إبراهيم ملكي: على الدستور الجديد أن يحمي الجميع ويقطع مع عهد الاستبداد نهائيًا



قال المحامي والناشط الحقوقي إبراهيم ملكي إنّ اللجنة الدستورية، التي شكلت في مؤتمر سوتشي، تستمد “شرعيتها” من شرعية المؤتمر ذاته، ومن دور الدولة المنظمة لهذا المؤتمر التي باتت شريكة في قتل السوريين مع نظام الأسد.

أضاف ملكي، العضو في (المركز السوري للدراسات القانونية)، في حوار خاص مع (جيرون): “إن روسيا، المنظمة للمؤتمر، هي الدولة التي وقفت ضد إرادة الشعب السوري الذي ضاق ذرعًا بفساد نظام الأسد وأدواته القمعية، على مدى خمسة عقود؛ إذ وقفت في صفّ نظام بشار الأسد الذي فقد شرعيته، لأسباب لا تكاد تعد ولا تحصى، وقد استعملت، لتركيع الشعب السوري، كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، حيث أصبحت روسيا شريكًا لبشار الأسد، في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتُكبت ضد الشعب السوري، ونصّبت نفسها حكمًا غير عادل ومحاميًا عن بشار الأسد، وهي في الوقت ذاته خصم للشعب السوري الذي قُتل وسُجن وهُجر نحو 15 مليون منه، بسبب هذه الحرب الجائرة ضد الشعب السوري”.

في رد على سؤالٍ بخصوص تقديم مناقشة الدستور قبل العملية الانتقالية، قال ملكي: “من يطرح هذا الأمر حاليًا هو كمن يضع العربة أمام الحصان، ويطلب أن تسير العربة، وهذا أمر محال. وبالعودة إلى القرارات الدولية حول الأزمة السورية، وفق بيان فيينا الأخير، وبيان جنيف، وقراري مجلس الأمن 2254 و2268، وجميعها تدور في فلك المباحثات؛ يتبين أنه لن يتحقق الاستقرار في سورية إلا من خلال العملية الانتقالية، وقد وردت عبارة العملية الانتقالية، أول مرة، في البند الثالث من بيان جنيف، حيث قالت (إن مجموعة العمل الدولية ستعمل على تيسير بدء عملية سياسية بقيادة سورية، تفضي إلى عملية انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، وتمكّنه من أن يحدد مستقبله بصورة مستقلة وديمقراطية) وكذلك وردت في البند الرابع من البيان ذاته”.

أضاف ملكي: “الأولوية هي للعملية الانتقالية قبل كل شيء، حيث يمكن من خلالها إبعاد العصا الأمنية، وإيقاف القمع المسلط على رقاب الشعب السوري، وبوجود القمع؛ لن يستطيع الشعب تحقيق دولة القانون القائمة على الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، لذلك لا بد من أن تكون العملية الانتقالية مقدمةً لكل الحلول الأخرى التي تتبعها، كالدستور والانتخابات العامة، ثم قيادة البلاد نحو برّ الأمان والاستقرار، مع الأخذ بالحسبان أن العملية الانتقالية قد يطول أمدها لسنتين أو أكثر، وذلك بسبب حالة العنف والفوضى الناجمة عن الاحتلالين الروسي والإيراني وميليشياتهم التي وقفت ضد مصالح الشعب السوري وتطلعاته العادلة”.

في ردّ الأستاذ ملكي على سؤال حول أهمية وجود دستور جديد، في إطار مواجهة مفهوم الدولة الأمنية في سورية، أجاب: “إن أهمية وجود الدستور الجديد تنبع من منطلق وجوب أن ينص هذا الدستور على إنشاء جيش وطني حقيقي، لا يقوم على الاصطفاء الطائفي والتمييز بين المواطنين، وأن يتم إنهاء الهيمنة والسطوة الأمنية التي تمارسها دوائر المخابرات السورية المتعددة، حيث إن الدستور الجديد يجب أن ينهي حالة تدخل الجيش والسلطات الأمنية في الحياة السياسية والمدنية، وأن يتفرغ الجيش لمهمة الدفاع عن الوطن ضد أي تهديد أو خطر خارجي، من هنا تكمن سببية الدستور الجديد للبلاد”.

حول الجدل والخلاف بشأن الدستور الصالح لسورية: أهو إصلاح دستور 2012 أم اعتماد دستور 1950، قال ملكي: “للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة إلى مفهوم الدستور ومبادئه الأساسية؛ إذ إن الدستور هو عقد اجتماعي بين الدولة وسلطاتها من جهة، وبين مواطنيها من جهة أخرى، وهو الذي يحدد الملامح الأساسية للدولة، من حيث شكلها ونظام الحكم فيها، وتنظيم السلطات العامة من حيث تكوينها وعلاقتها بعضها ببعض، ومنذ بداية الثورة السورية، كثر الحديث حول وجوب العودة إلى دستور 1950 في الوقت الذي قام فيه النظام بوضع ما أسماه دستور 2012 والذي تم تفصيله وفق المقاسات التي تناسب النظام، وأجندته المستمرة في قتل وتشريد الشعب السوري بكل أطيافه، ومن نافلة القول أن دستور عام 1950 هو الدستور الوحيد الذي تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة آنذاك، بعد فترة وجيزة من جلاء المستعمر الفرنسي عن الأراضي السورية، ولعل كونه قد وضع من قبل جمعية تأسيسية منتخبة أعطاه هذه المكانة لدى أبناء الشعب السوري؛ إذ استطاع هذا الدستور أن يضع قواعد بناء الدولة السورية التي تمثل جميع السوريين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بآلية ديمقراطية، واعتمد نظامًا برلمانيًا يقوم على التوازن والتعاون بين السلطات”.

أضاف ملكي: “بالعودة إلى قولنا إن الدستور هو عقد اجتماعي؛ فإن الظروف والأوضاع والبيئة التي وضع فيها دستور 1950 أصبحت مختلفة الآن، لا سيّما أن الشعب السوري قام بثورةٍ، لن أبالغ إذا قلت إنها من أطول الثورات في التاريخ، وقد واجه أعتى أنواع الظلم والتشريد والخذلان من كل المجتمع الدولي، واستخدم ضده أحدث أنواع الأسلحة وأخطرها، لذلك فإنني أرى أن هذا الدستور لم يستطع محاباة وتلبية متطلبات شعبٍ، ثار على حكمٍ مستبدٍ صادَر حرية الشعب السوري وكرامته لأكثر من خمسة عقود، وقد حاول النظام الالتفاف على متطلبات الشعب، من خلال وضع وثيقة فصلت على مقاسه وأطلق عليها دستور 2012، في حين أن هذه الوثيقة تفتقد أسباب اعتبارها دستورًا، إذ وضعت في ظروف استثنائية، لم يكن النظام حينئذ يسيطر على أكثر من 45 بالمئة من الأراضي السورية، وكان نحو نصف الشعب السوري مهجرًا، وما زال، كما أن هذا الدستور لم يتم طرحه على الشعب، وفيه ما فيه من العيوب التي تجعله لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به”.

عن أبرز المبادئ التي يجب أن يحتويها دستور سورية المستقبل، أجاب ملكي: “يجب أن يحتوي الدستور الجديد، شكل الحكم الذي يقوم على أساس ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة، وفصل السلطات، والتأكيد على إنشاء جيش وطني يشارك فيه الجميع، وتحييد هذا الجيش والسلطات الأمنية عن الحياة المدنية والسياسية، والتوزيع العادل للثروات، واستقلال القضاء، ووضع باب خاص للحريات العامة والحقوق، وكفالة حرية الرأي والإعلام الحر، وتكريس العلمانية، والعدالة، وحقوق الإنسان، كما يجب أن يتضمن مبادئ عامة مثل مبدأ السيادة، ومبدأ وحدة الأراضي السورية، والهوية الوطنية، والمواطنة والمساواة، وبالنسبة إلى مصادر التشريع، يجب أن تتضمن كل ما أنتجه العقل البشري والإنسانية من مبادئ سامية، بما فيها تراثنا وتاريخنا وقيمنا”.

أكد ملكي على ضرورة “مشاركة جميع المكونات السورية في صياغة هذا الدستور، ومشاركة النساء بشكل فاعل، ليكون هذا الدستور ضامنًا وحاميًا للجميع، ويضمن أيضًا عدم العودة إلى عهد الاستبداد نهائيًا”. وأضاف: “يمكننا ضمان الحقوق والحريات العامة للمواطنين، بوضع وثيقة خاصة ضمن الدستور الجديد، تسمى (وثيقة الحقوق والحريات العامة) على أن ينص هذا الدستور في مواده ومبادئه الأولية على أن جميع المواد الواردة في وثيقة الحقوق غير قابلة للتعديل تحت أي ظرف، إضافة إلى إصدار القوانين الأخرى الصارمة، في مسألة حماية الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور لجميع المواطنين على قدم المساواة”.

اختتم ملكي كلامه بالقول: “لا يمكن تهيئة المناخ المناسب لإطلاق العملية الانتقالية إلا من خلال إجبار النظام وميليشياته الطائفية على وقف عدوانهم على الشعب السوري، وسحب كل المظاهر المسلحة من المدن والأرياف، بما في ذلك قوات الاحتلال الروسي والإيراني، وأن يتم تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، دون أن يتدخل في عملها أي قوة عسكرية أو أمنية، وأن يكون هناك ضمانات وإرادة دولية حقيقية لوضع حد لسفك الدم السوري، وخلق بيئةٍ يمكن من خلالها أن تتم عملية انتخابية حرة وديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة؛ ليؤدي ذلك في النهاية إلى الوصول إلى الإصلاحات الدستورية المرتقبة التي تلبي طموحات الشعب السوري”.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون