فريق كرة قدم لمبتوري الأطراف ومصابي الحرب



تعرّض الشاب عبد القادر لإصابة جراء القصف، أدت إلى بتر قدمه، لكن إصابته لم تقضِ على عشقه لكرة القدم، لذلك كان من أوائل المنضمين إلى فريق كرة القدم الذي تم تشكيله لمصابي الحرب في إدلب؛ بهدف دعمهم نفسيًا ودمجهم في المجتمع، ومساعدتهم في استئناف حياتهم كالآخرين، وبخاصة بعد توقفهم عن العمل وعدم احتكاكهم بالمجتمع، بسبب الإصابة.

يتحدث الشاب عبد القادر اليوسف من إدلب، عن مدى استفادته من الانضمام إلى الفريق قائلًا: “كانت الإعاقة نقطة تحول صعبة في حياتي، حولتني من إنسان مفعم بالنشاط والحيوية إلى عاجز يائس، واليوم أشعر أنني أقوى من أي وقت مضى؛ لأنني أمارس الأنشطة نفسها التي يمارسها أي شخص طبيعي، على الرغم من أن أجزائي الجسدية أقل، وهذا يمنحني القوة والإرادة، لقد أيقنتُ أن الإصرار على تحقيق الهدف هو الطريق الوحيد، لبلوغ الغاية وتأكيد الذات ومواجهة حياة الإعاقة الصعبة”.

المعالج الفيزيائي محمد مرعي شيخ الحدادين، وهو حكَم ومدرب الفريق، يتحدث لـ (جيرون) عن أهمية تشكيل الفريق قائلًا: “أشرفُ مع بعض زملائي على مركز للعلاج الفيزيائي في إدلب، لعلاج مصابي الحرب، لذلك توجهت الأنظار إلى تنمية طاقاتهم الكامنة، وإظهار مواهبهم وإبداعاتهم، من خلال تشكيل فريق كرة قدم يحفزهم على إكمال حياتهم، ويمكنهم من ممارسة اللعبة التي أبعدتهم عنها الحرب، ويساعدهم في التعايش مع إصاباتهم والتغلب عليها”.

يبيّن شيخ الحدادين أن مشفى الداخلية التخصصي، ونادي أمية في إدلب، ساهما في دعم الفريق الذي وصل عدد المشاركين فيه إلى 23 لاعبًا، تم توزيعهم على فريقين، كما خضعوا لتدريبات مكثفة، لأكثر من شهر، قبل بدء المباريات لتعويدهم على الحركة والنشاط، وقد أبدى اللاعبون تفاعلًا جيدًا مع التدريبات، أما المباريات، فسوف تكون على مستوى إدلب وريفها.

ويضيف شيخ الحدادين متحدثًا عن دوافع تشكيل الفريق: “تشكل الرياضة لمصابي الحرب جزءًا من العلاج الطبيعي الجسماني، كما تشكل محركًا رئيسيًا ومؤثرًا إيجابيًا في حياتهم، بعد أن كانوا يعيشون عزلة اجتماعية من دون ممارسة أي نوع من النشاطات، ويلقون القليل من الاهتمام، ومن هنا جاءت فكرة تكوين فريق كرة قدم، ولاقينا ترحيبًا ممن تتوفر فيهم الشروط لخوض تجربة تأسيس أول فريق في إدلب لمصابي الحرب”.

يلفت شيخ الحدادين إلى قواعد اللعبة، بحيث لا يجوز للاعبين ضرب الكرة بالعكاز، كما يشترط أن يكون حارس المرمى بذراع واحدة، مؤكدًا أن صعوبات كثيرة تواجه الفريق، منها قلة الدعم المادي المقدم للفريق، ووجود شيء من الخجل أو الحرج لدى البعض منهم، وحاجتهم إلى فرص عمل، تتناسب مع إعاقاتهم لتحسين مستواهم المعيشي الصعب.

الشاب أحمد الأسود انضم إلى الفريق لتحقيق حلمه، وهو يتمنى أن يصبح لاعب كرة قدم محترف، ويتمنى لفريقه أن يستمر ويكون له شأن، ويعبّر عن ذلك بقوله: “بعد إصابتي؛ أصبحت أعيش على هامش الحياة، لكنني وجدت في الرياضة عالمًا أكثر انفتاحًا، أخرجني من عزلتي إلى معترك الحياة، فهي تعود بالفائدة عليّ ليس من الناحية الجسدية فقط، وإنما النفسية أيضًا؛ إذ إنني اكتسبت الثقة بالنفس، وتمكنت من إثبات وجودي في المجتمع”.

ويضيف أحمد: “أكثر ما يؤلمنا -المعاقين- أن بعض الناس ينظرون إلى المعاق على أنه ليس ذا كيان في المجتمع، أو نظرة سخرية، أو عطف زائد، وهذا خطأ كبير، لأن الإعاقة في العقول وليست في الأجساد، والمعاق إنسان له كيان، وثمة معاقون حققوا ما لم يستطع تحقيقه كثير من الأسوياء”.

(أم محمد) من مدينة إدلب، وهي والدة أحد لاعبي الفريق، تبينُ مدى استفادة ولدها من الانضمام للفريق قائلة: “تعرض ولدي لشظية قذيفة، أفقدته إحدى ساقيه، ليحبس نفسه بعدها خلف جدران غرفته، خوفًا من نظرات الآخرين التي كانت تؤرقه وتزيده ألمًا، وتعيقه أكثر من الإعاقة نفسها، ولكن بعد انضمامه إلى الفريق؛ خرجَ من عزلته، وتحلى بالصبر، وتمكن من كسر حاجز الخوف والخجل، حتى إنه بات يعتمد على نفسه في تنقلاته، وتسيير أموره أكثر من السابق”.

وليد بكري، من إدلب المدينة، حضر إحدى مباريات الفريق، وعبّر عن رأيه بأدائه، قائلًا: “تفاجأت بمستواهم العالي وإمكاناتهم المتميزة، واحترمتهم لأنهم اختاروا لحياتهم طريقَ التحدي، دون الانطواء على النفس والعزلة عن الآخرين، فأصبحت كرة القدم بالنسبة إليهم ليست مجرد وسيلة للحفاظ على الصحة وإنما وسيلة ليثبتوا لأنفسهم وللعالم أنهم لن يدعوا الإصابة تحول بينهم وبين إكمال حياتهم بشكل طبيعي، وأن الأمل هو ما يجعل الحياة جديرة بأن تعاش”.

أصحاب هِممٍ عالية فقدوا أحدَ أطرافهم، أو جزءًا منها، يجرون على أرض الملعب باستخدام عكازات، ولاعبون يتمتعون بقدراتٍ، قد لا توجد حتى لدى من يمتلكون قدمين، يشدون من أزر غيرهم من المعاقين، ويثبتون أن الإرادة قادرة على هزيمة الظروف الصعبة، وأن الأحلام والطموحات لا حدود لها.


سونيا العلي


المصدر
جيرون