‘صحيفة اللوموند: بوتين سجين الأسد في سورية’
14 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
[ad_1]
روسيا عاجزة عن أن تحوّل نجاحاتها التي لا تقبل الجدل في سورية إلى تقدم سياسي، بسبب رفض الأسد أدنى صيغة انتقال سياسي
يتعلم الكرملين الآن أن من الأسهل كسب الحرب، لا السلام، في الشرق الأوسط. كان تدخل روسيا المباشر منذ أيلول/ سبتمبر 2015، في الواقع، نجاحًا عسكريًا لا مراء فيه؛ بما أن موسكو توصّلت، لقاء التزام محدود بحوالي خمسة آلاف عسكري ومقتل نحو عشرة منهم، لا إلى إنقاذ نظام الأسد فحسب، بل كذلك إلى فرض نفسها في قلب المعادلة الإقليمية. غير أن من الواضح مع ذلك أيضًا أن فلاديمير بوتين يبقى عاجزًا عن تحويل مكاسبه العسكرية إلى اختراق سياسي، ما دام هذا العجز مرتبطًا أساسًا بطبيعة نظام الأسد ذاتها.
حكايات تشابك
تملك اللغة العربية كلمة صعبة على الترجمة، لوصف علاقة التبعية الغريبة التي نشأت بين النظام السوري “الضعيف” وروسيا “القوية”. هذه الكلمة هي “توريط”، وتحيل إلى الشكل النشيط من التشابك، حيث يجذب “الضعيف” “القويَّ” لصالحه، في تدخل يبدو مفيدًا للطرفين، لكن “الضعيف” في الواقع يستخلص مع الزمن أكبر قدر من الربح. كان حافظ الأسد قد صار سيّد فنّ “تشبيك” الاتحاد السوفيتي باسم الحرب الباردة: كان قد وضع في المقدمة على هذا النحو تهديد الغزو الإسرائيلي للبنان، عام 1982، كي يحصل على دعم كثيف من موسكو، مع مضاعفة قوى الجيوش السورية، بتنشيطها من خلال آخر مستجدات المعدات الحربية، وبدعمها بآلاف المستشارين السوفييت. توصل بشار الأسد إلى إقناع الرئيس الروسي عام 2011 بأن بقاءه في السلطة كان جوهريًا من أجل استراتيجية الكرملين. فالجسر الجوي الحقيقي من المساعدات العسكرية الذي نتج عن ذلك بين موسكو ودمشق، سمح للديكتاتور السوري بالتشديد على تصعيد الحرب ضد شعبه، وجاء (الفيتو) الروسي في مجلس الأمن لتأمين حصانة القتلة. وكان فشل القوات المناصرة للأسد مع ذلك، في وضع أرغم إيران وميليشياتها معه على أن تحل محلها بفاعلية أكثر فأكثر. لكن ذلك لم يمنع التشتت الحكومي الجماعي خلال صيف 2015، والذي كان السبب المباشر لدخول روسيا الحرب في سورية. إلا أن بوتين وقع ضحية الفخ الذي نصبه لنفسه، حين وقف على أرضية الدفاع العنيد عن “سيادة” نظام الأسد، وبالتالي، حرَم نفسه كل ضغط فعّال على دمشق.
إغراء الهروب إلى الأمام
الأمل الوحيد في حل سياسي للأزمة السورية يمرّ بعملية انتقال تمَّ وضع حدودها، منذ كانون الأول 2015، في قرار مجلس الأمن 2254 الذي تم التصويت عليه بالإجماع. كان يفترض بوقف إطلاق النار أن يفتح عملية الانتقال هذه، بهدف تشكيل “حكومة ذات صدقية، شاملة، وغير طائفية”، خلال الأشهر الستة الأولى، يتبعها إعداد دستور جديد على قاعدة انتخابات “حرة ونظامية”، يجري تنظيمها تحت إشراف الأمم المتحدة. لم يعرف سيناريو الخروج من الأزمة هذا بداية التطبيق؛ فقد فضلت موسكو، في الحقيقة، اتفاقات “خفض التصعيد”، المنسقة مع أنقرة وطهران، بهدف “وطني” بين الأطراف السورية، تحت إشرافها وحدها.
شجع بوتين على هذا النحو تطرفَ وفد الأسد إلى المباحثات التي ترعاها الأمم المتحدة؛ فقد أنكر كل شرعية للمعارضين المتهمين جماعيًا بـ “الإرهاب”، في حين كان النظام يكثر من التصريحات حول “الانتصار الكلي” و”تحرير” مجموع الأراضي. على أن القوى الغربية التي راهنت على تناقض محتمل، بين روسيا وإيران حول الملف السوري، خاب أملها، لأن الدعمَين العسكري والسياسي، للحليفين الرئيسين لنظام الأسد، بقيا غير مشروطين. هذا الهروب إلى الأمام فرَّغ كل “حوار وطني” محتمل ومستوحى من روسيا، من جوهره، وقوطع المؤتمر الذي دعيَ إليه مؤخرًا لهذا الغرض في سوتشي، على البحر الأسود، من قبل كل تيارات المعارضة، وكذلك من قبل الفرع السوري لحزب (ب ك ك) “حزب العمال الكردستاني”.
رهان عبثي
لم يكن أحد يتوقع أن مثل هذا الفشل سوف يدفع بوتين إلى ليّ ذراع الأسد. لكن ذلك يعني عدم فهم حركية هذا “الاشتباك” الشرق أوسطي. كان ما بعد سوتشي موسومًا بتكثيف الهجوم الذي يقوم به نظام الأسد مع الدعم النشيط لروسيا، ضد المقاطعتين المتمردتين في ضواحي دمشق ومحافظة إدلب، رغم كل الوعود “بخفض التصعيد”. إضافة إلى ذلك، كانت روسيا قد أعطت موافقتها الكاملة لمتابعة العملية التركية ضد عفرين، من أجل معاقبة (ب ك ك) دون شك، لأنه قوّض عملية سوتشي. على أن تركيا بالمقابل في طريقها إلى التخلي عن متمردي إدلب، مثلما سبق أن تخلت عن متمردي حلب في خريف 2016. أما بالنسبة إلى واشنطن والعواصم الأوروبية، فإن الأولوية المطلقة المكرسة للقتال ضد (داعش) تتركها مشلولة في مواجهة هذا الانفجار الجديد للعنف.
لا بد لخاتمة بسيطة مع ذلك أن تفرض نفسها: يرفض نظام الأسد وسيرفض، ويخرب وسيخرب، كل شكل من أشكال الانتقال الذي يمكن أن يشكك بسلطته المطلقة. ولا غنى عن علاقات القوى التي باتت، بناء على ذلك، لا غنى عنها لإرغامه على وقف إطلاق النار، ومن باب أولى، على المشاركة في مفاوضات جوهرية. غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قد تنازلوا عن كل سياسة محض سورية، لصالح المعركة ضد (داعش) وحدها. ولما كانوا قد أقصوا أنفسهم بأنفسهم من اللعبة السورية، فسوف يسعهم الانتظار إلى الأبد أن يحرك الكرملين، سيد هذه اللعبة الوحيد، الوضع بفعل حاسم ضد نظام الأسد.
على العكس تمامًا. كان ربط موسكو صدقيتها بإعادة تأهيل الأسد أشدّ من أن يتيح لها ممارسة أي ضغط عليه. لكن روسيا أتت هي نفسها على دفن اقتراح الأمم المتحدة لهدنة إنسانية لمدة شهر واحد. بين بوتين والأسد، لا شك أن هذا الأخير هو من ستكون له الكلمة الأخيرة على الأول.
يا لسورية المسكينة!
العنوان الأصلي
Poutine prisonnier d’Assad en Syrie
الكاتب
جان بيير فيليو – Jean-Pierre Filiu
المصدر
صحيفة اللوموندLe Monde
الرابط
http://filiu.blog.lemonde.fr/
المترجم
بدر الدين عرودكي
بدر الدين عرودكي
[ad_1]
[ad_2]
[sociallocker]
جيرون