صحيفة اللوموند: حدود استراتيجية الكرملين السورية



بفضل تدخلها في سورية، استعادت روسيا مكانتها كفاعل كبير في الشرق الأوسط. لكن فشل محادثات سوتشي ذكَّر بإنه إذا “كانت موسكو مفتاح كلّ حلّ؛ فإنها ليست المفتاح الوحيد”.

أظهرَ فشل مؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي نظمه الكرملين في سوتشي، يوم الثلاثاء 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، عجز روسيا عن العثور على حلّ سياسي للمأساة السورية. وكانت أيضًا عاجزة عن إرغام النظام على التفاوض مع المعارضة، خلال الجولة التاسعة من المحادثات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة. وفي حين لا تزال العملية الدبلوماسية عند نقطة الصفر، يبدو الصراع في طريقه إلى التحول بصورة خطيرة.

فالقلق يسود بباريس: “دفع الصراع ضد (داعش)، والمقاومة التي تخوضها المعارضة ضد النظام، بالحروب السورية الأخرى إلى المقام الثاني، وهي الحروب التي أججتها الخصومات المناطقية، والتي تتجلى الآن بكل وضوح”. يشهد على ذلك الهجوم التركي ضد مقاطعة عفرين الكردية، والتوترات المتصاعدة بين (حزب الله) و(إسرائيل)، وبين العربية السعودية وإيران، وكذلك بين روسيا والولايات المتحدة العازمة على تلافي انتصار كامل للنظام السوري والتطلع الاستراتيجي لإيران في اتجاه البحر المتوسط.

انخراط الطيران الروسي، ونشر نحو خمسة آلاف جندي خلال خريف 2015، أنقذ النظام. ولكن الكرملين -رغم الجهود- لم ينجح في تغيير المحاولة. “كانت روسيا قد برهنت على إمكاناتها، قبل خمسة عشر عامًا، مع التدخلات العسكرية في الفضاء السوفيتي السابق، لكن ذلك لم يكن على الصعيد الدبلوماسي”، كما يشير برونو تيرتريه، الباحث في مؤسسة البحث الاستراتيجي. “لكنّ سورية ليست صراعًا يمكن تجميده، بسبب كثرة الفاعلين الإقليميين، بخلاف جيورجيا أو أوكرانيا”.

تبدو مخاطر التورط حقيقية، لا سيما أن انتصار دمشق في جزء كبير منه مجرد سراب. صحيح أن النظام يسيطر على ما يطلق عليه سورية “المفيدة”، في وسط البلاد، لكنه لا يسيطر على أكثر من 50 بالمئة من الأراضي، وبالكاد على نصف السكان، أما الباقي منهم فهم إما نازحون أو منفيون.

حدود عملية أستانا

“روسيا هي، في تناقض غريب، أسيرة ضعف النظام. إذا تخلت عن دعمها له؛ فمن الممكن أن يواجه الانهيار من جديد، وهو ما سيؤلف أيضًا بالنسبة إليها هزيمة ثقيلة”، يحلل دبلوماسي فرنسي. وهو احتمال غير وارد بالنسبة إلى موسكو التي استعادت، بفضل تدخلها في سورية، مكانتها كفاعل كبير في الشرق الأوسط. لا يملك فلاديمير بوتين الكثير من وسائل الضغط، وإنْ كان قد ذكَّرَ بشار الأسد، خلال زيارته في بداية كانون الأول/ ديسمبر 2017 قاعدة حميميم العسكرية في قلب التواجد الروسي العسكري بسورية، بأن “الشروط توفرت الآن من أجل حلٍّ سياسي للصراع تحت رعاية الأمم المتحدة”.

لقد أظهرَت عملية أستانا، التي أطلقها الكرملين مع إيران وتركيا في العاصمة الكازاخستانية، حدودَها؛ إذ أطلق النظام، في إدلب في الشمال الغربي، وفي الغوطة الشرقية على أبواب دمشق -وهما منطقتان من أربع “مناطق خفض التصعيد” تمّ التفاوض عليها بمشقة في أستانا- هجماتٍ واسعة، ضد آخر معاقل المعارضة.

“موسكو هي مفتاح كلّ حل، لكنها ليست الوحيدة”، كما يُلاحظ بباريس، حيث لا يُخفي أحد “بعض الخيبة”، بسبب عجز روسيا عن احترام التزاماتها. لكنها أيضًا فرصة إعادة إطلاق مفاوضات جنيف، وهو الإطار المرجعي على الصعيد الدولي، لكل حلٍّ سياسي للصراع على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2015. فهو يحدِّد خريطة طريق، من أجل إقامة هيئة حكم انتقالية، وإعداد دستور جديد، وإجراء انتخابات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة. فمن دون استثمارات الغربيين ودول الخليج، تغدو كل محاولة لإعادة البناء مستحيلة. تفكر فرنسا في إعداد إطار “أكثر اتساعًا وأكثر شمولًا”، يجمع، إضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بلدانًا مثل الأردن والعربية السعودية، للوقوف على نحو أفضل في وجه موسكو.

حدود تعبير “في الوقت نفسه” الماكروني

تبقى المشكلة الجوهرية هي مشكلة استحالة قراءة الموقف الأميركي. كان ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، يؤكد في منتصف كانون الثاني/ يناير، بجامعة ستانفورد، بكاليفورنيا، أن الولايات المتحدة سوف تحافظ على حضورها العسكري في شمال شرق سورية، في منطقة الأكراد المستقلة ذاتيًا، من أجل الاستمرار في محاربة (داعش)، ومن أجل التأثير في احتمال الانتقال السياسي ووقف التمدد الإيراني. على أن مواقف البنتاغون ووزارة الخارجية متباعدة. فالعسكريون يراهنون على التحالف مع (قوات سورية الديمقراطية) التي يشكّل الأكراد عمودها الفقري، وإن كان ذلك يشكل تحديًا لأنقرة؛ بينما يبدو الدبلوماسيون أقرب من مسايرة الحليف التركي. لكن دونالد ترامب لم يحسم الأمر.

إلا أنه يشار بباريس إلى أنه “يوجد القليل من التباين” مع الخيارات الفرنسية. فهذه الأخيرة تبقى من ثم غامضة بعض الشيء أيضًا، مبرهنة على حدود دلالة تعبير “في الوقت نفسه” الماكروني. وبينما يعترف بضرورة التحدث مع النظام، وبأن على الشعب السوري أن يقرر مستقبله بنفسه، يذكِّر إمانويل ماكرون بأن على بشار الأسد أن يقدم حسابًا عن جرائمه.

لقد صرح رئيس الدولة مرارًا أن استخدام السلاح الكيمياوي هو “خط أحمر”، في نظر باريس التي لن تتردد في التدخل ولو وحدها. الكلمات تلزم من يقولها، في حين يستمر النظام باللجوء إلى استخدام الكلور ولا سيما في الغوطة. اقتصرت باريس في الوقت الراهن، على أن تطلق يوم 23 كانون الثاني/ يناير “الشراكة الدولية لمنع الإفلات من العقاب” لكل الضالعين في استخدام الأسلحة الكيمياوية.

العنوان الأصلي Les limites de la stratégie syrienne du Kremlin الكاتب Marc Semo         المصدر صحيفة اللوموند الرابط http://www.lemonde.fr/idees/article/2018/02/05/les-limites-de-la-strategie-syrienne-du-kremlin_5251903_3232.html المترجم بدر الدين عرودكي


بدر الدين عرودكي


المصدر
جيرون