رسالة تعزية



السيدة كريدي المحترمة

ببالغ الحزن والأسف، تلقينا نبأ سقوط الطائرة الروسية في محافظة إدلب وموت الطيار الروسي الذي كان يقوم بمهمته الإنسانية في سورية لحماية المواطنين السوريين.

لقد فجعنا مثلك بفقدان واحد من نسور الجو الروس الأبطال الذين كانوا يلاحقون فلول الإرهابيين في سورية. وإذا كنا لم نبادر إلى إرسال رسالة تعزية للحكومة الروسية كما فعلت أنت؛ فليس ذلك إلا لأننا أدركنا في اللحظة الأخيرة أننا نحن من ينبغي أن نتقبل العزاء، كيف لا، وهذا الطيار النبيل وأمثاله قد تركوا بلادهم وأولادهم وزوجاتهم، وقطعوا تلك المسافات الشاسعة، من أجل حماية الشعب السوري من الإرهاب، ويشهد الله أنهم أفلحوا في مهمتهم أيّما إفلاح.

وإننا؛ إذ نشاطرك الحزن والأسى، سيدة كريدي، لهذا المصاب الأليم؛ فإننا نعلن أن الطيران الروسي الصديق، والطيارين الروس الأشاوس قد طوّقوا أعناقنا نحن -السوريين- بجميل أفعالهم، وكبير تضحياتهم من خلال هجماتهم الشرسة على المدن والبلدات السورية، ودكها بشتى أنواع القنابل والصواريخ. صحيح أنهم أحدثوا دمارًا شاملًا في معظم المواقع التي قصفوها بطائرات ميغ وسوخوي، وأن الكثير من الضحايا السوريين قد قضوا جراء تلك الهجمات، وأن عددا كبيرًا من الشيوخ والنساء والأطفال كانوا ضحايا قصف الطائرات الروسية؛ لكنها الحرب المجنونة. وكل شيء مباح فيها. فلا بد من الضحايا. واللوم كل اللوم على أولئك الإرهابيين الذين كانوا يختبئون بين المواطنين العزل مثل النسوان، وكان لا بد من ملاحقتهم واستئصال شأفتهم، وليكن ما يكون. وكل شيء يمكن أن يعوض بعد انتهاء الحرب؛ فالمباني يعاد تشييدها، والشوارع يعاد تأهيلها، والكرامة الإنسانية يمكن تقديم الأعذار لها.

السيدة الميساء…

لا تعتقدي أنك الوحيدة التي نُكبت بموت الطيار الروسي، فهناك العديد ممن هانت عليهم نفوسهم، واستبيحت أعراضهم وانتهكت حرماتهم، لكنهم لم يستطيعوا أن يتحكموا بدموعهم جراء هذه الكارثة الأليمة. فنحن -السوريين- أبناء الدمعة السخية والقلب الرقيق والنفس الشفافة والأخلاق الإنسانية. وعلى الرغم من المصائب التي تنزل علينا يوميًا، كما حبال المطر، وعلى الرغم من عدد الضحايا الذي بلغ مئات الآلاف وملايين المشردين السوريين الذي افترشوا ساحات مدن العالم؛ فإن أخلاقنا تأبى علينا أن نرى طيارًا روسيًا يموت في بلادنا وأمام أعيننا، دون أن نذرف عليه دمعة واحدة، ودون أن ندبج له المراثي، ونكفنه بالدامسكو الدمشقي، ونغدق عليه من الورود والرياحين والياسمين الدمشقي. وإلا فماذا عسى أن يقول العالم عنا، حينما يرون الدموع قد جمدت في أحداقنا، ووقفنا حياديين أمام هذا المصاب الجلل. بل ماذا سيقول أصدقاؤنا الروس الذين كادت ميزانيتهم أن تنهار، بسبب ما قدموه من تضحيات في سبيل القضية السورية. وبخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حلف بالزيق والزنزيق، وزلومة الإبريق، وحافر الحمار العتيق، ألا يُبقي في سورية حجرًا على حجر، ما دام فيها إرهابي واحد يصول ويجول.

سيدة كريدي:

أغبطك على هذه المبادرة الكريمة التي قمت بها نيابة عن الشعب السوري المكلوم، والمثل العربي يقول: إن لم تستحي؛ فافعل ما شئت!!

*اللوحة للفنان السوري طلال أبو دان


فوزات رزق


المصدر
جيرون