ماتيس “يخشى” غاز النظام



تثير التصريحات الأميركية المتعلقة بنظام الأسد بين الحين والآخر، الكثيرَ من السخرية، وبخاصة تلك التي تحمل تهديدًا أو تلميحًا بضربة عسكرية، كتلك التي أطلقها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إذ قال: “نخشى أن يكون السارين قد استُخدم بالفعل، ونشعر بالقلق إزاء ذلك، ونشعر بقلق أشد إزاء احتمال استخدام السارين. لا أملك الدليل، ما أقوله هو نقل عن جماعات موجودة على الأرض، ومنظمات غير حكومية ومقاتلين، لذلك فنحن نبحث عن أدلة”.

مع اعتراف مؤسسات دولية وأميركية بمسؤولية النظام السوري عن شن العديد من الهجمات بأسلحة محرمة دوليًا، ومع أن إدارة ترامب استهلت عهدها بقصف مطار الشعيرات ردًا على استخدام النظام غاز السارين في مجزرة خان شيخون؛ فإن السوريين جمعوا مع المنظمات الدولية مئات الأدلة، ووثقوا عشرات الهجمات المصنفة جرائم حرب، تعود مسؤوليتها إلى نظام بشار الأسد.

كثيرة هي الجرائم التي لا تقل بشاعة عن استخدام السارين أو الأسلحة الكيميائية، استخدمها نظام بشار الأسد خلال سبعة أعوام، وهي موثقة بدلائل تشير إلى مسؤولية النظام حصرًا عنها، فإذا أخذنا جريمة مقتل آلاف أو عشرات الآلاف تحت التعذيب، وتسريب صور شاهدها معظم سياسيي العالم، بمن فيهم أعضاء الكونغرس الأميركي الذي يبحث ماتيس عن دليل لإدانة النظام؛ فإن دليلًا واحدًا مما سبق يكفي لإدانة نظام الأسد بجرائم حرب، وتقديمه للعدالة الدولية.

قرائن السوريين عن جرائم نظام الأسد، حملتها مدنهم وقراهم وأحياؤهم المرتبطة كل زواياها وأركانها بشواهد ارتكاب المجازر، والجرائم التي يحيي ذكراها السوريون اليوم، ومنها مجزرة حماة قبل أكثر من ثلاثة عقود، تناسلت لتشمل عموم سورية، لكن لماذا التركيز فقط على السلاح الكيميائي، وترك الأدوات الأخرى للجريمة تعمل “بحرية”! البراميل والتطهير العرقي والأفران البشرية ومسالخ المعتقلات والحصار والتهجير.. كلها جرائم حرب، ارتبطت باسم نظام الأسد مبتدعها ومنفذها.

“يخشى” الأميركيون، وخلفهم المجتمع الدولي، إقدام الأسد على استخدام سلاح السارين والكلور. كل صباح ومساء تشهد ساحات الجرائم جولة جديدة من تراكم الشواهد والجثث التي تسقط بفعل وحشية الأسد، كانت الخشية الدولية المنافقة في سباق مع جرائم الأسد التي تفوز دائمًا، أما التنبؤ بخطوة تلجم هذه الفاشية عن كاهل السوريين فهي الخاسرة دومًا. عوامل كثيرة تجعل السوريين يؤكدون أن مؤشرات الجريمة وفاشية النظام ستبقى هي الأبرز، خلال العام الثامن للثورة.

ماذا أفادت كل التهديدات التي وُجهت للأسد، غير تنامي وحشيته المحمية من دولة عظمى وأخرى إقليمية، كلاهما ينفي ويمسح عنه أثر الجريمة، في محافل دولية تخلت أساسًا عن مناصرة الضحايا، منابر باتت خجولة وضعيفة تستخدم تعابير لفظية عن القلق والمناشدة منذ سبعة أعوام، أعطت النظامَ المجرم ذرائعَ التغول في دماء الشعب السوري.

ترد موسكو على تلميحات ماتيس، ويقول لافروف: “اتهامات واشنطن لا أساس لها من الصحة”. لعبت موسكو أساسًا دورَ قارع ناقوس الخطر ضد السوريين وتطلعاتهم، حين قامت بلحظة “مناسبة” بمنع انهيار النظام، وبذلت جهودًا مستميتة لمواجهة الشعب السوري، من خلال المشاركة “الفعالة” بالهجمة الفاشية المسعورة، ضد كل بيان يحاول إدانة النظام السوري عن الجرائم التي حمل السوريون ملايين القرائن والأدلة التي تدل على إدانة نظام يحاول إجهاض أحلامهم.

يعرف السوريون ما يحملونه من قرائن، وهي التي دفعتهم إلى الثورة والانتفاض على نظام قمعي وحشي، حين صرخ السوريون، قبل أكثر من ثلاثة عقود عن مجازر في حماة، كان العالم كله يدير ظهره لما تسرب من آلام ودماء سوريات وسوريين، وحين دفقت كل الشواهد والأدلة؛ رغب العالم في الدخول في فذلكة التأكد والتحري، من واينبرغر إلى ماتيس لا تخشى بحثًا، كل القرائن محمية في صدور وعقول السوريين التي كانت وستبقى سببًا لثورة لن تجهض إلا بمحاكمة نظام مجرم.


نزار السهلي


المصدر
جيرون