معاوية عبد المجيد: رباعية إيلينا فيرانتي أفضل ما قدمته إيطاليا في الأدب في العقد الأخير



يُعد المترجم السوري الشاب معاوية عبد المجيد، أحد أبرز المترجمين العرب الشباب الذين انشغلوا بنقل الأدب الإيطالي إلى العربية في العشرية الأخيرة، وقد صدر له حتى الآن أكثر من 16 كتابًا مترجمًا من روائع الأدب الإيطالي، تدخلنا جميعها عالمًا كاملًا من الدهشة والألق الإبداعي.

في حوار معه، خص به (جيرون)، نتطرق للعديد من القضايا المتصلة بتجربته الشخصية في مجال الترجمة، إلى جانب القضايا المتصلة براهن حركة الترجمة الأدبية وسوق النشر في الوطن العربي.

– آخر ما وصلنا من ترجماتك رواية (الهاربون والباقون)، وهي الجزء الثالث من (رباعية نابولي) للروائية الإيطالية إيلينا فيرانتي. ما الذي حفزك لترجمة هذا العمل؟

= يمكننا اعتبار هذه الرباعية أفضل ما قدمته إيطاليا في الأدب، خلال العقد الأخير على الأقل. الأدب الإيطالي، في العادة، يمر في فترات خمود قد تطول؛ فيؤثر ذلك فيه سلبًا على مستوى الانتشار العالمي. لذا فإن رباعية فيرانتي، من وجهة النظر هذه، تُعَد أفضل عملٍ روائي إيطالي، يحظى بتقدير واسع، بعد (اسم الوردة) لأمبرتو إيكو، التي صدرت في ثمانينيات القرن الماضي.

من جهة أخرى، ترصد الرواية تاريخ إيطاليا المعاصر، وانقسام المجتمع على نفسه، بين عقلية مافيوية وفاشيين جدد وشيوعيين، ناهيك ببلدٍ كامل يصطدم بالأخلاقيات الغربية الحديثة، على خلفية التجربة النسوية. فهذه الرواية إذن نافذة على إيطاليا كلها، ولنا فيها عبرة.

– ما آخر ترجماتك؟

= صدرت رواية (ابنة البابا) لداريو فو، عن دار التنوير المصرية. الرواية تاريخية، وتدور في فلك شخصية محورية: لوكريسيا بورجا. ولكن سيكون من الخطأ التركيز على هذه النقطة، وإغفال النقطة الأهم: بطل الرواية الحقيقي هو “المسرح”، وذلك لأن داريو فو كاتبٌ مسرحي قبل كل شيء، وأراد في هذا العمل أن يبحث عن أصوله في تاريخ المسرح الإيطالي. أدعوكم لقراءة الرواية من هذا الباب.

– مؤخرًا، سبّب تغييب اسمك كمترجم لـ (رباعية نابولي)، في مقالة كتبها الناقد عبده وازن، موجةَ احتقان عارمة في أوساط المترجمين. كيف تعلق على هذا الحدث؟

= لا يهمنا نحن -المترجمين- الاحتفاء بالاسم كثيرًا، بقدر ما يهمنا تسليط الضوء على الرواية؛ إذ بات القراء قادرين على التعليق والإشادة أو الذم، كل حسب رأيه. فموجة الاحتقان إذن موجهة إلى الصحافة، والصحفيين الذين يصوغون الخبر بطريقة سيئة وفاقدة النزاهة، وتُفقِد المترجمَ أبسط حقوقه. وهذا ما يدفع المترجمين إلى الصحوة، والكف عن النحيب المازوخي، والانتقال إلى الهجوم في وجه كل مَن تسول له نفسه الحديث في أمرٍ يجهله كليًا.

سوق النشر العربي معقد جدًا..

– ما زلت تعمل على إنجاز ترجمة (مقبرة الكتب المنسية)، وهي سلسلة روائية، للكاتب الإسباني كارلوس رويث ثافون. ترى هل كان هذا اختيارك أم هو اختيار الناشر؟ وبالتالي ما الذي يُحدد اختياراتك للأعمال التي تترجمها؟

= كان هذا اختيار الناشر. بل إن الناشر هو الذي اختارني مترجمًا لها -أيضًا- وأنا وافقتُ، وكانت من أهم الروايات التي وافقت عليها. أنا أركز على أن يكون العمل جيدًا، ويضيف شيئًا ما إلى المكتبة العربية. رفضتُ أعمالًا كثيرة، أكثر من الأعمال التي ترجمتُها، ورشحتُ أعمالًا كثيرة أيضًا، أكثرها لم يُبصر النور. سوق النشر العربي معقد جدًا، ويخضع لعوامل يجب على المترجم أن يأخذها بعين الاعتبار، دون إلقاء اللائمة على الناشر دائمًا.

– لماذا أعدت ترجمة رواية (الفهد) لـ دي لامبيدوزا، التي قام بترجمتها عيسى الناعوري في سبعينيات القرن الماضي؟ وما الذي أضفته على ترجمة الناعوري؟

= اقترحتُ ترجمة الرواية على الناشر خالد الناصري، في منشورات المتوسط، فتحمس للفكرة. لكني تذكرتُ أن الرواية ترجمها أحد أهم أعمدة المترجمين والأدباء في الوطن العربي، وهو عيسى الناعوري (توفي سنة 1985)، فاطلعتُ على الترجمة، وذُهِلتُ من قوة النص العربي، وندمتُ لأني لم أقرأ هذه الترجمة قبل أن أبدأ مشواري في الترجمة الأدبية. فغيرتُ رأيي، واتصلتُ بخالد، وقلت له إن من المعيب عليّ أن أعيد ترجمة مذهلة كتلك. فاتفقنا أن تحصل المتوسط على حقوق ترجمة الناعوري، وأن أتولى بنفسي تدقيقها ومراجعتها مع آخر طبعة إيطالية صدرت للرواية. إذ إن الإيطاليين أعادوا العمل عليها، بعدما اكتشفوا بعض التعديلات التي كان ينوي دي لامبيدوزا إدخالها على متن الرواية، إضافةً إلى بعض الملحقات. وما إن استوفينا كل هذه الشروط، حتى صدرت الترجمة القديمة الجديدة بأبهى حلة؛ فسررنا لأننا أعدنا إحياء الكاتب والمترجم بضربةٍ واحدة.

– من المظاهر التقنية أو الفنية في عملية الترجمة، اعتماد بعض دور النشر العربية على محرر يقوم بمراجعة النص بعد ترجمته، فهل ثمة من يحرر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

= لا يوجد محرر خاص بي، ولكن لدى بعض دور النشر من يدقق النص العربي. وهذا شيء جيد، فأربع عيون ترى أفضل من اثنتين. وكنت أعطي الترجمات لبعض الأصدقاء كي ينظروا فيها ويقترحوا بعض التعديلات. ثم إني أطلب من دور النشر دومًا أن تعطيني الحق في إلقاء نظرة أخيرة على الرواية قبل طباعتها، وذلك كي أتأكد من أن أحدًا لم يجتهد اجتهادًا سلبيًا يؤثر على أمانة النص الأصلي، أو أسلوب المترجِم.

– هل فكرت في ترجمة روايات عربية إلى الإيطالية؟

= أجل، فكرت في ذلك. لكني استصعبتُ الموضوع. ليس من السهل أن تترجم إلى غير لغتك الأم. كما أني أعرف كثيرًا من المترجمين الإيطاليين، وكلهم يهوون اللغة العربية وآدابها، ويعملون بإخلاص، وهذا يكفي.

ترجمة الشعر ليست صنعتي..

– هل من كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

= أبدًا. فكل الكتب التي أترجمها أقرؤها مسبقًا، وأفهمها جيدًا، وأرصد سيرة كاتبها إلى أبعد حد ممكن. فإذا وجدتُ في الكتاب ما يسوءني رفضتُ ترجمته.

– لك إسهامات في الترجمة على صعيد الروايات، هل سبق أن ترجمت الشعر؟

= ترجمتُ قصائد متفرقة، ليوجينو مونتالي وأنغاريتي وغيرهم، ونَشرِتْ في مواقع إلكترونية. لكني فهمتُ في وقتٍ مبكر أن ترجمة الشعر ليست صنعتي، لأن الشعر صعب، وترجمته أصعب، وتحتاج إلى شاعر حقيقي يترجمه ويتبناه. الشعر المترجَم يتيم فعلًا.

– بتهكم واضح، تقول إن “مراحل تطور العقل النقدي العربي في علوم الترجمة: المترجم الخائن، المترجم الخوان، المترجم بصفته خائنًا، الخيانة بصفتها ترجمة، المترجم الخفي، تولت دار النشر ترجمة الرواية إلى العربية بعدما حصلت على حقوقها”. كيف تفسر لنا رؤيتك هذه؟

= قدّمت الأكاديميات العربية كتبًا قيمة في علوم الترجمة ونظرياتها وأصول النقد فيها. لكن الصحفيين لا يقرؤون تلك الكتب، ويتسرعون في إطلاق الأحكام دون معرفة كاملة فيها. مثالٌ على ذلك: تعرض المترجم شكير نصر الدين قبل أيام لهجمة متسرعة من جانب عباس بيضون، الذي لم يرق له اختيار المترجم لـ (استسلام) عنوانًا لرواية ميشيل ويلبيك. فهل تعلمون كم مرةً قرأ المترجمُ الكتابَ قبل تسليمه؟ وهل لغيره الحق في اتخاذ العنوان الأصح؟ المترجمون يخطئون، لا شك في ذلك؛ لكن النقاد، بسبب جهلهم في الأمر، يستنفدون طاقاتهم في تهجمٍ عبثي. لذا سيبقى العقل النقدي العربي في علوم الترجمة راكدًا، طالما اجتر المفاهيم القديمة والشعبية وغير العلمية.

– برأيك هل يفقد العمل الأدبي الكثير من إبداعه بالترجمة؟

طبعًا، يفقد الكثير من جمالياته. ولكن، في علم الترجمة، ثمة طريقة للتخفيف من هذا الفقدان، وتُعرَف بمصطلح: “التعويض”. المترجم يعوض الخسائر التي وقعت منه في الطريق، قدر المستطاع. وعملية التعويض هذه ليست اعتباطية، بل تجري في ميزانٍ لغوي وفكري؛ وهذا الميزان بالنتيجة هو الذي يساعدنا في الحُكم على خيارات المترجم، وتقييم جهوده.

– من واقع تجربتك؛ ما أبرز المعوقات التي تواجهك كمُترجِم؟

= المعوقات كثيرة، وتزداد يومًا بعد يوم. لكن أصعب المعوقات هي تلك الداخلية، التي لا يستطيع المترجم السيطرة عليها رغم أنها لا تتعلق بعوامل خارجية. المزاج. لأن الترجمة تقع بين الكتابة والقراءة. فكيف نضبط هذا المزاج اللعين على موجتين متنافرتين؟

معاوية عبد المجيد في سطور:

مترجم سوري من مواليد دمشق عام 1985. درس الأدب الإيطالي في جامعة سيينا الإيطالية. علم اللغة الإيطالية في كلية الآداب في جامعة دمشق. حصل على درجة الماجستير في الثقافة الأدبية الأوروبية عن قسم الترجمة الأدبية من جامعة بولونيا الإيطالية وجامعة الألزاس العليا في مولوز الفرنسية. نشر عدة مقالات عن الشعر الإيطالي في عدد من المجلات. من ترجماته: (ظل الريح) و(لعبة الملاك) لكارلوس زافون، و(لا تقولي إنك خائفة) لجوزبه كاتوتسيلا، (اليوم ما قبل السعادة) لإري دي لوكا، (آخذك وأحملك بعيدًا) لنيكولو أمانيتي، (بيريرا يدعي)، و(تريستانو يحتضر) لأنطونيو تابوكي، (ابنة البابا) لدَاريوُ فو، (ضمير السيد زينو) لايتالو سفيفو، (كلهم على حق) لباولو سورنتينو، (1900 – مونولوج عازف البيانو في المحيط) لألِساندرو باريكو، و(الفهد) لدي لامبيدوزا، إضافة إلى ترجمته لـ (رباعية نابولي) للروائية إيلينا فيرانتي وهي: (صديقتي المذهلة)، (حكاية الاسم الجديد) “الجزء الثاني”، و(الهاربون والباقون) “الجزء الثالث”، وهو يعمل حاليًا على ترجمة (حكاية الطفلة الضائعة)، وهي الجزء الرابع والأخير من الرباعية.


أوس يعقوب


المصدر
جيرون