهد ماثيو ليفيت بالممثل السياسي لـ “حزب الله” فى طهران: عبد الله صفي الدين، كمثال على عدم جدوى الفصل بين جناحي الحزب. مبينًا أنه عندما اكتشفت السلطات البريطانية أن “حزب الله” كان وراء الهجمات على قواتها المتمركزة في العراق، وجدت واشنطن دليلًا على أن عبد الله صفي الدين متورط في توريد عبوات ناسفة محلية الصنع إلى القوات المناهضة للتحالف في العراق.

ووفقًا لقائد الجيش البريطاني السابق الجنرال ريتشارد دانات، فإن الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب يجسد ما أطلق عليه “الخيال الدبلوماسي”. إذ اعتبر في مقال نشرته مجلة (سبكتاتور) البريطانية أن الدراسة التي أجراها قبل بضعة أشهر مع عدد من العسكريين الغربيين، عن القدرات العسكرية لـ “حزب الله” كانت نتائجها صارخة. حيث بذل الحزب جهودًا كبيرة لتوسيع وتعزيز قدراته الهجومية، لا سيما من خلال اقتناء الصواريخ المتقدمة. والأسوأ من ذلك أنه في جنوب لبنان، تحولت القرى إلى مجمعات عسكرية دائمة، مع استكمال بناء الأنفاق وتخزين الأسلحة. وهذا يشكل، وفق الجنرال دانات، “تكتيكًا إرهابيًا كلاسيكيًا”.

ونشر القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان العقيد البريطاني ريتشارد كيمب، مؤخرًا، مقالًا في صحيفة (التايمز) البريطانية اعتبر فيه أن الوقت أصبح ملائمًا لمعاقبة الجناح السياسي للحزب. فخلال الحملات العسكرية في العراق وأفغانستان، شارك “حزب الله”، بحسب العقيد كيمب، في عمليات تفجير موجهة من إيران أدت إلى مقتل أكثر من 1000 جندي بريطاني وأميركي. وقال كيمب إن “حزب الله” يحتفظ بخلايا نائمة في المملكة المتحدة للتخطيط والإعداد في انتظار الأوامر للهجوم.

وتأتي جملة الضغوط الدولية على “حزب الله”، في وقتٍ أطلق فيه الحزب عمل ماكينته الانتخابية، للمشاركة في الانتخابات النيابية في أيار/ مايو المقبل، والتي يريد من خلالها إثبات أن الانتخابات ستحصل في موعدها، فيما التحالفات لا تزال غير محسومة بعد، بالنسبة إلى كل الأطراف السياسية في لبنان.

في الأثناء، يرى مراقبون محليون أن من غير المستبعد أن تنعكس أزمات الحزب المتصاعدة نتيجة الضغوط الخارجية، على مواقف الشركاء السياسيين وجمهور الناخبين.

وبحسب كلام منسوب إلى مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب: نبيه بري، مفاده أن هناك تحسّبًا لأن يكون ابتعاد “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، وزير الخارجية، عن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) متعمّدًا على خلفية الموقف الأميركي من “حزب الله” والعقوبات الأميركية التي ستتصاعد تدريجًا على الحزب. وأكثر من ذلك، ترى المصادر أن باسيل، من خلال المواقف التي يطلقها، يهدف إلى تقديم أوراق اعتماده إلى المجتمع الدولي، بحيث يحظى برضى الدول الكبرى والمؤثرة، تمهيدًا لخوضه معركة الرئاسة، بعد ولاية الرئيس ميشال عون. لذلك، وجد بري نفسه مضطرًا إلى اتخاذ موقفيه الشهيرين بأنه وأمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، شخص واحد، وأن من يريد التحالف مع الحزب عليه الحديث مع “حركة أمل”، والعكس صحيح. ظنًا منه أن ذلك سينعكس على مسار التحالفات الانتخابية، ويخفف من أثر الضغوط الدولية داخليًا.


غسان ناصر


المصدر
جيرون