الأسد طاغية القرن في صفقته الروسية



يُسلّم البعض بأن ما يجري تسريبه، حول “صفقة القرن” التي تسوّق لها إدارة ترامب، يعني تصفية القضية الفلسطينية، غير أن كثيرًا من الوقائع تدلّ على أن الصفقة تشمل ملفات وقضايا، حملتها بعض نخب السلطة الحاكمة في العالم العربي؛ لتجري بها صفقات تحميها من متغيرات حدثت، أو قد تحدث في المستقبل. لكن علاوة على النظر في هذا التسليم، وجب علينا أن نزيد على ذلك، فننظر إلى بقية المسلّمات بمقتضى ما تشير إليه تطورات قضايا المنطقة؛ فإذا أخذنا مسارات الربيع العربي عمومًا، في مصر، وفي محطته الأهم سورية؛ وجدنا أنها تُحدث خلخلة، أفزعت كثيرًا من المنخرطين في صفقات تتجاوز قضية فلسطين، وتعتبر في أهميتها موازية لها.

من كل هذا الجزء، وجب التسليم أيضًا أن جميع الظروف والخدمات التي هيأت لطرح “صفقة القرن” والتي يجري الحديث عنها بكل هذه الفجاجة العلنية، لم تكن تتم لولا هذا الخراب والدمار الذي أسهمت فيه أنظمة الاستبداد العربي، وأولهم طاغية العصر في سورية بشار الأسد، الذي يعود له “الفضل” الأكبر في ملف تسويق “صفقة القرن” بمعية حليفيه الروسي والإيراني. تكفي بيئة الدمار والقتل والتهجير والموت بكل الأسلحة المحرمة، التي استُخدمت في بداية قرن جديد، وعهد طاغية ورث من أبيه أدوات مهّدت تعبيد ما يلزم، لإتمام صفقات تافهة تتعلق بكرسي الحكم لإجهاض قضايا كبيرة.

مثلما تُمارس الضغوط الأميركية لابتزاز سياسة عربية ودولية، وتمرير “صفقة قرن”، تُفضي إلى التخلي عن قضية فلسطين، وقضايا أخرى معنية بالتحرر والتنمية والكرامة والمواطنة في بلدان الثورات العربية، تمارس موسكو ضغطًا هائلًا، بقنابل وصواريخ خلفت عشرات آلاف الضحايا، دعمت فيها سياسة الفران البشري ومستخدم غاز السارين ومغتصب السوريات وقاتل الأطفال. وقد سَرّعَتْ غطرسة بوتين إنجاز طريق القدس أمام ترامب ونتنياهو، وصولًا إلى سوتشي الذي أقرّ بحماية صبي الممانعة، ليكون بمنأى عن أي تغيير يطال وظيفته.

ولإنهاء ظاهرة الثورات العربية التي وقفت موسكو بقوة ضدها مستخدمة أعتى ما لديها من عنجهية؛ عقدت صفقات مماثلة، فصفقة القرن الروسية تشابه الأميركية تمامًا، حيث إنها تنص على حماية المصالح لقرن روسي قادم، عبر قواعد وعقود بشروط المحتل، مقابل احتفاظ طاغية دمشق بكرسي الحكم، ومثلما أن سمة الإمبريالية الأميركية داعمة للمحتل، وتبحث له عن تسويق منتجه السياسي والأمني. تفعل موسكو الشيء ذاته. بالخطوات نفسها تقلد واشنطن. يكشف التاريخ اليوم الحائط الذي يستند إليه قطبا الإرهاب العالمي، وممارسة الإرهاب الروسي تفوق في بعض النقاط تلك التي استعارها من الأميركي والإسرائيلي، ووضعها في يد نظام الأسد.

في صفقة القرن الأميركية، دعمٌ مطلق للإسرائيلي ولروايته ولأساطيره وخرافته، من نظم مستبدة في المنطقة، تمارس الضغط على الضحايا الفلسطينيين؛ للقبول بكل إجراءات المحتل. وفي النسخة الروسية والمصرية لصفقة القرن، دعمٌ مطلق للطاغية بصواريخ وطائرات وقنابل، تدك مدن سورية وأريافها، حصيلتها مليون قتيل وجريح وملايين المهجرين، وفوق ذلك، القبول بالقاتل لتمرير صفقات أخرى أميركية وروسية.

في كلتا الصفقتين، الإرهاب الموازي الذي تمارسه موسكو أمام إرهاب أميركا، واستعارة غطرستها وتقليدها، من خلال ترسيخ وجود طاغية، حقق كل شروط نجاح تمريغ القرارات الدولية بـ… الممانعة. ولكيلا تبقى حكرًا على غطرسة المحتل ومن يدعمه؛ أصبح للطغاة والمجرمين “حُماة” وغزاة من معسكر موسكو، مثلما أميركا مستعدة للدفاع بقوة عن منطق سرقة وطن واغتصاب مقدساته، تقدم موسكو مرافعة دموية للدفاع عن مجرمٍ، وفّر لها احتلالًا طويل الأمد وقواعد عسكرية منتصرة على دمار شامل، لا علاقة لها بالقدس أو فلسطين أو “بمشروع التحرر والتقدم ومناهضة الإمبريالية”؛ لأن هذه قاعدة تهدم كل ما تقدمت به عقلية مافيا موسكو ومقاولة واشنطن.

ما ينبغي أن ندركه مما تقدم، أن ما يجعل صفقة ترامب قابلة للتمرير في طريقها المصري والسعودي والإماراتي، هو الفعل الروسي على الأرض، وفي هذا التأسيس الذي يذعن بالضرورة لفكرة موت عشرات الآلاف تحت التعذيب، أو إحداث دمار هائل على مستوى الجغرافيا والديموغرافيا ومقتل وتهجير الملايين، لتطبع موسكو قرنها الجديد بطابع طاغية، هو جزء من صفقة منقسمة بين قطبين. هل تختلف المطالب الأميركية، في صفقة القرن، عن تلك الروسية التي تسيج الطاغية وتحميه؟ نقول لا؛ لأن انتشاء الطاغية في دمشق له السحنة نفسها من السرور في تل أبيب.


جيرون


المصدر
جيرون