الاختطاف وإعدام المعتقلين من قبل الجماعات المسلحة في سورية
4 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
لا يقتصر ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على الجرائم الشديدة الخطورة خلال الأزمة السورية على النظام فحسب، بل على معظم الجماعات المسلحة أيضًا. فهنالك الكثير من المعطيات والدلائل الموثقة التي تثبت بشكل قاطع ضلوع هذه الجماعات وقادتها في أعمال الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري وأعمال القتل والإعدام خارج نطاق القضاء. وقد شهدنا خلال فترة الحرب إقدام الجماعات المسلحة على القيام بعلميات اختطاف لمدنيين وقتلهم أمام العامة، فضلًا عن التمثيل بجثامين القتلى على غرار مع حدث مؤخرًا مع المقاتلة الكردية في منطقة عفرين، حيث تم تجريد جثمانها من الملابس، والتمثيل بجثمانها بصورة وحشية بدافع الانتقام.
تنتهج الجماعات المسلحة وقادتها أيضًا سياسةَ اختطاف الأشخاص الذين يختلفون معهم في الرأي، أو الذين يعارضون توجهاتهم، ولا يلتزمون بالنظم التي تفرضها هذه الجماعات؛ ما تسبب بالكثير من حالات القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري. وتستهدف جرائم المجموعات المسلحة الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل خاص، كحادثة اختطاف رزان زيتونة، سميرة الخليل، وائل حمادة وناظم حمادة الذين اختُطفوا في دوما عام 2013، داخل منطقة خاضعة لسيطرة “جيش الإسلام”، وما زال مصيرهم مجهولًا حتى الوقت الحالي. وتشمل عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التي تقوم بها الجماعات المسلحة المناهضة للنظام، الصحافيين والمحامين وناشطي حقوق الإنسان والنساء والأطفال، وأفرادًا من جنود النظام وميليشيات الشبيحة التي تسانده، فضلًا عن أفعال الخطف والقتل المتبادلة بين الجماعات المسلحة المتقاتلة فيما بينها. وبحسب المعطيات المتوفرة، لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم اختطاف ما يزيد عن 360 صحافيًا وناشطًا إعلاميًا، خلال الفترة 2012 – 2016، في محافظتي حلب وإدلب فقط. يشار إلى أن أهل وأقارب الضحايا يخشون التبليغ عن حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، بسبب الخوف من أعمال الانتقام من قبل الجماعات المسلحة.
تمارس الجماعات المسلحة والمحاكم التابعة لها عمليات إعدام موجزة، خارج نطاق القانون، على نطاق واسع، من دون أي مراعاة لأدنى معايير حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني. وتشمل عمليات الإعدام أسرى من قوات النظام وميليشيات الشبيحة التي تقاتل إلى جانبه ومقاتلين من الجماعات المتناحرة التي تعارض النظام، بما في ذلك تنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة أمام العامة. وتشير تقارير المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان إلى وفاة المحتجزين في مراكز الاحتجاز التي تديرها الجماعات المسلحة، فضلًا عن المصير المجهول للأشخاص الذين تعرضوا للاختطاف القسري، ممن مرت سنوات طويلة على اختطافهم.
تمثل ممارسات الجماعات المسلحة المختلفة المتمثلة بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وإعدام المعتقلين، بحق المدنيين وأفراد من قوات النظام والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، خرقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وهي انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ويشكل إعدام هؤلاء الأفراد بإجراءات موجزة انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي ولمعايير حقوق الإنسان، من جراء إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، دون أن تكون صادرة عن محكمة أصولية تتوافر جميع شروط وضمانات المحاكمة العادلة.
يُحدد القانون الإنساني معايير السلوك الإنساني، ويهدف إلى الحد من وسائل وأساليب القتال خلال العمليات العسكرية؛ من أجل التقليل من حجم المعاناة الإنسانية في أوقات النزاع المسلح. ومن هذا المنطلق، تنطبق أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب سابقًا، على سلوك أطراف النزاع المسلح غير الدولي الدائر في سورية، بما في ذلك على الجماعات المسلحة، بقصد توفير ضمانات الحماية لكافة الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات القتالية، خصوصًا المدنيون، فضلًا عن الجرحى والمرضى والأسرى من قوات الخصم والسجناء. وتُعدّ قواعد القانون الإنساني ملزمةً لجميع أطراف النزاع المسلح، بما فيها الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام.
يُشكّل انتهاك المتحاربين، من قوات النظام والجماعات المسلحة التي تقاتلها، لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحظر أفعال تعذيب المحتجزين أو إعدامهم خارج نطاق القانون أو من دون محاكمة، سواء أكانوا مدنيين أم مقاتلين ممن ألقوا سلاحهم وأصبحوا عاجزين عن مواصلة القتال بسبب الأسرى أو الجرح أو المرض، جريمةَ حربٍ. كما ينص القانون الدولي الإنساني على تحميل القادة العسكريين والسياسيين مسؤولية جنائية عن جرائم الحرب التي يرتكبها من هم تحت إمرتهم، في حال ضلوعهم مباشرة في ارتكاب هذه الجرائم، أو إعطاء الأوامر بارتكابها أو السكوت عنها على سبيل الامتناع عن الإتيان بأي عمل كان، من شأنه منع حدوث هذه الجرائم أو التقليل من تبعاتها.
بحكم التشوهات العميقة في بنية القضاء الرسمي السوري التابع للنظام، ولكونه تابعًا وغير نزيه، فضلًا عن عدم أهلية القضاة للنظر في الجرائم الخطرة والبت فيها، فإنه يتعين على جميع الدول إعمال مبدأ الولاية القضائية العالمية، والبدء بالبحث عن المتهمين بارتكاب الجرائم في سورية، أيًا تكن جنسيتهم، وملاحقتهم والقبض عليهم، ومحاكمتهم أمام محاكمها الوطنية.
نزار أيوب
[sociallocker]
جيرون