وسائل الإعلام والمجتمع



يتناول الكتاب الحالي (وسائل الإعلام والمجتمع) لمؤلفه أرثر أسا بيرغر (ترجمة صالح أبو إصبع، عالم المعرفة – الكويت)، وجهة نظر نقدية لمجموعة قضايا مهمة تمس حياة الإنسان، من خلال تكامله اليومي مع وسائل الإعلام، ويثير المؤلف عددًا من الأسئلة تتعلق بطرق استخدامنا لوسائل الإعلام، على الرغم من أن الكتاب يعالج موضوعات، ترتبط بوسائل الإعلام في أميركا وهيمنتها على الحياة الأميركية. ولا يخفى على أحد أنه في ظل العولمة الإعلامية والثقافية باتت الوسائل الإعلامية الأميركية هي نفسها التي يتلقاها الجمهور العربي، فإن الموضوعات التي يطرحها الكتاب ليست غريبة على القارئ العربي.

وسائل الإعلام في أفكارنا وحياتنا:

يشير المؤلف إلى دراسة حديثة، صدرت بتاريخ 9 آذار/ مارس 2005، بواسطة مؤسسة عائلة (كايسر)، وبعض الإحصاءات المثيرة للاهتمام التي تتعلق باستخدام وسائل الإعلام في حياة الأميركيين، ما بين ثمانية إلى ثمانية عشر عامًا. وقد استندت إلى دراسة مسحية على عينة ممثلة قوميًا، مكونة من 2032 من الصغار الذين تراوح أعمارهم بين (8-18) سنة، أظهرت أنه في ما يتعلق بالتعامل مع الاستخدام الترفيهي (غير المدرسي) للتلفزيون، والفيديو كليب، والموسيقى وألعاب الفيديو والأفلام وأجهزة الكمبيوتر والمطبوعات، فإن إجمالي محتوى الوسائل التي يتعرض الصغار لها كل يوم، قد زاد بأكثر من ساعة على مدى السنوات الخمس الماضية، من (7,29 إلى 8,33 ساعة)، وإن معظم الزيادة قادمة من ألعاب الفيديو (صعودًا من 0:26 دقيقة إلى: 0:49 دقيقة)، وأجهزة الكمبيوتر (صعودًا من 0:27 دقيقة إلى 1:20) مستثنيًا الأعمال (الواجبات المدرسية). ومع ذلك، ولأن وسائل الإعلام تستخدم اليوميات التي تبين أن معدل انشغال الصغار متعدد المهام مع وسائل الإعلام، ارتفع من 16 إلى 26 في المئة، فقد بقي العدد الفعلي من الساعات المخصصة لاستخدام وسائل الإعلام ثابتًا، أقل قليلًا من ست ساعات ونصف الساعة في اليوم (صعودًا من 6: 19 إلى 6:21 أو أربعين ساعة ونصف ساعة في الأسبوع).

هذا يعني أن الأميركي البالغ من العمر 8- 18 سنة يقضي ما يزيد عن أسبوع عمل بدوام كامل كل أسبوع مع وسائل الإعلام. وتشير هذه الإحصائية إلى أن الصغار في أميركا يقضون نحو 2300 ساعة مع وسائل الإعلام كل سنة، ويتأتى أكثر من 1100 ساعة من هذه الساعات من مشاهدة التلفزيون، كما أن الأطفال من عمر 8 – 18 سنة لديهم في غرف نومهم الأجهزة التالية: جهاز تلفزيون (68 بالمئة) مشغل الأقراص (75 بالمئة) ومشغل لعبة الفيديو (45 بالمئة). ويمكننا القول إن غرف نوم الأطفال الأميركيين أصبحت سوقًا لوسائل الإعلام.

انتقادات لوسائل الإعلام ونصوصها:

يركز المؤلف الانتباه إلى التلفزيون -لكونه أحد أبرز وسائل الإعلام- من حيث سلبيات المشاهدة، على وجه الخصوص، لأن المشاهد العادي في الولايات المتحدة يشاهد نحو أربع ساعات كل يوم، على الرغم من أن الحجج التي يقدمها المؤلف عن التلفزيون (مأخوذة من مصادر مختلفة) من الممكن أن تنطبق على وسائل إعلام أخرى.

– القدرات النقدية المغمورة للمشاهدين: إزاء السيل الهائل من المشاهد التلفزيونية الزاخرة بالصور السريعة الحركة والموسيقى والمؤثرات الصوتية، فإن قدرة المتلقي أو المشاهد على اتخاذ قرارات عقلانية، تجاه ما يتعرض له من هذا السيل التلفزيوني الهائل تكون أمرًا صعبًا.

– المشاهدون فاقدو الحساسية تجاه العنف: إزاء المشاهدة المستمرة للبرامج التلفزيونية العنيفة شيئًا فشيئًا، يفقد الإنسان حساسيته تجاه العنف في الحياة الواقعية، وقد ينجرف بعض الناس إلى ممارسة العنف باعتباره عاديًا.

– تحول الفنانين المبدعين الجادين: باعتبار أن التلفزيون يدفع تلك المركبات الخيالية، فإنه يغري العديد من الكتاب الجادين والمخرجين وفناني الأداء للعمل من أجله وتحويلهم، من المسرح وغيره من أشكال فن النخبة، وبالتالي حرمان الجماهير من مساهماتهم، في هذا النوع من الفن.

الهروبية:

يوفر التلفزيون ملاذًا للتهرب (كوميديات المواقف الهزلية وبرامج العنف والمغامرة وأنواعًا من المواد قليلة القيمة الاجتماعية أو الجمالية)، لأن هذه البرامج سطحية ولا تتناول قضايا جادة وخطيرة.

العزلة: على الرغم من أن التلفزيون يخلق جمهورًا كبيرًا من المشاهدين، فإن الذين يشاهدون البرامج التلفزيونية معزولون في مجموعات أسرية صغيرة.

التلاعب: معروف عن التلفزيون أنه يتلاعب بمشاهديه، باستخدام الفكاهة والجنس وأي شيء آخر يمكنه جذب الجماهير، وأيضًا، من خلال الإعلانات التجارية.

مخدر: هنالك سبب يدفع إلى الاعتقاد بأن التلفزيون يعمل مثل مادة المخدر، انطلاقًا من عدد الأشخاص الذين أصبحوا مستمرين على المشاهدة “مدمنين”.

مواضيع محددة: التلفزيون مهووس بمجموعة ضيقة نسبيًا من المواضيع: العنف والجنس والاستهلاك والشباب والشهرة، وعدد آخر من المواضيع.

الاستغلال الجنسي: عادة ما تمنح للمرأة في الدراما التلفزيونية أدوار تستغل الجاذبية الجنسية للمرأة، وتستخدمها في الإثارة الجنسية وبيع المنتجات.

ويتناول المؤلف انتقادات لألعاب الفيديو وهي: إلحاق الضرر بعضلات اللاعب، السمنة، المشكلات الطبية ذات الصلة، الانخفاض في العلاقات الاجتماعية مع الآخرين.

الأطفال وعنف وسائل الإعلام:

يشير المؤلف إلى وجود كم هائل من مواقع الإنترنت المخصصة لوسائل الإعلام والعنف، البحث في (غوغل) عن العبارة الرئيسية “وسائل الإعلام والعنف” يعطينا 47 ألف موقع أو رابط ذي صلة، وكان علماء نفس قد أجروا دراسات جادة للعنف في وسائل الإعلام، وتوصلوا إلى نتائج، بالاستناد إلى عدد من علماء وسائل الإعلام الذين درسوا العنف تؤكد ما يلي:

أن العنف في وسائل الإعلام قد يؤدي إلى سلوك عدواني لدى الأطفال. أن مستوى العنف في الرسوم الكاريكاتورية، صباح يوم السبت، أعلى من مستوى العنف خلال وقت الذروة التلفزيونية (هنالك من 3 إلى 5 مشاهد عنيفة في الساعة في وقت الذروة، مقابل 20 إلى 25 مشهد في كل ساعة صباح يوم السبت). أن العنف في وسائل الإعلام يضر الأطفال الصغار خصوصًا (تحت سن الثامنة)، لأنهم لا يستطيعون بسهولة التفريق بين الحياة الواقعية والخيال. العنف في وسائل الإعلام يزيد من عدوانية الطفل، والسلوك المعادي للمجتمع والتجريد من الإحساس. وسائل الإعلام غالبًا ما تفشل في إظهار الآثار المترتبة على العنف، وبخاصة الرسوم المتحركة والأغاني المصورة.

الكتاب إضاءة واسعة على وسائل الإعلام، وبحث في العلاقة بينها وبين المجتمع، كما أنه يتناول عدة مضامين لوسائل الإعلام، كالإعلان والعنف والمضامين الأخرى التي تؤثر بشكل فاعل في الثقافة الجماهيرية، ويقدم رؤية لتأثيرات وسائل الإعلام الجديدة، مثل الهواتف المحمولة وألعاب الفيديو.


حواس محمود


المصدر
جيرون