العدوان وإسقاط الطائرة.. زوبعة في كرسي الأسد



لا يمكن أن يكون العدوان الإسرائيلي على مواقع النظام السوري مفاجئًا، بقدر مفاجئة ردة الفعل بإسقاط طائرة إسرائيلية معادية، تبعتها سلسلة اعتداءات تسببت بأضرار لا يتم الكشف عنها مباشرة، الكشف يتم دومًا عن حجم الضربات التي يدفع ثمنها السوريون، من جراء ضربات واعتداءات جيش الأسد وعصاباته، الذين يستخدمون اليوم خبرَ إسقاط طائرة معادية على أنه “نصر مؤزر”، مع العلم أن هناك شكوكًا عملياتية، تدلّ على أن جيش النظام لا يمتلك الشجاعة لمواجهة العدو، بقدر امتلاكه الانصياع الكامل لأوامر الأسد بقتل السوريين، لكنهم يعتبرون أن الغارة والرد عليها ينجي من ملاحقة أخلاقية وإنسانية وقانونية، عن جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم المحتل، والتي تبقى متفقًا عليها.

يفرح أي عربي، حين تواجه أنظمته عدوانَ المحتل الإسرائيلي بعيدًا عن الشعارات، كما هو مثبت ومدون في صفحات التاريخ. والبطولة التي سطرت بسالة وشجاعة مقاومة المحتل، على كافة الأصعدة، ليست بحاجة إلى أدلة. المختلف في عالم الجرائم اليوم والعدوان هو ممارسته من قبل نظام يدعي أنه يقوم بقتل وتهجير نصف شعبه من أجل معركته “المقدسة” مع المحتل، مع أن الرواية سقطت وانتصب عار النظام أبدًا، لم تغيره غارات ولا فبركات ادعاء البطولة والشجاعة، من دون تلك التي رسمها جنود الأسد على أجساد السوريين، ولن تغير معادلة إسقاط طائرة معادية لعبةَ التحول التي طالت استخدامات السيادة والجغرافيا السورية، من قبل قوى محتلة لسورية لا تقتصر على العدو الإسرائيلي “أميركية وإسرائيلية، روسية وإيرانية”، مصالحهم تتقاطع عند نقطة التقاء واحدة، هي كرسي النظام ومصيره ووجوده المفيد لقوى الاحتلال المتعددة الوجود فوق الجغرافيا السورية.

زوبعة الرد في الزمان والمكان، بإسقاط طائرة معادية، تعبّر عن تكتيك تحتاج إليه القوى المحتلة للأراضي السورية، إضافة إلى حاجة النظام الماسة إلى قشة تنقذه من الغرق في دم السوريين. المعادلة الجديدة التي فرضتها طهران تكتيكًا عسكريًا على حدود فلسطين، تدخل في معطيات تثبيت ما هو واقع عمليًا على الأرض، بما يناسب تثبيت الأسد وترسيم موقف سياسي، يكون لطهران حضور من باب المزايدة “الممانعة”، بعد تدهور سمعة محورها في سورية ولبنان، وكثرة أوزار الجرائم التي تقع على كاهل المحور. لكن مَن قال إن تلك الزوبعة قد تُحدث تغييرًا في موقع قوى الاحتلال الداعمة لوظيفة الأسد الروسية والإيرانية والإسرائيلية؟

زوابع كثيرة انطلقت من محور طهران، أهمها: أنه لن يسمح لـ “إسرائيل” بمواصلة الاعتداءات بعد الآن، لكنه يسمح لها بتقاسم الاحتلال، وموسكو تدعو لضبط النفس وتفادي التصعيد، لأن الأهم بالنسبة إليها أن يسيطر النظام “على كامل الأراضي السورية”، منعًا لتسلل الإرهابيين غير الإسرائيليين. وهنا نكرر الأسئلة التي تفصح عن انزعاج النظام الظاهري من صواريخ وقذائف العدوان الإسرائيلي، مع أن حجمها وفاعليتها يمكن أن تكون “محدودة” التوجيه، بخلاف تلك الصواريخ والقذائف التي يستخدمها الأسد وبوتين فوق أجساد السوريين، ولما تنزعج الممانعة ممن يشاركها العدوان على الشعب السوري، هل لأن “أحقية” ونصيب مقتل السوريين تقع على عاتق طاغية العصر وحلفائه، وبالتالي تأتي غارة العدو والرد عليها ضمن سياق حفظ ماء الوجه للمانعة، للحفاظ على وظيفة النظام.

لا تهديد للأسد ولا لنظامه القائم على البطش بالسوريين، مشتركًا مع قوى الاحتلال الروسي والإيراني والإسرائيلي، يقول الإسرائيليون اليوم، بعد العدوان على المواقع السورية: إن نظام الأسد لا يشكل هدفًا بالنسبة إلينا، يكررون منذ سبعة أعوام ما قاله ابن خال الأسد رامي مخلوف، من أن “أمن إسرائيل من أمن النظام”، وتكرر “إسرائيل” اليوم ما ثبت عن وظيفة الأسد أنها مكملة للوظائف الأخرى، وكل قوى الاحتلال غير الإسرائيلية غير مستعدة للتضحية من أجل شعارات الأسد وزمرته، بقدر الحفاظ على زوبعته النشطة المحفزة لترتيب كثير من قضايا المنطقة.

مرتكب جرائم العصر ومستخدم الخردل والسارين والفران البشري، وقاتلُ مئات الآلاف من السوريين وطارد الملايين، يريد أن يمسح كل جرائمه بإسقاط طائرة، للحفاظ على كرسي الأبد.. لعبة كشفها السوريون منذ زمن طويل.


نزار السهلي


المصدر
جيرون