لماذا تهاجمون مؤتمر سوتشي

8 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
6 minutes

جاءني صديق عربي حاملًا ورقتين، تبيّن أنهما تتضمنان نص البيان الختامي لمؤتمر سوتشي الشهير، وصاح متحمسًا قبل أن يسلّم: لماذا تهاجمون المؤتمر؟ هل قرأتَ البيان؟! وبدأ يقرأ لي:

– يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية، عن طريق صناديق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي ضغط أو تدخل خارجي.

– تكون (دولة سوريا/ الجمهورية العربية السورية) دولة ديمقراطية غير طائفية، تقوم على التعددية السياسية والمواطنة المتساوية، بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين والتنوع الثقافي للمجتمع السوري…

– بناء جيش وطني قوي وموحد، يقوم على الكفاءة، ويمارس واجباته وفقًا للدستور ولأعلى المعايير. وتتمثل مهامه في حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. وبناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني، وتخضع لسيادة القانون، وتعمل وفقًا للدستور والقانون، وتحترم حقوق الإنسان.

قاطعته: لا تكمل، فقد قرأت البيان جيدًا. أجاب: لماذا إذن تهاجم المؤتمر؟ كنت دائمًا أسمعك تردد الكلام نفسه، وتكتب الكلام نفسه.

صديقي هذا لا يعرف سورية والسوريين إلا من خلال عددٍ من المثقفين الذين يلتقي بهم بين وقت وآخر. لا يعرف أن النظام السوري لم يلتزم يومًا بدستور أو قانون، ولم يف يومًا بتعهد.

اعلمْ، يا صديقي، أن هذه البنود ما كانت لتصاغ هكذا؛ لولا المواقف الصلبة للشعب السوري والمعارضة السورية ومواقف الدول التي لا تريد أن تنفرد روسيا بالحل في سورية. فنظام الأسد لا يريد “بناء جيش وطني قوي وموحد”، بل يريد الحفاظ على جيشه “العربي السوري”، بتركيبته الحالية، وتوجهاته التي لا تخرج عن حماية ذلك النظام، وإنْ تطلب ذلك تدمير البيوت فوق رؤوس أصحابها وقتل الناس بالأسلحة الكيمياوية والبراميل المتفجرة. وهو لا يريد “بناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني، وتخضع لسيادة القانون، وتعمل وفقًا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان”، بل يريد الحفاظ على مؤسساته الأمنية التي تراقب حركات المواطنين وسكناتهم، وتنكل بهم وتقتلهم تحت التعذيب. وتسانده في هذا إيران وروسيا، طالما أمكنهما ذلك.

ومع ذلك، علينا أن ننتبه إلى أن مجرد النص على الوسائل الديمقراطية وصناديق الاقتراع، وعلى التعددية السياسية والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، وعلى “الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون، والفصل بين السلطات واستقلال القضاء”… إلخ، لا يعني تطبيق ذلك بالضرورة.

هل تعرف، يا صديقي، أن جميع الدساتير التي وضعها نظام الأسد تنصّ على المساواة بين المواطنين أمام القانون، وأن معظم موادها تقول: “… وفقًا للقانون”؟ أيّ قانون!! هل هناك قانون في الدنيا ينصّ على تعذيب المواطن حتى الموت، بسبب آرائه؟ هل نسيت تقارير الأمم المتحدة عن أعداد الذين قُتلوا تحت التعذيب، في سجون الأسد وأقبية مخابراته، “في ظل دستور الأسد وقانونه”؟

ألم تكن صناديق الاقتراع هي التي قالت إن 99 بالمئة من السوريين وافقوا على الأسد (الأب أو الابن) رئيسًا لسورية؟ ألم تكن صناديق الاقتراع هي التي أوصلت أعضاء مجلس المصفقين المسمى “مجلس الشعب”، ليصبح أداة بيد النظام وأجهزته الأمنية، لاستصدار التشريعات التي تساعد على استشراء الفساد واستفحال الاستبداد؟ وهل تظن حقًا أن مراقبة الأمم المتحدة لانتخابات قادمة، في ظل بقاء أجهزة الأسد الأمنية، ستجعل النتائج مختلفة جوهريًا؟ لن تكون لأيّ نصوص، وأيّ دستور أو قانون، وأيّ وعود أو تعهدات… أي قيمة؛ طالما بقي نظام الأسد وأجهزته الأمنية في السلطة.

ثم قل لي، أيها الصديق العزيز، هل توافق على أن ينظم محتلٌ لبلدك مؤتمرًا لوضع دستور وتنظيم انتخابات؟ ومن هم الذين حضروا المؤتمر “الذي يمثل السوريين”؟ إنهم من اختارتهم أجهزة النظام الأمنية من “المنظمات الشعبية وممثلي المذاهب والأديان والنساء… حتى الذين جاؤوا لتمثيل المعارضين المشاركين في “محادثات أستانا” التي ترعاها روسيا، ظلوا قابعين في مطار سوتشي ساعات طوال، يفترشون الأرض ويتوسدون أحذيتهم، ثم عادوا على أعقابهم، لأن منظمي المؤتمر لم يفوا بتعهداتهم لهم.

وهل تعلم، يا صديقي، أن “قرارات” المؤتمر قد نوقشت خلال بضع ساعات، بدلًا من يومين، كما كان مقررًا؟ وأن بعضًا من تلك الساعات ضاع في تسكيت من حاول الاحتجاج على خطاب بوتين الذي حاول لافروف إلقاءه؟ ذلك أن أحدًا من المشاركين في المؤتمر لم يكن قادرًا على قول شيء غير الذي يريده الروس.

ستمضي الثورة السورية قدمًا في تحقيق هدفها بتكنيس نظام الاستبداد والفساد، وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يضمن المواطنة المتساوية لجميع السوريين، ويضمن سيادة الدستور والقانون الذي يضعه ممثلو جميع السوريين، وليس حفنة ممن تختارهم روسيا أو غيرها، استنادًا إلى توصيات أجهزة مخابراتها ومخابرات النظام. ستمضي الثورة قدمًا، على الرغم من المطبات التي وقعت فيها والتراجعات والانتكاسات التي سببتها قوى الثورة المضادة والمتطرفون الإسلاميون القادمون من كل حدب وصوب، لحرف الثورة عن مسارها.

وإذا كان النظام الدولي، بقسميه: المتخاذل والعاجز أو المتعاون مع أنظمة الاستبداد، سيواصل الوقوف في وجه الثورة السورية وغيرها من ثورات الشعوب الطامحة للحرية؛ فإن هذه الثورات ستنهي، في آخر المطاف، هذا النظام الدولي، وتستبدل به نظامًا يقوم على رفض الاستبداد والفساد، ويضمن حقوق الشعوب في الحرية والعدالة الاجتماعية.

خضر زكريا
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون