اللاجئ السوري في أوروبا.. فجوات العادات والاندماج



ارتفعَت وتائر الحديث مؤخرًا، عن الإجراءات التي تتخذها سلطات بعض الدول الأوروبية التي تستضيف لاجئين سوريين، ضد ذوي الأطفال الذين يتعرضون لتعنيف في منازلهم، إذ قد يواجه الآباء إمكانية الحرمان من أطفالهم، في حال انتهاك أي قانون سائد في الدولة المضيفة، يتعلق بالأطفال وإيذائهم، ومن ثم الاتكاء على اتفاقية حقوق الطفل في هذا الأمر. حول هذه القضية سألنا بعض المحامين والقضاة السوريين الذين يعيشون في بلاد المهجر أو اللجوء: كيف ينظرون إلى مثل هذه الحالات؟ وهل يمكن أن تكون هناك بعض الحلول التي تساعد اللاجئ السوري، ولا تضر مباشرة بقِيم السوريين، وتتوافق مع القوانين السائدة في بلد اللجوء؟

المحامي السوري أحمد الجراح قال لـ (جيرون): إن القوانين في بلاد اللجوء “مصنعة لأهلها، وفق ما تقتضيه مصلحة المجتمع الغربي وأعرافه وقِيمه. ولا شك أنه مجتمع حر يرتقي بالإنسان، ويعتني بالطفل، وتتساوى فيه حقوق المواطنين من دون تمييز بين الرجل والمرأة، وفق معايير مدروسة ومتوافقة مع قيمهم وقوانينهم”. وأكد أنه “في المبدأ، تختلف معايير الإباحة والمنع، من حيث الزمان والمكان، أما نحن -المجتمع الشرقي والمسلم- فقد انتقلنا فجأة من الشرق إلى الغرب، ولا شك أننا نصطدم بقوانين وأعراف تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الشعبي، لذلك فإن هذا المجتمع الذي ينبذ العنف بكل أشكاله، ويعتمد على حل المشكلة بالنقاش والحوار والقانون، من دون تعنيف الآخر، سيكون مختلفًا عن مجتمعاتنا، ونحن نعرف أن معظم الذين قدموا من مجتمعاتنا إلى أوروبا، يحملون معهم عقلية ذكوريّة، لذلك يلجؤون إلى حلول أسرية بالإكراه والعنف، وهذا الأمر مرفوض هنا. لذلك تفككت كثير من الأسر، أما إذا لم يحصل التعارض مع قوانين البلد المضيف، ولم يقع العنف مع الأطفال أو الزوجة؛ فلا أحد يتدخل بكيفية تربية أسرة اللاجئ، ضمن الإطار العام السائد”.

في الموضوع ذاته، بيّن المحامي السوري ثامر الجهماني، لـ (جيرون)، عدة أمور بالقول: “تتدرج الإجراءات القانونية التي تتخذها دائرة الشؤون الاجتماعية، بخصوص مراعاة تربية الأطفال في الدول الأوروبية، بين مجموعة تدابير، بما يتماشى مع معاهدة حقوق الطفل لعام 1990. وقد تصل إلى إلغاء حق الأب أو الأم برعاية أطفالهم، وانتزاعهم من عائلاتهم، وهو أمرٌ قانوني وشائع. وقد تلجأ إليه السلطات الاجتماعية، عندما تقرر أن كلا الوالدين، أو أحدهما، غير قادر على رعاية وتربية الأطفال؛ فتقوم الدولة بتدبير أمور الأطفال والبحث عن عائلات بديلة. خصوصًا عندما يتوفر شك بوجود خطورة على حياة الطفل، وذلك وفقًا للفصل 14 من قانون الرعاية الاجتماعية في السويد، على سبيل المثال، وكذلك وفق قانون رعاية الأحداث”. يضيف الجهماني: “لتجنب كل ذلك، أو التقليل من حدوثه، يحتاج الأمر إلى ردم الهوّة الفاصلة بين ثقافتين ومجتمعين متمايزين. لا بدّ من التثقيف القانوني ضمن إطار الاندماج في المجتمعات الجديدة، وكذلك الإيمان بأن الطفل هو إنسان له حقوق تخص كرامته وإنسانيته، وليس متاعًا أو ملكًا خاصًا لأهله، كما أنه لا بدّ من الإيمان بأن المجتمعات الأوروبية تقدر دور العائلة والأهل في تكوين شخصية الطفل، لكن ضمن ثقافة وأسلوب مختلف، يستوجب البحث عن القواسم المشتركة، والابتعاد عن الأساليب المنفّرة، مع ضرورة التثقيف النفسي والقانوني السليم، عبر برنامج التوجيه الاجتماعي للوافدين الجدد؛ لتمكينهم من التعرف على حقوقهم وواجباتهم”.

القاضي السوري أنور مجني قال لـ (جيرون): “يعاني السوريون المهاجرون من فجوات كبيرة، بين عاداتهم وقيمهم وبين المجتمع المضيف، يعود قسمٌ منها إلى اختلاف الثقافات والقوانين والحضارة، وقسمٌ إلى منظومة العادات السورية المغلفة بخطاب ديني ذكوري بعيد عن الدين نفسه، منها ذكورية المجتمع وثقافة العنف والاستبداد، وغيرها من الأمراض التي ساهم في تكريسها النظام الشمولي الذي عانى منه السوريون، لذلك شاهدنا تصدعًا في بنية الأسرة السورية، عند وصولها إلى بلاد المهجر، من كثرة حالات الطلاق ونفور الأولاد من منظومة الأسرة، إضافة إلى تدخل الدولة المضيفة بالكثير من الحالات، وإبعاد الأولاد عن أسرتهم، لذلك أرى أن على اللاجئين فَهم قوانين البلد المضيف وقيمه وعاداته، والانصياع لها، بما لا يخالف قيمهم (وليس عاداتهم)، وقبول تدخل الدولة حتى بالعلاقة مع الزوجة والأولاد”.

انتهى مجني إلى القول: “أتمنى أن يكونوا سفراء لبلدهم، يظهرون منظومة القيم، ويبتعدون عن العادات البالية؛ ما يساهم في اندماجهم في المجتمع الجديد، ويخفف من أثر الاختلاف بينهم وبينه”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون