تقرير دولي: “لا تجبروا السوريين على العودة إلى الأرض الخطرة”



أصدرت سبعُ منظمات دولية غير حكومية، قبل عدة أيام، تقريرًا جديدًا، أطلقت عليه (الأرض الخطرة: اللاجئون السوريون يواجهون مستقبلًا غامضًا)[1]. وحذرت المنظمات التالية: “المجلس النرويجي للاجئين” (NRC) و”سيف ذي شيلدرن” Save the Children، و”كير” CARE، و”العمل ضد الجوع” Action Against Hunger، و”المجلس الدانماركي للاجئين” (DRC)، الدولَ المضيفة لمئات آلاف اللاجئين السوريين، في الدول المجاورة لسورية والغرب، من إجبارهم على العودة إلى بلادهم، في ظل استمرار العنف في سورية. حيث أكدت أن “ثمة مسارات مثيرة للقلق، يتم اتباعها للترويج لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خلال العام الحالي، رغم ما تشهده سورية من قتل وعنف”. وحذّرت هذه المنظمات من احتمال نزوح 1.5 مليون شخص من مناطقهم عام 2018، وفق تقديرات الأمم المتحدة. كما أكدت أنه، خلال العام الماضي، “مقابل كل سوري عاد إلى بيته وأرضه، هناك ثلاثة من مواطنيه أجبرتهم الحرب على النزوح عن ديارهم”.

ويواجه مئات الآلاف من اللاجئين خطر العودة إلى سورية في عام 2018، على الرغم من استمرار أعمال العنف والقصف الذي يعرض حياة المدنيين للخطر. ويأتي هذا التحذير وسط ردّات فعل عالمية مناهضة للاجئين، وظروف أكثر قساوة في البلدان المجاورة التي تستضيف السوريين، والخطابات المضللة عن الانتصارات العسكرية السورية التي تشير إلى أن سورية آمنة لعودة اللاجئين. حيث ذكر التقرير: “مع تغيّر الوضع العسكري في سورية، وفي مواجهة موقف متصاعد ضد اللاجئين (…) بدأت الحكومات في عام 2017 التفكير مليًا بعودة اللاجئين إلى بلادهم”. حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم العام الماضي 721 ألفًا، مقابل 560 ألفًا في عام 2016.

وعلى الرغم من أن عام 2017 شهد نسبة انخفاض للعنف في بعض المناطق في سورية، فإنه زاد في مناطق أخرى، حيث قتل أو أصيب مئات المدنيين. وما يزال القصف الجوي، ومدافع الهاون، والتفجيرات، مخاطر يومية يعيشها السوريون، بما في ذلك المناطق المأهولة بالسكان.

وقد شهد النزاع تدمير السجلات المدنية في سورية، في بعض الحالات عمدًا؛ الأمر الذي سيعقد إلى حد بعيد عودة اللاجئين والنازحين ويعرضهم للخطر. حيث أكد التقرير أن “التدمير الواسع لسجلات المساكن والأراضي والممتلكات، فضلًا عن المباني والمعدات الإدارية، يجعل من الصعب للغاية التحقق من المطالبات الحالية والمستقبلية. وأكد التقرير أن غالبية النازحين السوريين الذين قابلتهم اللجنة النرويجية للاجئين لا يملكون أي وثائق قانونية تثبت ملكيتهم”.

تستضيف تركيا على أراضيها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، فرّوا من النزاع المستمر منذ نحو سبع سنوات، لكنها تسعى الآن لنقل النازحين إلى مخيمات على الجانب السوري للحدود. ويستضيف لبنان أقل من مليون لاجئ، والأردن نحو 630 ألفًا مسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وتغلق هاتان الدولتان حدودهما أمام تدفق المزيد من اللاجئين إليها. وأكد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند أن “العودة اليوم لن تكون آمنة أو طوعية، بالنسبة إلى الغالبية الكبرى من اللاجئين الذين فروا من الحرب والعنف”، مشيرًا إلى أن “ما نشاهده حاليًا من سفك للدماء واستهداف للمستشفيات والمدارس وموت، حتى في المناطق التي يطلق عليها (خفض التوتر)، هو مصدر للقلق، ولا يمكن أن نسمح بعودة اللاجئين إلى هذه الأماكن الخطرة”.

ويريد معظم الأشخاص الذين غادروا سورية، في أثناء الحرب، العودةَ إلى ديارهم. غير أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين من سورية الذين شاركوا في “بحوث الحماية التي أجرتها منظمة (أوكسفام) في لبنان في عام 2017″، أفادوا بأنهم لا يستطيعون العودة إلى سورية الآن، لأنها ليست آمنة، على الرغم من أن 4 بالمئة فقط من اللاجئين السوريين، و7 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين من سورية، يريدون البقاء في لبنان، بعد انتهاء النزاع في سورية. وهذا يتسق مع “مسح النوايا الذي أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”؛ حيث أكدت أن 63 بالمئة من اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع في البلدان المجاورة يرغبون في العودة “يومًا ما” إلى سورية. وقال 6 بالمئة فقط إنهم خططوا فعليًا للقيام بذلك في الأشهر الـ 12 المقبلة، مع انعدام السلامة، وعدم الوصول إلى سبل العيش، ونقص المساكن المذكورة، كعوامل رئيسية تؤثر في قرار العودة.

قالت هيلي ثورنينج – شميت، المديرة التنفيذية لمنظمة إنقاذ الطفولة: “لا يجب أن يعود أي طفل إلى بلده، قبل أن يكون آمنًا. الآن، أجزاء كثيرة من سورية غير آمنة للأطفال. ولا تزال القنابل تصيب الخدمات الأساسية مثل المدارس والمستشفيات… وحالما يكون هناك سلام، يجب إعادة بناء البيوت والمدارس السورية، قبل عودة الأطفال. الأطفال السوريون اللاجئون الذين تحدثنا إليهم لا يريدون شيئًا أكثر من العودة إلى ديارهم إلى سورية، ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك إلا عندما تكون العودة إلى الديار آمنة ومستدامة”.

وقال كريستيان فريس – باخ، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدانمركي: “العودة الآمنة والمستدامة تعني أنك تستطيع العودة إلى منزلك، وأن تكون آمنًا، وأن تحصل على المياه والمدارس والعيادات الصحية. لقد زرت للتو حلب وحمص ودمشق، ويمكن أن تشهد الدمار ولا تزال تسمع التفجيرات. ومن دون حل سياسي ووضع أمني مستقر، وضمانات وإعادة إعمار؛ لا يسعنا ولا ينبغي أن نرغم الناس على العودة. نحن بحاجة إلى تكون عودتهم طوعية وآمنة ومستدامة، وإلا؛ فلن يسامحنا المستقبل وسوف يظل يذكرنا بفشلنا”.

يشير التقريران إلى أن هناك مهمة ضخمة ومكلفة، أمام إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في البلاد. وقال نصف النازحين تقريبًا في جنوب سورية، الذين قابلتهم اللجنة النرويجية للاجئين، إن منازلهم تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها، أو للتدمير. وفي شمال غرب سورية، أفاد واحد فقط من بين كل خمسة أشخاص أن منازلهم ما تزال سليمة. وقد دُمّر نصف المرافق الصحية في سورية، أو أُغلق.

البحث عن الحلول

في ختام التقرير، يُطرح سؤال مهم: ما هي الحلول الأخرى للاجئ إذا بقي في دول اللجوء؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يوفر حياة آمنة وكريمة للاجئين السوريين؟

اقترح التقرير حلّين معترف بهما دوليًا: الأول دمج اللاجئين في البلد المضيف، أي أن توفر الدول المضيفة الحقوق الكاملة التي نصت عليها اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والثاني إعادة توطينهم في دولة ثالثة.

وفي حين أظهرت الدول المجاورة سخاء غير عادي، في تقديم اللجوء للاجئين السوريين ودعمهم، لأسباب سياسية وتاريخية متنوعة، إلا أنهم لا يفكرون في استراتيجية شاملة لإدماج اللاجئين. ولا ينظر المسؤولون الحكوميون إلا في عودتهم إلى سورية، كحل مستقبلي للاجئين في لبنان والأردن. ومذكرة التفاهم الأردنية لعام 1998 مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي استعرضت في عام 2014، لا تقبل صراحة الاندماج كخيار لأي لاجئين.

أما تركيا فقد اعتمدت نهجًا مختلفًا، قُدّم في عام 2016 لدمج 300،000 لاجئ يحملون المواطنة الكاملة. وفي الآونة الأخيرة، أعرب نائب رئيس الوزراء التركي علنًا ​​عن نيته منح الإقامة طويلة الأجل للسوريين الموجودين بالفعل في الأراضي التركية.

وعلى الرغم من هذه الخلفية، اتخذت الدول المجاورة والمجتمع الدولي خطوة مهمة، في تبني “نهج شامل” للأزمة في مؤتمر (دعم سورية والمنطقة) الذي استضافته لندن عام 2016، وتم توحيده بعد ذلك بعام في بروكسل. وطرح آنذاك موضوع إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالت، غير أن الجهود المبذولة لتنفيذ إعادة توطين اللاجئين تحركت ببطء في العام الماضي، وانخفض معدل إعادة توطين اللاجئين انخفاضًا كبيرًا. وقد فشلت الدول الغنية في الوفاء بالالتزامات التي تمّ التعهد بها، في مؤتمرات لندن عام 2016 وبروكسل عام 2017. وفي عام 2017، خفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أكثر من النصف، طلبات إعادة توطين اللاجئين السوريين إلى البلدان الغنية مقارنة بالعام السابق. حيث لم يعد توطين سوى 3 في المئة فقط من اللاجئين السوريين الضعفاء في البلدان الغنية. وقد بدأ السياسيون في أوروبا، ولا سيما في الدنمارك وألمانيا، مناقشة مسألة ترحيل اللاجئين إلى سورية.

إن الفشل في إعادة تأكيد ومتابعة هذه الالتزامات السابقة تجاه اللاجئين سيؤدي إلى زيادة الفقر والتهميش والعنف مع المجتمعات المضيفة، ويزيد من احتمالات العودة غير الآمنة أو القسرية في العام المقبل. وهناك أيضًا خطر من أن تفشل البلدان المضيفة في تحويل الأزمة إلى فرصة إنمائية.

وإدراكًا منها لحجم هذا التحدي، أوصت المنظمات غير الحكومية الدولية السبع في تقريرها، ببعض الخطوات لضمان الحماية الفورية والطويلة الأجل للاجئين:

على أطراف النزاع في سورية الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والتخفيف من المخاطر التي قد يواجهها العائدون. ويشمل ذلك حماية المدارس والمستشفيات وغيرها من الهياكل الأساسية المدنية المهمة، ووضع حد فوري لاستخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق، في المناطق المأهولة بالسكان. على السلطات في سورية أن توفر ضمانات فعالة للسلامة وحرية التنقل للاجئين الذين عادوا إلى سورية. وعليها أيضًا أن تضع وتنفذ آليات من شأنها تيسير الاعتراف بوثائق اللاجئين والمشردين داخليًا، بما في ذلك شهادات التعليم التي يحصل عليها الأطفال، ومعالجة الافتقار إلى الوثائق المدنية التي تحتفظ بها المرأة. ويجب أيضًا أن تسمح للجهات الفاعلة في المجال الإنساني بأن توسع نطاق برامج إزالة الألغام إلى حد بعيد، وأن تعيد تأهيل المدارس والمرافق الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. على حكومات الدول المجاورة احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، بما في ذلك عدم الإعادة القسرية للسوريين الذين يبحثون حاليًا عن الحماية على حدودهم. وينبغي أن يفوا بالتزاماتهم، بما في ذلك الالتزامات التي تمّ التعهد بها في مؤتمرات لندن وبروكسل، من حيث صلتها بإيجاد فرص العمل والتعليم وحماية اللاجئين. وعلى وجه الخصوص، ينبغي لهم أن يخلقوا إجراءات بسيطة بأسعار معقولة ومتسقة، تطبق على اللاجئين من سورية للحصول على وثائق صحيحة، من أجل الوصول إلى العمل والخدمات. على المانحين والمجتمع الدولي الأوسع أن يتخذوا موقفًا مبدئيًا وأساسيًا، ضد العودة المبكرة للاجئين أو الإعادة القسرية، وينبغي أن تضمن أن تمويلهم لأي مشروع لا يشجع صراحة أو دون قصد العودة المبكرة. ولتقليل عوامل دفع اللاجئين إلى الحد الأدنى، ينبغي لهم أن يوفروا التمويل الإنساني والإنمائي والالتزامات الأخرى التي تم التعهد بها في مؤتمرات لندن وبروكسل، وأن يزيدوا التعهدات بإعادة التوطين أو غير ذلك من أشكال القبول الإنساني للاجئين الضعفاء. على الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية الدولية أن تضع إطارًا مشتركًا قائمًا على المبادئ بشأن الحلول الدائمة؛ ما سيمكنها من تقديم المساعدة المناسبة للاجئين، وتجنب تشجيع عودة اللاجئين المبكرة أو غير الطوعية أو غير الآمنة إلى سورية. وينبغي أن يشمل هذا الإطار رصد سلامة العائدين، وتوفير معلومات محايدة للاجئين لإبلاغ خياراتهم، بشأن العودة أو غيرها من الحلول الدائمة أو المؤقتة، سواء في بلد اللجوء أو في بلد ثالث. وينبغي أن يكفل التشاور الحقيقي مع اللاجئين والمشردين والمجتمعات المضيفة والمستقبلة.

النتيجة التي يريد التقرير أن يركز عليها هي أن سورية ما زالت أرضًا خطرة، ويجب عدم إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، في ظل استمرار العنف في سورية. كما أن التركيز المفرط على عودة اللاجئين يؤدي أيضًا إلى تحويل الانتباه عن الالتزامات التي قطعها المجتمع الدولي، لتحسين وضعهم وبناء قدرة اللاجئين على الصمود في البلدان المجاورة. كما أن هذا التركيز على العودة يعزز سياسة الأبواب المغلقة في البلدان الغنية نحو برامج إعادة التوطين، ويقلل من فرص استضافة اللاجئين السوريين هناك. وتطالب المنظمات الإنسانية الدول الغنية بالوفاء بالتزاماتها نحو السوريين، حيث إن النقص في الإرادة السياسية من الدول الغنية، للمشاركة في المسؤولية عن أكبر أزمة للاجئين في العالم، يساعد جيران سورية في تبرير مبادراتهم الخاصة لإغلاق حدودهم أو دفع اللاجئين للعودة إلى سورية.

[1] “Dangerous ground: Syria’s refugees face an uncertain future”.

https://www.nrc.no/news/2018/february/hundreds-of-thousands-of-syrians-risk-being-pushed-to-return-in-2018-despite-ongoing-violence-warn-aid-agencies/


شذى ظافر الجندي


المصدر
جيرون