تكاليف الحرب السورية: ملخص دراسة البنك الدولي[1] الجزء الثاني: نقمة الحرب – الآثار الاقتصادية والاجتماعية



مقدمة:

هذه المقالة هي الجزء الثاني من سلسلة مؤلفة من 3 أجزاء، تهدف إلى تقديم خلاصة نقدية لتقرير البنك الدولي عن تكاليف الحرب السورية[2]. وقد تناولنا في الجزء الأول أهمية التقرير ومنهجه وأهم نتائجه، بينما نخصص هذه المقالة للتوسع في جانب تقدير التقرير للآثار الاقتصادية والاجتماعية للحرب في سورية حتى بداية العام 2017.

أهم نتائج التقرير المتعلقة بالآثار الاقتصادية والاجتماعية

يصف التقرير الأضرار الجسيمة التي لحقت في البنية التحتية في سورية، وتسببت بعواقب وخيمة. تسبب ذلك بتدمير كبير في المدن والبلدات والقرى نتيجة تحولها إلى ساحات للمعارك. ومع مرور الوقت تسبب ذلك في انهيار جزئي أو كامل للنظم والشبكات في العديد من المدن، عبر تدمير المنازل والبنية التحتية ذات الصلة بالخدمات العامة مثل الطرق والمدارس والمستشفيات، كما أدى إلى انهيار اقتصادي في العديد من المناطق. حيث تحولت الجسور والموارد المائية وصوامع الحبوب وغيرها من الأصول ذات الأهمية الاقتصادية إلى أهداف عسكرية.

تركزت الدراسة في عشر مدن هي: حلب والرقة وعين العرب/ كوباني وإدلب في الشمال – درعا ودوما في الجنوب – حمص وحماة في الوسط – ودير الزور وتدمر في الشرق. ومن دراسة أوضاع هذه المدن تم بناء عمليات استقراء لأوضاع المحافظات التي تقع فيها هذه المدن، وهي محافظات حلب والرقة وإدلب ودرعا وريف دمشق وحمص وحماة ودير الزور.

الأضرار المادية

في هذه المدن العشرة مجتمعة، قدّرت الدراسة أن 27 بالمئة من المساكن قد تضرر، وكان التدمير كليًا بنسبة 7 بالمئة. لكن هذه النسب تختلف من مدينة لأخرى؛ فأعلى نسبة دمار شامل نجدها في دير الزور حيث تصل إلى 10 بالمئة، وأقلها في عين العرب/ كوباني (4 بالمئة). بالمقابل إذا أخذنا نسب المساكن المتضررة، بما فيها الدمار الجزئي؛ فستكون النسبة الأعلى في تدمر (33 بالمئة) والأدنى في حماة (2,5 بالمئة). وكانت نسب الدمار في المحافظات المعنية متقاربة مع نسبة المدن.

يشير التقرير أيضًا إلى ارتفاع نسبة الدمار في مباني الرعاية الصحية من مستشفيات ومستوصفات حيث تم تدمير 16 بالمئة بشكل كلي، بينما تعرضت 50 بالمئة أخرى لأضرار جزئية. وهذه النسب تختلف أيضًا بحسب المحافظات والمدن؛ في دوما مثلًا تعرضت كامل المشافي لأضرار جسيمة، لكنها لم تخرج من دائرة الخدمة بشكل كامل، أما في حلب فقد خرجت 35 بالمئة منها من الخدمة، وتضرر 28 بالمئة مستشفى ووحدة صحية أخرى[3].

يقدر التقرير أن الأضرار المادية التي لحقت بالطاقة الكهربائية كانت شديدة، ولكنها لم تكن مُدمرة، فجميع سدود الطاقة المائية في البلاد وست محطات من أصل ثماني عشرة محطة لتوليد الكهرباء ما زالت تعمل، في حين أُصيبت أربع محطات كهرباء أخرى بأضرار جزئية، وتم تدمير محطة واحدة فقط. إلا أن نقص الوقود المترافق مع القيود الكبيرة الناجمة عن الصراع في ما يخص تنفيذ الصيانة أدى إلى انخفاض كبير في إمدادات الطاقة الكهربائية. فقد انخفضت كمية الكهرباء المُوَلَّدة في 2015 إلى 16 ألف غيغاوات ساعي، بينما كانت الكمية تبلغ 43 ألف غيغاوات ساعي في سنة 2010. أدى ذلك إلى تطبيق سياسة التقنين، وما يرافق ذلك من ارتباكات للنشاط الاقتصادي وتأثيراتها السلبية على الخدمات الأخرى، مثل المياه والتعليم والخدمات الصحية.

أما في ما يتعلق بالمياه والصرف الصحي، فقد تم تدمير (كليًا أو جزئيًا) 14 بالمئة من الآبار وما بين 25-60 بالمئة من محطات المعالجة والضخ لمياه الصرف الصحي ومياه الشرب. ولحق دمار كبيرة في شبكات الطرق، كان أكثره في حلب، حيث فاقت نسبة الطرق المدمرة 25 بالمئة. في القطاع التعليمي كانت أعلى نسبة دمار في المدارس الثانوية والمعاهد الفنية، حيث بلغت النسب نحو 15 بالمئة، بينما تنخفض لنحو 6 بالمئة بالنسبة إلى الجامعات والمدارس الابتدائية. وكانت حصة حلب هي الأعلى في نسب دمار القطاع التعليمي أيضًا.

الأضرار الاقتصادية

أدى الدمار الموصوف أعلاه إلى تعطيل الشبكات الاقتصادية والقدرة على التواصل؛ ما فاقم من أثر الأضرار المادية والتي وحدها لا تعكس إلا مجموعة فرعية من الآثار التي ولدها الصراع على الخدمات العامة في سورية. يُقدر التقرير أن حجم الخسائر في الناتج الإجمالي المحلي في نهاية 2016 قد بلغ أربعة أضعاف هذا الناتج في سنة 2010، وكان ذلك نتيجة لتوليفة من العوامل المتعلقة بتدمير رأس المال البشري والمادي والنزوح القسري وتفكك الشبكات الاقتصادية (أي تبعثر الاقتصاد).

كان تعطيل الأنشطة الاقتصادية مدمرًا بشكل خاص في قطاع المحروقات؛ حيث انخفضت القيمة المضافة في قطاع النفط بنسبة 93 بالمئة، بينما انكمش الاقتصاد غير النفطي بنسبة 52 بالمئة، بسبب الدمار الكبير في البني التحتية والصعوبة البالغة في الحصول على الطاقة؛ ما أدى إلى انكماش كلي بنسبة 63 بالمئة في الاقتصاد السوري مقارنة بسنة 2010. انخفضت بالتأكيد الثقة بالأعمال وتدهورت التجارة العادية، واستبدلت في معظم الحالات بنشاطات اقتصاد الحرب مع ما يرافقها من احتكار، وقد انخفضت الصادرات بنسبة 92 بالمئة. أما الإنتاج الزراعي فقد انخفض على نحو حاد، نتيجة قلة مصادر الطاقة وصعوبة الحصول على مياه الري وما لحق بها من تخريب[4].

ويشير التقرير إلى اختلالات بنيوية في الاقتصاد السوري الحالي، تتمثل باستنزاف احتياطات النقد الأجنبي، وارتفاع الدين العام على نحو غير مسبوق، حيث بلغ عجز الموازنة نحو 28 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2016، بعد أن كان 0.7 بالمئة فقط في 2010. بينما انخفضت الاحتياطات من العملة الأجنبية من 21 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من مليار في عام 2015، ولم تعد إيرادات الموازنة تشكل أكثر من 3 بالمئة من الناتج الإجمالي عام 2015، بعد أن كانت هذه النسبة 23 بالمئة في سنة 2010.

العواقب الاجتماعية

أدّى هذا التدهور إلى انخفاض حاد في فرص العمل، وتقلص الإنفاق على الضمان الاجتماعي؛ ما فاقم الأزمة الإنسانية. فمنذ 2011 فقدت سورية نحو 538 ألف فرصة عمل سنويًا بشكل وسطي، وهذا ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، ووصل إلى نحو 75 بالمئة (من كامل القوة العاملة) أي ما قوامه 9 ملايين إنسان. وكان لسعي الحكومة لتخفيف العجز في الموازنة عبر رفع الأسعار أثرٌ بالغٌ على ارتفاع معدلات الفقر؛ حيث وصل معدل الفقر المدقع إلى 60 بالمئة، بينما فاقت نسبة الفقر العادي 85 بالمئة، ولولا المساعدات الإنسانية؛ لحدثت كارثة غير مسبوقة، ففي عام 2016 وحده تلقى نحو 6 ملايين إنسان سوري مساعدات غذائية عينية، عبر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

يشير التقرير إلى التدهور الحاد في الظروف الصحية، وإلى انتشار التسرب من المدارس بشكل غير مسبوق. وقد ازدادت بشكل ملحوظ الاضطرابات النفسية لدى الأطفال؛ ففي مسحٍ أجرته منظمة (أنقذوا الأطفال)، تبيّن أن نحو 70 بالمئة منهم يعانون من اضطرابات خطيرة، تؤدي بهم إلى التبول الليلي غير الواعي. ويؤكد التقرير أن الخسائر في الأرواح البشرية والتهجير والتشرد الديموغرافي كان من عواقب الصراع الأكثر تأثيرًا؛ إذ انخفض عدد سكان سورية بشكل كبير، وكان الانخفاض متركزًا في الشرائح العمرية الشابة؛ ما يشير إلى تغير في البنية الديموغرافية بشكل مفاجئ، وهو أمرٌ سيكون له انعكاسات على الاقتصاد، حين تتوقف الحرب.

خاتمة

نحن إذن أمام أزمة متعددة الأبعاد: دمار يطال كل مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، يضاف إلى دمار مادي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. وقبل الختام، لا بد من وضع الكثير من البيانات التي استخدمت في تقدير الدمار المادي تحت “المجهر السوري”، ففريق الدراسة يعترف بأنه لم يستطع الوصول إلى سورية، وأن اعتماده أساسًا كان على بيانات جمعت لأغراض متنوعة، تم رفدها ببيانات الاستشعار عن بعد لتقييم حجم الدمار. هذا يعني أن دقة التقييم المطروح تعتمد بشكل كبير على دقة البيانات المستخدمة. فلا بد للقارئ السوري أن يلمس أن التقديرات الخاصة بحجم الدمار تقل بدرجات متفاوتة عن حجم الدمار الفعلي. لكن أي كلام جاد عن نقد نتائج التقرير لا بد أن يستند إلى دليل ملموس غير متوفر لأي جهة في هذه الفترة. بكل حال، إن كانت فعلًا التقديرات المطروحة في التقرير أقل من حجم الدمار الفعلي؛ فهذا يعني أن على القارئ أن يتخيل أن نتائج هذا التقرير تمثل فقط الحد الأدنى.

[1] يمكن تحميل التقرير كاملًا باللغة الإنكليزية من هذا الرابط: http://www.worldbank.org/en/country/syria/publication/the-toll-of-war-the-economic-and-social-consequences-of-the-conflict-in-syria

[2] يمكن الوصول إلى المقالة الأولى على هذا الرابط: https://geroun.net/archives/109160.

[3]  يمكن بسهولة ملاحظة أن المناطق التي بقيت بها نسبة كبيرة من المباني الصحية غير متضررة هي المناطق والمدن التي تخضع جزئيا لسيطرة النظام.

[4]  للاطلاع التفصيلي على الخسائر والأضرار في القطاع الزراعي يمكن إحالة القارئ إلى الرابط التالي: https://geroun.net/archives/81434


أحمد سعد الدين


المصدر
جيرون