في اليوم العالمي للراديو.. الإذاعات السورية ما بعد الثورة



تحتفل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، في الثالث عشر من شباط/ فبراير من كل عام، بـ (اليوم العالمي للراديو)، تقديرًا منها للدور الذي أدّته الإذاعات في حياة البشرية، منذ اختراع المذياع، على يد العالم الإيطالي غوليلمو ماركوني عام 1874.

في البلاد العربية، كان للإذاعة دور محوري خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان أشهرها (إذاعة صوت العرب) من القاهرة، و(إذاعة دمشق)، و(إذاعة بغداد). لكن الأنظمة العربية استغلت هذه المنابر الإعلامية للترويج لحكمها وتكرار الشعارات والخطابات الوهمية، وتبرير قمع الحريات؛ ما دفع كثيرًا من المواطنين العرب إلى اللجوء إلى الإذاعات العالمية؛ كي يستقوا منها أخبارهم، مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وإذاعة (مونتِ كارلو) الدولية الفرنسية.

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، بحث ناشطو الثورة وجمهورها عن مصادر لاستقاء أخبارهم المحلية بعيدًا عن الإعلام الرسمي؛ فكانت وسائل التواصل الاجتماعي خيرَ معين لهم، ومع خروج مناطق واسعة عن سيطرة نظام الأسد والانقطاعات المتكررة في الكهرباء والإنترنت؛ أطلق ناشطون، في أواخر عام 2012، عدة محطات بث إذاعي محلية، تعمل عبر موجات (إف إم)، شكلت تجربة فريدة في معظم المناطق السورية، وتمكنت خلال أسابيع فقط من تكوين جمهورها الخاص، كاسرةً بذلك، وللمرة الأولى في سورية، نظريةَ “غوبلز الهتلرية” التي كان يطبقها نظام الأسد على السوريين، عبر توجيه الخطاب الذي يريده على مر العقود السابقة.

في هذا الموضوع، أوضحت المذيعة السورية زويا بستان لـ (جيرون) أن “الإذاعات السورية الجديدة حققت نقلةً في مجال الحريات تختلف عما كان معروفًا، أيام النظام وسلطته على وسائل الإعلام، وتعاطت بشكل مختلف مع الجمهور، وخاصة مع تنامي الحس النقدي عند السوريين للإعلام، وشكّلت هذه الإذاعات أرشيفًا توثيقيًا للثورة السورية في سنواتها الأولى، وكانت فرصة حقيقية للتلاقي، بين الصحافيين السوريين والناشطين الإعلاميين، ما أغنى هذه التجربة وميّزها”.

مدير البرامج في (راديو ألوان)، الذي انطلق بعد تحرير عدة مناطق في إدلب، ملهم عبد الهادي أكد لـ (جيرون) أن “الإذاعة شكلت مع بداية الثورة منبرًا حرًا افتقده السوريون، طوال سنيّ القمع في عهد الأسدين الأب والابن. وللأمانة، كان التعامل مع الراديو في هذه الفترة، مثل الكثير من الأمور التي رافقت بداية الثورة، يتسم بالعفوية والاندفاع، ومع مرور الوقت، استطاع الراديو جغرافيًا أن يصل إلى السوريين في المناطق المحررة، كبديل عن إعلام النظام المضلل”.

أضاف عبد الهادي: “لقد تمكنت هذه الإذاعات من إحداث تغيير مهم برأيي، وهو المرونة في تمكين المستمع من التعبير عن رأيه بصراحة، وطرح قضايا كان يحظر الحديث عنها إعلاميًا قبل الثورة، وهو ما صنع الفارق، حيث لم يكن إعلام الثورة منحازًا بالمطلق لطرف ما، وكان دائمًا يعيد بوصلتها إلى القيم التي خرج من أجلها السوريون أول مرة، ودفعوا في سبيلها الدماء”.

لكن الأمور لم تكن بصورة مثالية كبيرة، فقد ظهرت بعد عام 2014 عدة مشكلات، عانت منها هذه الإذاعات، كان في مقدمتها افتقادها الخبرات الإذاعية، وارتهان عدد كبير منها لمصدر التمويل الذي كان في الغالب أجنبيًا، إضافة إلى وضع إدارات ليست ذات كفاءة، تسببت فيما بعد بمشكلات مالية ومهنية كبيرة في بعض المؤسسات، كما غاب عن هذه الإذاعات بناء الاستراتيجيات الواضحة لاستمرار كسب الجمهور، والحفاظ على المنجز الذي حققته في بداية مشوارها.

أكدت زويا بستان أن “صدامًا نشأ، فيما بعد، بين العقلية الاحترافية الإعلامية في هذه الإذاعات، وبين التجربة الجديدة المتحمسة والرافضة للقواعد، وأدى إلى تداعي العمل الإذاعي، وأدى هذا التصادم بالإذاعات إلى مرحلة تدهور سيئة، حتى وصلت بعضها إلى مرحلة الإغلاق التام أو الجزئي مؤخرًا”. وأضافت: “يتحمل مديرو هذه الإذاعات وممولوها المسؤولية عما جرى، وبخاصة بعد ملل الممولين من هذه المشاريع التي لم تعد تنتج شيئًا ناجحًا، إضافة إلى أن الوضع السياسي وظروفه في سورية ساهم في توقف الدعم عن بعض المؤسسات”.

من جانب آخر، تخوّف عبد الهادي “من أدلجة إعلاميي الثورة واستقطابهم وحشدهم في مواقع محددة، يصعب فيها التعبير عن آراء الثورة، بذريعة البراغماتية ومتطلبات المرحلة واستراتيجية الداعم”. وقال: “أعتقد اليوم أن من الممكن أن يستفيد الراديو من ثورة الـ (سوشال ميديا)، من خلال تسخيرها للوصول إلى عدد أكبر من الناس، سواء من خلال البث المباشر أو إجراء استفتاءات وأسئلة تفاعلية تحفز السوري على المتابعة، شريطة أن تبقى المواضيع المطروحة تلامس الناس وتقترب من واقعهم”.

فيما يتعلق بإمكانية الاستفادة من الأخطاء والبناء على الأرضية الناجحة التي صنعتها الإذاعات السورية الجديدة، ربطت زويا بستان ذلك “بوجود ممول سوري متحمس، يؤمن بضرورة خلق حالة إعلامية جديدة، لا تشبه مؤسسات النظام، وتستفيد من الأخطاء في المرحلة السابقة”، أضافت: “يفترض بنا -الإعلاميين السوريين- أن نكون قد كوّنا خبرة جيدة، خلال السنوات الماضية، ولا سيما بعد اختلاطنا بعدد كبير من الصحافيين العرب والأجانب الاحترافيين، يفترض بنا الآن السعي لإطلاق مؤسسات إذاعية جديدة، تكون مميزة وتحمل استراتيجيات واضحة”.

تشير إحصائية نشرها معهد قياس وصول الإعلام (ويدوو)، في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، إلى أن 67 إذاعة تبث في سورية، منها 42 ولدت بعد الثورة، منتشرة في مختلف المناطق السورية، بعضها يتبع لفصائل عسكرية، وبعضها الآخر مستقل أو اجتماعي. س.أ.


جيرون


المصدر
جيرون