on
كل هذه الوحشية في قبضة الأسد
أجواء الدم والخراب التي تعمّ إدلب وحرستا ودوما وكل ريف دمشق، وأماكن ما سمّي لفظًا “خفض التصعيد” في سورية التي سعت موسكو وطهران وأنقرة لإضفائها على نسخ أستانا بضمانتهم، والتي وصفت نتائجها بـ “المهمة والمصيرية”، ما كانت سوى التقاط نفَس عميق والتفاف على القرارات الدولية وعلى حقوق السوريين. ما نشهده من تصعيد ووحشية في إدلب عاشته قبل ذلك حلب وحمص، ومشهد الفرجة العربي والدولي ذاته، ولا نريد ربط التصعيد في إدلب التي شكلت، على مدار الأعوام الماضية، نقطة نفي وتمركز لكل القوى والفصائل التي قال النظام إنه أبرم الهدن لنقل من يرغب إليها، وعمل على تهجير عشرات الآلاف إليها. لكن يمكن القول إن الانتظار الذي عاشته إدلب، أو الذي تعيشه مناطق وجيوب أخرى خارج سيطرة النظام، وهي تتفرج على ما يجري تنتظر مصيرًا مشابهًا من الإفناء بالوحشية المنتهجة.
يقينًا إن ما يجري في إدلب، لم يكن وحده الدليل على حقيقة المواقف الروسية التي تسوق رغبتها في جمع السوريين في سوتشي؛ للقبول بمنطق “إما يحكمكم الأسد أو يقتلكم بمساعدتنا”، ولا هي كاشفة فقط عن وحشية النظام السوري، بل تقدم ملايين الأسباب التي تستوجب محاكمة النظام ورأسه في دمشق، على ما يقترفه من جرائم متواصلة بحق سورية والسوريين، جرّب معظمها بمشاركة الفاشية البوتينية والإيرانية التي يتماهى معها الأسد.
في ضوء المستجدات والأحداث المتسارعة في إدلب، أو المرشحة للتأثير في مجريات الأوضاع العسكرية والسياسية (مصير مناطق خفض التصعيد، وسوتشي، وأستانا، واستخدام الغاز، ومعركة عفرين… الخ)؛ من الطبيعي أن تحتل مواقف كل من واشنطن وأنقرة الأسئلة الأولى، ومن غير الطبيعي عدم ربط التصعيد في إدلب بما يجري في عفرين وريف إدلب الشمالي، فالمستجدات والأحداث آنفة الذكر تحوّلت، بحكم صلتها الوثيقة ببعضها، والتقاء المصالح بجوانب عديدة، وبحكم تقدير كل طرف لمصالحه البعيدة جدًا عن مصالح الشعب السوري التي تمكنه من نيل حريته؛ إلى شبه إجماع إقليمي انضم إلى محور (موسكو طهران أنقرة)، لتدمير الثورة السورية وكل ما يتصل بها.
القوات التركية التي جهزت عشرين ألف مقاتل سوري في غضون أيام، لمؤازرتها في عفرين، لا تريد لها أن تقدم مؤازرة لصد العدوان عن أبناء إدلب، على بعد أمتار قليلة من تمركز القوات التركية مع “الجيش الحر”، فحديث وزير الدفاع الأميركي قبل أيام كان يُعبّر عن خشية لفظية من غاز الأسد، خشية أسفرت عن سقوط مزيد من الضحايا، وهذا يفسر ما يتكرر من سبعة أعوام، من عدم دعم السوريين، ومن الإسناد القوي لمجرم سورية لإكمال مهمة تدمير السوريين بمقدراتهم؛ الأمر الذي كان له تأثير كبير على مناخ الخارطة السياسية والعسكرية والاجتماعية لسورية، من هنا تتضح الأهمية “المعلقة” التي يوليها ضامنو بقاء الأسد على نتائج تدمير آخر معقل قوي للمعارضة السورية، وحاضنتها الشعبية في إدلب وريف دمشق.
يبدو أن أعداء الشعب السوري، وعلى رأسهم موسكو وطهران وبشار الأسد، لم يستوعبوا بعد حقيقة التحول الذي طرأ على السوريين، بحكم كونهم متلقين جرعة هائلة من الموت والدمار، والإصرار على الكفاح لإسقاط الطاغية وتقديمه للعدالة، كهدف أولي وأزلي لإقامة سورية الحرة، من دونه لا سلام ولا استقرار في عموم سورية، لسبب بسيط جدًا أن ثورة الحرية والكرامة أضيف إليها ملايين الأسباب التثويرية، وهي إفرازات واقع جديد يجهله أعداء السوريين، ولسبب ثانٍ ليس بسيطًا أنهم لم يكونوا يحلمون بإراقة دمهم وأشقائهم، مثلما فعل طاغيتهم، لذلك ينظر كثير منهم باستخفاف إلى سيطرة الأسد الذي كان مسيطرًا على كل شيء قبل سبعة أعوام، من الجغرافيا إلى البشر. فهل بعد كل هذه الجرائم والجثث سيسيطر! لن نجيب، وسنترك جوابه لعشاق القيصر رومانوف، وتشاوشيسكو، وهونيكر، وستالين، وهتلر، وموسليني، وفرانكو، وحافظ أسد ورضا بهلوي. ونسأل أين هم مما يجري في سورية التي اجتمع فيها حقد كل هؤلاء في قبضة الأسد الواحدة على حلب وسراقب وحماة وإدلب والغوطة ودير الزور ودرعا وكل سورية؟
نزار السهلي
المصدر
جيرون