مركز كارنيغي في موسكو: لماذا كانت موسكو بحاجة إلى المؤتمر السوري في سوتشي



كان وجود ستيفان دي ميستورا في سوتشي، وخطابه الأخير الذي قال فيه إن قرارات مندوبي المؤتمر السوريين هي إسهامٌ في عملية التسوية السياسية في جنيف، هو النتيجةَ التي سعت إليها موسكو من هذا المؤتمر. وبعد حصولها على درجةٍ عالية من التحكم بالعمليات القتالية في سورية؛ قررت موسكو عدم تفويت الفرصة للتأثير على العملية السياسية، خاصةً بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها في حملتها السورية. وقد ساهم موقف دي ميستورا في تبديد المخاوف، من نية موسكو إيجاد منصةٍ بديلة عن جنيف.

راوحت تقييمات مؤتمر سوتشي، من انتصار أو إخفاق للدبلوماسية الروسية، إلى علاقات عامة قبيل انتخاب بوتين للرئاسة من جديد، وحتى إنها وُصفت بالعرض المسرحي. بالطبع، ارتبطت التقييمات بفهم مهمات المؤتمر وبآراء السياسي المتحدث.

جاء المؤتمر باقتراح من بوتين في أكتوبر عام 2017، على خلفية النجاحات التي حققتها مفاوضات أستانا، التي أفضت إلى إيجاد مناطق خفض التصعيد بضمان روسيا وتركيا وإيران. في ذلك الحين، أوضح بوتين أن مؤتمر الشعب السوري هو “خطوة مهمة” للتوصل إلى تسوية سياسية، وربما لصياغة دستورٍ جديد.

لم يحضر كل الضيوف

دار الجدل بشأن مدى نجاح مؤتمر سوتشي، حول مدى تمثيل المشاركين للشعب. من حيث المظهر، راعى المؤتمر بدء الحوار بين مختلف مجموعات المجتمع السوري: الأحزاب السياسية، الزعماء الدينيين، قادة العرقيات وزعماء قبليين.

غير أن هذه الفكرة الروسية لم تلق الدعم الكامل؛ فاضطرت روسيا إلى تغيير اسم المشروع الذي اعترضت عليه دمشق وأنقرة. كما وقفت تركيا بحزمٍ ضد دعوة الأحزاب الكردية إلى سوتشي، وبالدرجة الأولى ضد (حزب الاتحاد الديمقراطي) الذي يسيطر على جزءٍ واسع من البلاد.

وللحصول على موافقة أنقرة ودعمها؛ اضطرت موسكو إلى التضحية بالأكراد، الذين اقتصر حضورهم على خمسة فقط من بين 1393 مندوبًا. في كانون الأول/ ديسمبر، رفضت عدة جماعات مسلحة معارضة المشاركة، أما اللجنة العليا للمفاوضات، فبقيت مترددةً حتى النهاية، ليصوت 10 أعضاء لصالح المشاركة، مقابل معارضة 24 عضوًا. شاركت منصة موسكو وبعضٌ من منصة القاهرة. وبحسب ممثل الرئيس بوتين الخاص، شارك 11 مندوبًا فقط من مجموعة الرياض. ولكن هذه المشاركات كانت شخصية، ولم ينطقوا باسم اللجنة العليا للمفاوضات. إضافة إلى ذلك، كان عشرات السياسيين السوريين يرغبون في الحضور، ولكنهم إما لم يتلقوا الدعوات، أو أن السلطات السورية لم تسمح لهم.

نتيجة رفض المجموعات المدعومة من تركيا الخروج من مطار سوتشي، بسبب الشعارات والملصقات؛ أصبح انعقاد المؤتمر في خطر. وتأخر انضمام المراقبين الأتراك في محاولة لتسوية المسألة. كما أخر دي ميستورا حضوره بانتظار حل المشكلة. لولا الأتراك ودي ميستورا؛ لتحول المؤتمر إلى مبادرة روسية خاصة، ولما كان لقراراته أي أثرٍ مستقبلي. في النهاية، غادر مندوبو المعارضة المطار عائدين إلى إسطنبول، في حين انضم الأتراك ودي ميستورا إلى المؤتمر. وكان هذا هو الأهم بالنسبة إلى موسكو، وأهم بكثير من حضور هذه القوى السياسية أو تلك.

كانت وجهة نظر منظمي المؤتمر الروس تقول: “بما أنهم لم يأتوا، فهم يتحملون الذنب، لأنهم هم من استبعد نفسه من عملية التسوية السياسية”. أصرت اللجنة العليا للمفاوضات على أن نتائج سوتشي لا تعبّر عن إرادة الشعب السوري، بينما قالت رئيسة منصة أستانا رندة قسيس: “جزء من المعارضة لم يحضر، وهذا لا يعني أن المؤتمر غير شرعي. وهم يُجرون مفاوضات نيابةً عن الشعب السوري، رغم أنهم لا يمثلون أغلبيته، ويغيب عن لقاءاتهم جزءٌ من الشعب السوري”. يمكن القول إن رأي قسيس متوقعٌ؛ فهي موالية للسلطة، ولكنها لم تكن الوحيدة التي عبّرت عن مثل وجهة النظر هذه.

التنافس مع جنيف

كانت فكرة المؤتمر تبدو جنونية وميئوسًا منها في البداية؛ إذ كيف يمكن إجلاس ممثلين مختلفين إلى طاولةٍ واحدة، والتوصل في غضون يومين إلى نتيجة ما، على خلفية حقيقة عدم إبداء الوفدين أي رغبةٍ في التزحزح عن مواقفهما المسبقة لعدة سنوات قضياها في جنيف! وكان على موسكو أن تأخذ بخيارٍ ما:

الخيار الأول: رقابةٌ صارمة وإعداد وثائق مسبقًا، ومن المفضل أن يوقع عليها أكبر عددٍ ممكن من القوى السياسية السورية. وهنا لا يتعلق الأمر بالمعارضة وحدها، بل أيضًا بالسلطات السورية التي بدأ تصلبها يثير حنق موسكو بدرجةٍ لا تقل عن عناد الطرف الآخر. جرت صياغة مسودة بيان سوتشي مسبقًا، إضافة إلى تنظيم “بروفا” عن الاجتماع، في دمشق مع قسمٍ من المندوبين الذين جهزتهم السلطات السورية. ومع ذلك، لا يمكن القول إن المؤتمر كان مسرحيةً معدة؛ إذ كانت النقاشات صعبةً، وكان بعض أعضاء رئاسة المؤتمر يغادر القاعة، كما كان خطر رفض مشاركة بعض المجموعات الحزبية يخيم على المؤتمر. ولم تخل الأجواء من اتهامات وُجهت إلى موسكو، بإراقة دماء المدنيين السوريين، وبإفشال مناطق خفض التصعيد. وهناك تصورٌ أنه إذا لم توضع رقابةٌ مشددة على النقاشات بين السوريين، بغض النظر عن المكان الذي تجري فيه، فإن عملية التفاوض قد تتحول إلى جدلٍ لا نهاية له.

كانت سوتشي أحد خيارات موسكو: كيف يمكن تحريك مفاوضات جنيف من دون أن تخرج العملية السياسية عن السيطرة. فموسكو ليست على هذه الدرجة من السذاجة بحيث تعتقد بإمكانية حل المشكلة السورية دون موافقة القوى الخارجية المعنية، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسعودية و(إسرائيل) وقطر، ناهيك عن تركيا وإيران. ولهذا بالتحديد، فإن إطار المفاوضات برعاية الأمم المتحدة يناسب موسكو تمامًا.

المسألة الثانية: أية أفكارٍ ستناقش هناك. فليس من قبيل الصدفة أن تحاول الولايات المتحدة وفرنسا، بدعمٍ من بريطانيا والسعودية والأردن، بحث سبلها هي بشأن التسوية السورية في المنصة الرئيسية، وأن تضفي عليها الشرعية الدولية، على الرغم من استنفاد إطار جنيف إمكاناته عمليًا.

لم تصل جولات مفاوضات جنيف الأخيرة إلى أي نتيجة. فمنذ سنواتٍ، دار الحديث عن “مبادئ دي ميستورا الـ 12”- المسماة رؤية مشتركة لمستقبل سورية. وجرى تطوير أساس هذا البرنامج عام 2015 من قبل فيتالي نعومين، مدير الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، لصالح المؤتمرات التي عقدت في موسكو. وفي عام 2016، اعتمدتها الأمم المتحدة. ومع مرور الوقت، تم تعديل المبادئ الـ 12 عدة مرات، بناءً على طلبات أطراف النزاع، بيد أن المفاوضات لم تتحرك من نقطة البداية. تضمن البيان الختامي لمؤتمر سوتشي تقريبًا كافة عناصر دي ميستورا. وفي هذه المرة، وقع عليها جزءٌ من مشاركي عملية جنيف، مع أن هذا ليس بضمانةٍ للنجاح في المستقبل.

تحريك السلال

في آذار من عام 2017، اقترح دي ميستورا حصر النقاش في أربعة محاور/ سلال: تشكيل الحكومة، الجدول الزمني لصياغة الدستور، إجراء الانتخابات، ومحاربة الإرهاب. ولهذا الغرض، أنشئت مجموعات عملٍ، غير أن النقاشات توقفت بالفعل عند السلة الأولى. وقد حاولت موسكو تجاوز موضوع نقل السلطة والتركيز على سلة الدستور، وهو ما تمخض عنه مؤتمر سوتشي الذي أفرز اتفاقًا على تشكيل قائمةٍ من 150 مرشحًا لصياغة الدستور، وسلمت لدي ميستورا لمتابعة العمل. سيكون ثلثا المرشحين من الحكومة والمعارضة الداخلية المعتدلة، بينما سيكون الثلث المتبقي من بقية المرشحين.

بحسب دي ميستورا، سيكون العدد النهائي للجنة ما بين 45-50 شخصًا لا أكثر. وبعد يومٍ واحد، أكد المندوب الخاص أنه يعتزم إجراء مشاوراتٍ واسعة، بما في ذلك، مع ممثلي المعارضة الذين لم يشاركوا في مؤتمر سوتشي، وأنه هو من سيحدد معايير اختيار أعضاء اللجنة. حضور دي ميستورا مؤتمر سوتشي، وكلمته الختامية التي قال فيها إن قرار مندوبي المؤتمر مساهمة في عملية جنيف السلمية، كان النتيجة التي سعت إليها موسكو. كما تبددت المخاوف من سعي موسكو لإقامة منصةٍ بديلةٍ عن مفاوضات جنيف، ومن تجاوز قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

بالنتيجة، لاقت نتائج سوتشي قبولًا لدى شركاء موسكو، وإن كان مع بعض التحفظات. فقد اطمأنوا إلى عودة المفاوضات إلى جنيف مرةً أخرى. ولكن مناقشة السلة الدستورية أصبحت الآن في المقدمة. بعد المؤتمر، صرح نصر الحريري أن اللجنة العليا للمفاوضات ستتعامل بإيجابيةٍ مع اللجنة الدستورية، بشرط أن تعمل بإشراف صارم من الأمم المتحدة، وفقًا للقرار 2254.

من وجهة نظر الدبلوماسية، فإن موسكو قامت بمهماتها في سوتشي، وأخذت بيدها زمام المبادرة، في حين لم يقدم الآخرون على ذلك. وهنا مغزى المؤتمر.

اسم المقالة الأصلية Зачем Москве был нужен сирийский конгресс в Сочи كاتب المقالة ماريانا بيلينكايا مكان وتاريخ النشر مركز كارنيغي في موسكو. 5 شباط 2018 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/75433 ترجمة سمير رمان

 


سمير رمان


المصدر
جيرون