إسقاط الطائرات بسوريا.. هل تغيّرت قواعد الاشتباك بين الأطراف المتنافسة على النفوذ؟



السورية نت - مراد الشامي

أشعل إسقاط طائرة F16 لجيش الاحتلال الإسرائيلي قرب الحدود السورية يوم 10 فبراير/ شباط الجاري توتراً متزايداً، لا سيما وأن الحادث جاء بعد فترة وجيزة من إعلان سلاح الجو الإسرائيلي إسقاط طائرة استطلاع عسكرية إيرانية بدون طيار دخلت إسرائيل، فيما حمل الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، إيران مسؤولية إسقاط الطائرة، قائلاً: "إيران تجر المنطقة نحو مغامرة لا تعلم كيف تنتهي".

وكانت وكالة الأنباء التابعة لنظام بشار الأسد (سانا)، وليس وزارة الدفاع أو هيئة الأركان العامة لجيش النظام، هي من أعلنت أن الدفاعات الجوية التابعة لقوات النظام تصدت للطائرات الحربية الإسرائيلية التي قصفت قاعدة عسكرية في المنطقة الوسطى، وأصابت أكثر من طائرة، ما يثير تساؤل: لماذا تغييب الجيش والأركان ووزارة الدفاع عن المشهد؟.

وبحسب ما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقد أصدر الجيش الإسرائيلي أوامره للمستوطنين في جميع المناطق القريبة من الجولان، بالبقاء قرب الملاجئ والمباني المحصنة. كما أن إسرائيل أغلقت مجالها الجوي مع تجدد دوي صفارات الإنذار في الجولان، في وقت فتحت فيه البلدات الإسرائيلية في الشمال الملاجئ العامة تحسبا لتدهور الأوضاع.

ورداً على إسقاط طائرتها قامت إسرائيل بقصف 12 هدفاً عسكرياً داخل سوريا، ومن بينها 4 أهداف تابعة لمواقع إيرانية.

وتساءلت وكالة الأناضول في مقال نشرته، اليوم الخميس، "إذا علمنا أن هذه القاعدة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، يستخدمها الإيرانيون والروس معا، فهل قام الإسرائيليون بالتنسيق مع الروس مسبقاً؟، أم اعتمدوا على الثقة الشديدة بالنفس، والدقة الحادة في التصويب، حتى لا تتعرض الطائرات أو بطاريات الصواريخ الروسية للإصابة؟".

تعطيل إيراني

كما تساءلت الوكالة عما إذا كانت أمريكا بدأت باستخدام اسرائيل وسيلة للتصعيد ضد إيران في سوريا؟

يرى الإيرانيون أن جميع السيناريوهات المطروحة لتقاسم "الكعكة/ النفوذ" في سورية لا توفيهم حقهم. ويصرحون بأنهم وليس أحداً غيرهم، من منع نظام بشار الأسد من السقوط، بعد أن كان على وشك الانهيار يترنح تحت ضربات المعارضة، وهم الذين خاضوا المعارك، جنباً إلى جنب أو قبل قوات النظام ضد المعارضة في جميع أنحاء سوريا.

السيناريوهات المطروحة، وخريطة النفوذ الآخذة طريقها نحو التبلور والتشكيل، لا تمنح إيران والنظام سوى دمشق والقلمون وريفها، والسيطرة على مراكز المدن الرئيسية.

وهذا لا يرضي طموحات الإيرانيين، ولذلك يعمدون إلى سياسة التعطيل والإعاقة والعرقلة لجميع الاتفاقيات والتفاهمات العسكرية منها والسياسية. "وهذا يفسر المحاولات المستميتة من طرف الإيرانيين للإبقاء على جذوة الصراع العسكري ملتهبة على جميع الجبهات، والضغط على الروس من أجل سد منافذ الحل السياسي، والاقتصار فقط على سيناريو الحسم العسكري، وفقاً للمقال.

ويضيف أن هذا السيناريو الوحيد الذي يكسبهم الأولوية على غيرهم من القوى، بسبب تواجد ميليشياتهم على الأرض. لكن المحاولات الإيرانية المستميتة في الحسم العسكري وتثبيت مناطق النفوذ في سوريا بناء عليه، قوبلت بجدار صد أمريكي من جهة، وبرود وعدم تجاوب وقلة دعم من طرف الروس.

إجراءات ضد إيران

ويشير المقال إلى أن استراتيجية إدارة ترامب في تحجيم الدور الإيراني عموماً وفي سوريا على وجه الخصوص، قد أخذت طريقها إلى حيز التنفيذ. حيث تتجه الجهود الأمريكية إلى محاصرة الوجود الإيراني في منطقة دمشق وما حولها، ومنع إيران وأذرعها من ميليشيا "حزب الله" وبقية الميليشيات المسلحة التي جلبتها إيران للحرب في سوريا من التمدد جنوباً نحو الحدود مع إسرائيل.

ويتم ذلك بالتوازي مع إجلاء الروس للإيرانيين وإخراجهم من منطقة الساحل، باعتبارها منطقة نفوذ روسية. وحرص الروس أيضا على إبعاد الإيرانيين عن حلب، من خلال سيطرتهم على مركز المدينة، وعدم ممانعة التدخل العسكري التركي، في ريفها الشمالي والغربي، من خلال عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، رغم المعارضة الإيرانية الشديدة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن سيطرة الجيش التركي على ريفي حلب الشمالي والغربي، ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه في أستانا، وتموضع قوات الجيش التركي في مواقع حساسة، مثل تلة العيس الاستراتيجية، وفي سراقب بريف إدلب، سوف يمنح هذه القوات فرصة السيطرة والتحكم بطريق حلب دمشق الدولي، شريان الحياة بالنسبة للشمال السوري.

على الصعيد السياسي، يتحدث المقال أن الاستخدام الروسي المزمن للفيتو ضد جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالشأن السوري، تسبب بحالة من الاستعصاء السياسي العقيم.

تعنت الروس

ومما يزيد الطين بلة، إصرار الروس على التفرد بالحل السياسي في سوريا على طريقتهم. مقابل ذلك يتبع الأمريكان سياسة الحياد السلبي. الذي يعتمد تعطيل جميع مساعي ومبادرات الروس بالطرق الدبلوماسية الناعمة، من خلال حرمانها من الشرعية الأممية الدولية، دون التدخل المباشر، أو الدخول مع الروس في اشتباك دبلوماسي. كما يمسك الأمريكان والأوربيون بورقة إعادة الإعمار في سوريا، حيث لا قدرة مادية للروس على عملية إعادة إعمار سوريا.

واعتبر المقال أن اعتماد الأمريكان على أسلوب المصارعة خارج الحلبة، سببه امتناعهم عن إعطاء الروس أية مكاسب أو تنازلات استراتيجية خارج سوريا. إذ يصر الروس على مقايضة حل الملف السوري، بالحصول على تنازلات من الأمريكان والناتو في الأزمة الأوكرانية، وأزمة الصواريخ الباليستية في أوربا، فضلا عن كسر العقوبات التي تفرضها أمريكا ضد روسيا وغيرها من المسائل الاستراتيجية العالقة بين الطرفين.

وكانت حدة التوتر وتسخين الأجواء بين القوى المتنافسة في سوريا ازدادت مع بدء هجوم "الدرونز" الشهير على قاعدة حميميم الروسية. ثم أعقبه إسقاط الطائرة الحربية الروسية، في ظروف لا يزال الغموض يعتريها من جميع جوانبها. ثم إسقاط الطائرة F16 الإسرائيلية في ظروف مريبة أيضا.

وطرح المقال تساؤلاً عما إذا كانت الأيام المقبلة ستشهد صراعا طرفاه، أمريكا وإسرائيل من جهة، وروسيا وإيران في الجهة المقابلة؟.

الجواب متعلق إلى حد كبير بقواعد الاشتباك المتفق عليها بين أطراف الصراع. حيث كانت تنص في المرحلة السابقة على منع وصول السلاح النوعي للأطراف السورية المتقاتلة مضادات الطيران، ومضادات الدروع النوعية وغيرها. فإن كان قد تم استخدام السلاح النوعي في إسقاط المقاتلات الروسية والإسرائيلية وغيرها، فهذا معناه ومؤداه تغيير لقواعد الاشتباك.

وعلى فرض حدوثه فإن التغيير في قواعد الاشتباك، الذي رأيناه في الأسبوع المنصرم، هل كان مقصوداً بدافع من الأطراف المتصارعة، أم عبارة عن جس نبض، واختبار متبادل بين الفرقاء؟.

يجيب المقال: "هذا ما سنشهد آثاره وعواقبه في الأيام القليلة القادمة. إما زيادة في وتيرة التصعيد، أو ضبطاً للنفس، واحتواء للأزمات، كما جرت العادة خلال السنوات السبع الماضية".

اقرأ أيضا: فرنسا: لن نضرب الأسد عسكرياً إلا إذا كانت هجمات الأسلحة الكيميائية مميتة




المصدر