كرة القدم متنفس لسوريين بُترت أطرافهم بسبب القصف والاشتباكات



السورية نت - مراد الشامي

مع إطلاق الحكم صفارته، يبادر شاب بترت إحدى ساقيه وهو يتكئ على عكازه إلى دفع الكرة، لتبدأ مباراة حماسية في ملعب بمدينة ادلب يتنافس فيها لاعبون حرمتهم الحرب من أحد أطرافهم.

وتتواصل المنافسة خلال المباراة بحركات ماهرة يؤديها اللاعبون، يقومون بتمرير الكرة وهم مستندون على عكازاتهم، قبل أن يسدد أحد لاعبي الهجوم بحماس.

ولدى محاولة حارس المرمى الذي بترت ذراعه صد الكرة، يقع أرضاً ويسجل خصمه هدفه الأول بينما يحاول جاهداً الوقوف وسط هتافات الجمهور.

ويجمع كافة اللاعبين سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين، المعاناة جراء عمليات القصف والاشتباكات التي حرمتهم ساقاً أو يداً، وتسببت بوفاة ما لا يقل عن 340 ألف شخص في سوريا.

وقال صلاح أبو علي (23 عاماً) بهدوء أثناء استراحته على طرف الملعب: "يحدث أحياناً أن تمر الكرة أمامي فأهم لأشوطها بقدمي اليسرى لكنني أتذكر أن رجلي مبتورة". ويقر بمواجهته وزملائه "الكثير من الصعوبات مثل الركض والسرعة".

قبل عشرة أشهر، كان صلاح يقف أمام منزله حين سقطت قذيفة أدت الى بتر ساقه في مدينة الرقة، التي كانت تعد أبرز معقل لتنظيم "الدولة الإسلامية" قبل أن تتمكن فصائل كردية وعربية من طرده منها في تشرين الأول/أكتوبر.

ومنذ مطلع كانون الأول/ديسمبر، باشر هذا الفريق الذي يضم حتى الآن 19 لاعباً تدريباته بمبادرة من مركز المعالجة الفيزيائية في مستشفى إدلب التخصصي. وتتراوح أعمار لاعبيه بين 13 و40 عاماً يتدربون لساعتين ثلاث مرات أسبوعياً.

"حياة ثانية"

ويتذكر صلاح، النحيل البنية، يومياته قبل الانضمام للفريق. ويروي "كنت أمكث في المنزل، لم أكن أرغب بالخروج وأتذكر أياماً خلت"، لكنه يقول اليوم "بدأت حياة ثانية".

ويضع اللاعبون أمامهم هدفين، التقدم في علاجهم الفيزيائي من جهة ورفع معنوياتهم من جهة ثانية.

وتغير أسلوب حياة صلاح تغييراً كلياً وبات يخرج من منزله. ويوضح "لا تشعر بأن حياتك توقفت لأنك فقدت عضواً من جسدك".

ومنذ تأسيسه قبل أكثر من عام، عالج مركز المعالجة الفيزيائية 900 شخص، من نساء ورجال من مختلف الأعمار، يعانون بشكل خاص من بتر أحد الأطراف أو من كسور.

ويوضح أحد المعالجين الفيزيائيين في المركز محمد مرعي أن "الشباب استجابوا بسرعة" لفكرة التدريب وتكوين فريق كرة قدم، لافتاً الى ملاحظته خلال أسابيع قليلة تطوراً كبيراً على الصعيد الجسدي و"النفسي والمعنوي" لدى اللاعبين.

ولن تتوقف نشاطات المركز عند هذا الحد، وستتضمن المرحلة المقبلة التدريب على رفع الأثقال والسباحة.

واستضاف المركز مؤخراً مباراة كرة قدم ودية في إطار مسابقة رياضية بمبادرة من جمعية شفق الخيرية المحلية. فانقسم اللاعبون إلى فريقين، ارتدى الأول قمصاناً برتقالية والثاني خضراء اللون.

وقبل بداية الشوط الأول، شكل لاعبو كل فريق حلقة مستديرة، وهتفوا "أوليه، أوليه، أوليه"، وهم يحركون أذرعهم بحركة حماسية وقفزوا على قدم واحدة.

"جلسنا لسنوات"

يقف عبد القادر اليوسف (24 عاماً) إلى جانب الملعب، يراقص الكرة على عكازه، معتزاً بهذا الانجاز الذي يقوم به.

وانضم مصفف الشعر السابق المتحدر من حمص إلى صفوف حركة "أحرار الشام الإسلامية"، وفقد ساقه خلال احدى المعارك ضد قوات النظام في العام 2015.

وإثر انتهاء المباراة، غادر جميع اللاعبين بعدما حازوا على ميداليات وملابس رياضية وأحذية جديدة.

ولدى وصول عبد القادر إلى منزله، يهرع ابنه ليعانقه طويلاً. يضع الوالد الفخور الميدالية حول عنقه، ويخاطب ابنه مبتسماً: "انظر ماذا ربح والدك اليوم، هل تريد أن تلعب بالكرة؟".

ويروي عبد القادر الذي جلس متربعاً على فراش وسط غرفة جدرانها بيضاء عارية، أن خسارته لرجله اليسرى "كانت صدمة كبيرة" خصوصاً أنه كان قبل اندلاع النزاع لاعباً ضمن فريق الناشئين في نادي الكرامة ومقره مدينة حمص.

ويروي عبد القادر ذو اللحية الخفيفة بتهكم "واجهنا بعض الصعوبات في البداية، إذ مرّ وقت طويل علينا من دون أن نركض (...) وبقينا جالسين لسنوات".

وسرعان ما تغير الأمر بعد بدء عبد القادر للتمارين الرياضية مع زملائه. باتوا يشعرون بتحسن أجسادهم وقادرين على التحرك أكثر.

ويقول: "بعد التدريب شعرت أن جسمي أقوى وأصبحت قادراً على القيام بأمور كثيرة داخل البيت وخارجه (...) لم أكن أقوى على فعلها من قبل كحمل أسطوانة الغاز".

ويضيف الشاب الذي يعمل حالياً سائقاً لدى احدى الجمعيات الخيرية، "الحياة لم تتوقف عند الاصابة (...) يجب أن نمتلك الثقة بالنفس".

ورغم تكيفهم مع واقعهم الجديد، لكن معاناة لاعبي الفريق لم تتوقف، إذ قُتل أحد رفاقهم السبت جراء تفجير عبوة ناسفة أثناء عمله بائعاً على عربة متوقفة في وسط ساحة عامة في مدينة ادلب.

اقرأ أيضا: 550 مليون دولار تخصصها أمريكا لدعم قوات "سوريا الديمقراطية"




المصدر