خليط من الأوراق و”اللا أوراق”



اعتاد السوريون، على مدار السنوات الأخيرة، تلقّف أوراق من كل الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، أوراق يقول مُقدّموها إنها تحمل الحل لسورية والخلاص للسوريين، لكن أيًا من هذه الأوراق، أو قصاصات الأوراق، أو “اللا أوراق”، لم يُقدّم ولم يؤخر شيئًا، في واقع الحال.

تهاطلت الأوراق على السوريين: أوراق مؤتمرات موسكو وأستانا وسوتشي، وأوراق مؤتمرات فيينا وبروكسل وجنيف، ثم “مشاريع أوراق” دي ميستورا المتعددة واللانهائية، وأخيرًا “لا أوراق” الولايات المتحدة وحلفائها.

الكل يحمل في حقائبه أوراقًا كثيرة، يزعم أنها من أجل حلّ القضية السورية، والكل يدّعي أن الوصفة السحرية مخطوطة على أوراقه، أو “مشاريع” أوراقه، أو “لا أوراقه”، رغم أن أيًا من السوريين لم يُستشر مسبقًا، في أي منها، بل لم يطّلع عليها أصلًا إلا بعد إعلانها، أي عندما يرى مَن خطّها أن الأوان قد حان لتمرير غاية هناك ومكسب هناك.

تتأبط روسيا أوراقها، توزعها في موسكو، وعندما تعي أنها غير مقبولة؛ تقلب الأسطر وتخلطها لتعيد توزيعها في أستانا، الذي يفشل بدوره؛ فتقلب الأسطر من جديد، وتُنمّق الكلمات لتعيد توزعيها من جديد في سوتشي.

كذلك يتأبط الأميركيون أوراقهم، يفتحونها ورقة إثر ورقة، بل سطرًا تلو سطر، لا يُطلعون أحدًا على كل المضمون، ويستخدمون أسلوب “شارلوك هولمز” في كشف هذه الأوراق، أو أجزائها، ويسمونها أحيانًا “لا أوراق”، لإضفاء المزيد من الغموض، وللتنصل منها، متى أرادوا.

أوراق صفراء وخضراء ومن كل لون، يحملها عرب لا يعرفون ما يريدون، ولا ما هو الممكن في سورية، وأوراق بلا لون ولا رائحة، يحملها أوروبيون ليس بمقدورهم حاليًا تقديم ورقة كاملة واضحة اللون، وأوراق برائحة زخمة مُقزّزة، يحملها إيرانيون ويدورون بها لتسويق مشاريعهم الاحتلالية.

أوراق يوزعها دي ميستورا، كما يوزّع اللاعب أوراق اللعب في قمار، يُسلّم كل طرف نسخةً مختلفة عن نسخة الطرف الآخر، كما يفعل الروس أحيانًا، ويدّعي أن الأطراف توافقت عليها -رغم اختلافهم الشديد واقعيًا- ويُقدّمها لمجلس الأمن الذي يودعها خزائنه، ليعلوها الغبار.

يعتقد كل هؤلاء أنهم الأوصياء على القضية السورية، ويتعاملون وكأن المعارضة السورية لا تمتلك أوراقًا، وعليها القبول بإحدى تلك الأوراق المقدّمة، ويقولون لهم إن قصاصة ورق أفضل لكم من لا شيء، وقبولكم بفتات الخبز أفضل لكم من حرمانه كليًا.

هياكل المعارضة السورية رخوة وضعيفة، وكثير منها بلا خبرة سياسية، لا يمتلك دراية بالنظام السوري العميق، ولا معرفة بالمفاوضات الدولية، وبلا أرضية معرفية وفكرية، وغالبية أوراقها متناثرة، غير مكتملة، ركيكة غير مُقنعة، لكن هناك في المعارضة من هو قادر على إكمالها، هناك معارضة سورية راسخة تعرف ما تريد، وكيف تُدوّر الزوايا، ومن أين تُؤكل الكتف، وكيف تُستكمل الأوراق، لتكون مقنعة، وتُلزم كل الأطراف بأخذ مصلحة السوريين بالحسبان، ضمن كل أوراقهم، وعلى هؤلاء يقع الاعتماد.


باسل العودات


المصدر
جيرون