الاعتداءات على الغوطة الشرقية في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني



بلغت اعتداءات النظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية أوجها، خلال الأيام الأخيرة، وتسببت بمقتل مئات الأشخاص، فضلًا عن إصابة مئات آخرين بجروح، وإلحاق دمار واسع النطاق، في المباني والممتلكات ومرافق البنية التحتية. وقد صعّد النظام وحلفاؤه، ومن ضمنهم الروس، اعتداءاتهم على الغوطة الشرقية، بعد مؤتمر سوتشي الذي نظمه الروس، والذي فشل فشلًا ذريعًا من جراء رفض معظم المعارضة المشاركة فيه. وتعدّ الغوطة الشرقية من ضمن المناطق المشمولة بالاتفاق الروسي الأميركي بشأن الهدنة، منذ شباط/ فبراير 2016، وهي تخضع لحصار شامل من قبل النظام منذ عام 2013، وتقع تحت سيطرة “جيش الإسلام“، و”الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”، و”فيلق الرحمن”، وهي صاحبة السلطة المطلقة في المنطقة. كما أن هنالك انتشارًا لـ (هيئة تحرير الشام/ النصرة) على شكل مقار وأذرع عسكرية على جبهات، لكن لا توجد في الغوطة الشرقية مدن أو بلدات تحت سيطرتها بالكامل.

تتعمد قوات النظام وحلفاؤها استخدام القوة المفرطة غير المبررة، في سياق عدوانهم على الغوطة الشرقية؛ ما يتسبب بالقتل الجماعي للمدنيين الأبرياء، ويلحق دمارًا واسعًا بالمباني والممتلكات، من جراء الهجمات الجوية المستمرة والقصف بالطيران، وباستخدام مختلف صنوف الأسلحة حتى الغازات السامة والمواد الكيميائية. وتترافق عمليات القصف الوحشي للأحياء السكنية غير المعدة لأغراض عسكرية، باستهداف الطواقم الطبية، وطواقم الدفاع المدني والإنقاذ وتدمير والمشافي ومصادر المياه، من أجل زيادة معاناة السكان المدنيين. وترقى هذه الاعتداءات إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، متى ارتكبت في إطار الهجوم الواسع والممنهج ضد السكان المدنيين. كما أن الحصار الشامل المضروب على الغوطة الشرقية وسكانها، منذ ما يزيد عن أربعة أعوام، يستهدف وضع السكان في ظروف معيشية صعبة، من أجل فرض الاستسلام، وقد يرقى إلى جريمة الإبادة.

تُعدّ أفعال القصف العشوائية والمدمرة التي تمارسها قوات النظام وحلفائها، وما ينجم عنها من خسائر فادحة في الأرواح، مخالفاتٍ جسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا تلك التي تحدد وسائل وأساليب القتال، وتحظر على المتحاربين ممارسة “حق” مطلق، في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالخصم أو العدو، وتحظر مهاجمة أو قصف المناطق السكنية المحمية، أيًا كانت الوسائل المستخدمة. ومن هذا المنطلق، يحظر القانون الدولي الإنساني على المتحاربين اتخاذ التدابير التي تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين، كالمدنيين وأسرى الحرب والجرحى والمرضى وأفراد الخدمات الطبية والإنسانية وطواقم الدفاع والإنقاذ المدني، كاستهداف المناطق المدنية بالقصف والقتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه، بصرف النظر عن هوية مرتكبي هذه الأفعال.

إن حصار الغوطة الشرقية المستمر هو شكل من أشكال العقوبات الجماعية، لما فيه من انتقام واضح من السكان المدنيين ومعاقبتهم جماعيًا. وتنص أحكام القانون الدولي الإنساني صراحة على عدم جواز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفةٍ لم يقترفها هو شخصيًا، وتحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب.

لقد وسّع نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لعام 1998 (المادة الثامنة) نطاقَ الأفعال التي تدخل في نطاق جرائم الحرب، كالهجوم المتعمد ضد السكان المدنيين، أو أفراد لا علاقة لهم بالأعمال العدائية، الهجوم المتعمد على المنشآت المدنية، القتل المتعمد، الإصابة الخطيرة التي تسبب الألم أو الإضرار الخطير بالجسم أو الصحة، التدمير الشامل ومصادرة الممتلكات دون داعٍ عسكري، نهب القرى والمدن واستعمال الأسلحة والغازات السامة، التعرض لكرامة البشر والهجوم المتعمد على الأبنية والمعدات والإمدادات الطبية، الأفعال المتعلقة بالاعتداء على أسرى وجرحى الحرب. ووفقًا لماهية جرائم الحرب، تعدّ اعتداءات النظام وحلفائه على الغوطة الشرقية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بموجب المادة السابعة من نظام روما الأساسي؛ لما تمثله من حصار للغوطة الشرقية ووضع المدنيين في ظروف معيشية صعبة والقتل العمد، والإبادة.

إن المجتمع الدولي بات مطالبًا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بفتح تحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في سورية، وملاحقة الأشخاص المتهمين بارتكابها، وفي مقدمتها جرائم النظام وشركائه في الغوطة الشرقية. وبحكم عدم استقلالية النظام القضائي الرسمي في سورية، لكونه غير محايد وغير نزيه أصلًا، ولعدم أهلية القضاة للنظر في الجرائم الخطرة والبت فيها، تنشأ الحاجة الملحة لإعمال الدول لمبدأ الولاية القضائية العالمية والبدء بالبحث على المتهمين بارتكاب الجرائم في سورية، أيًا كانت جنسيتهم، وملاحقتهم والقبض عليهم، ومحاكمتهم أمام محاكمها الوطنية، حيث إنها الآلية الأكثر فاعلية لضمان مساءلة المجرمين والحد من الإفلات من العقاب.


نزار أيوب


المصدر
جيرون