on
الأزمة السورية… محادثات إلى الأبد!
توجَّه وفد من المعارضة السورية إلى منتجع سوتشي الروسي للمشاركة في مؤتمر سلام، هذا الأسبوع، وبمجرد أن وقعت أعين أعضاء الوفد على شعار المؤتمر (علم نظام الرئيس بشار الأسد بين جناحي حماية) أداروا ظهورهم وعادوا إلى أنقرة، من دون حتى اجتياز بوابة فحص جوازات السفر. ولا بد أن هذا التصرُّف قد أسعد الروس، الذين لم تكن لديهم رغبة حقيقية في حضور معارضي الأسد المؤتمر.
ويُعتبر هذا المثال الأحدث على اللعبة التي تمارسها روسيا داخل سوريا؛ فهي غير مهتمة بالتوصل إلى أي صورة من صور التسوية للصراع، حتى وإن كانت تساير جهود عملية السلام.
جدير بالذكر أن الموقف الرسمي الروسي يتمثل في دعم سلامة أراضي سوريا، وحل سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة لوضع نهاية للحرب الأهلية في البلاد. وقد خدم مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد في سوريا هذا الهدف بوضوح، إلا أن روسيا كانت تعرف مسبقاً أن مفاوضي المعارضة السورية الذين تعترف بهم الأمم المتحدة لن يحضروا، وأن المنظمين بذلوا قصارى جهدهم ليخيفوا أي شخص آخر رغب في الحديث ضد الأسد.
ومع أن الأمر لم ينجح بصورة كاملة (فقد بدا وزير الخارجية سيرغي لافروف متضايقاً أثناء افتتاحه المؤتمر)، فإن المؤتمر سمح في الجزء الأكبر منه للمندوبين المؤيدين للأسد بتناول وجبات لذيذة وحَمْل كثير من الهدايا في طريق عودتهم.
أما ما نجحت روسيا بالفعل في تحقيقه داخل «سوتشي»، فهو تنظيم هالة أمام المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي ساوره القلق، بداية الأمر، من أن روسيا وتركيا وإيران (الدول الثلاث التي تقف خلف المؤتمر) تحاول بناء بديل للمحدثات السورية الرسمية في جنيف. وعليه، قرر مؤتمر «سوتشي» رسمياً التنازل عن المحادثات حول دستور جديد إلى لجنة جديدة مقرها جنيف تمثل جميع الأطراف. وبدا دي ميستورا، على الأقل ظاهرياً، راضياً، وشكر المندوبين والمنظمين على مساندتهم العملية التي تقودها الأمم المتحدة.
ومع هذا، من المحتمل ألا يشعر دي ميستورا بالدهشة إذا تأزَّمت الجهود داخل اللجنة الجديدة منذ اللحظة الأولى لعملها. في الحقيقة، لا تحتفي روسيا بأنصار الأسد لرغبتها في توجيههم نحو «جنيف»، وإنما لرغبتها في أن يشعروا بأنها تقدِّرهم باعتبارهم حلفاء على الأمد الطويل.
في يوليو (تموز) 2014، صدَّق البرلمان الروسي على اتفاق مع نظام الأسد يسمح لروسيا بالإبقاء على قاعدة جوية لها في حميميم لمدة 49 عاماً أخرى على الأقل، مع إمكانية تجديد المدة كل 25 عاماً. وأُقِر اتفاق مشابه بالنسبة للقاعدة البحرية في طرطوس، التي تطورت سريعاً من منشأة متواضعة لإعادة الإمداد أثناء الحرب السورية، وتشهد مزيداً من التوسعات في الوقت الراهن.
والواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر بالندم على الخطوات التي اتخذها في وقت سابق نحو تقليص الوجود العسكري الروسي بالخارج، ومن الواضح أن القاعدتين السوريتين تشكلان أهمية كبرى بالنسبة له باعتبارهما المعقلَيْن الوحيدين لروسيا على مستوى الشرق الأوسط.
ومع هذا، من غير المحتمل أن يبقي القاعدتين تبعاً لخطة على غرار تلك التي اقترحتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ودول إقليمية أخرى، التي التقى ممثلون عنها بمعارضين سوريين تعترف بهم الأمم المتحدة في فيينا، الأسبوع الماضي. وتدور الفكرة الرئيسية للخطة في التنازل عن جزء كبير من سلطات الأسد لصالح البرلمان والأقاليم.
ومع هذا، فإنه ليس هناك ما يدعو البرلمان للاعتراف بالاتفاقات التي أبرمها الأسد مع الكرملين. في الواقع، ليس هناك داخل سوريا غير الأسد والموالين المخلصين له ممن لديهم مصلحة عميقة في الإبقاء على مثل هذه الاتفاقات. ويتمثل السبيل الوحيد لاحتفاظ الأسد والمقربين منه بالسلطة المطلقة في استمرار حالة الانقسام داخل سوريا، مع هيمنة كل القوى الأجنبية المتدخلة في الشأن السوري على مناطق سيطرة عسكرية فعلية على الأرض.
وبغضِّ النظر عما يقوله مسؤولون روس، بما في ذلك بوتين، حول التوصُّل لحل سياسي، فإن هدفهم الحقيقي يتمثل في استمرار المحادثات حول دستور سوري لمدة 49 عاماً، ثم لمدة 25 عاماً أخرى.
أما الولايات المتحدة، فلها موقف مختلف تماماً من سوريا التي يتمركز بها نحو 2000 جندي أميركي.
وفي الوقت الذي يجري فيه وصف الوجود الأميركي في سوريا بأنه لأجل غير مسمى، ويركز على «التهديد الاستراتيجي» الصادر عن إيران، والتصدي لجماعات إرهابية، فإن الولايات المتحدة تملك بالفعل ما يكفي من قواعد داخل الشرق الأوسط. ومن شأن إقرار حل سياسي داخل سوريا، خصوصاً إذا تماشى مع الخطوط العريضة التي أُقِرَّت في فيينا، التخفيف من حدة مثل هذه التهديدات. وسيكون من الكافي بالنسبة للولايات المتحدة الاحتفاظ بوجود لها في العراق المجاور.
وبالمثل، نجد أن تركيا مشاركة في سوريا ما دامت الفوضى هناك تخلق تهديداً على حدودها. ومع ذلك، لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يؤمن بإمكانية إقرار حل سياسي دائم، ويبدي تقديراً إزاء قبول روسيا بتحركاته ضد الأكراد السوريين.
بوجه عام، يبدو التقسيم الفعلي وتجميد الصراع بصورة جزئية (مثلما الحال في شرق أوكرانيا، حيث يمارس الناس حياتهم اليومية بصورة طبيعية، ولا يوجد عمل عسكري ضخم يجري على الأرض) الخيار الوحيد المقبول بالنسبة لروسيا، والأمثل بالنسبة لإيران، لأنه يمكنها من إبقاء نفوذها على الأسد، وثاني أفضل سيناريو بالنسبة لتركيا ومصدر إزعاج لا داعيَ له بالنسبة للولايات المتحدة. ونظراً لأنه من غير المحتمل أن تصدق روسيا أي ضمانات غربية بخصوص إمكانية احتفاظها بقواعدها لأجل غير مسمى، في ظل أي ترتيبات بديلة، فإنه لا تبدو أي من البدائل الأخرى مقبولة.
ويضع هذا دي ميستورا في موقف لا يُحسَد عليه، ذلك أنه سيُضطَر إلى حضور مزيد من حفلات السيرك التي تنظمها روسيا، في الوقت الذي يعوق جانب الأسد إجراء مزيد من المحادثات.
(*) كاتب روسي
الشرق الأوسط
المصدر
جيرون