لماذا ينبغي على العالم عدم تجاهل أزمة الصحة النفسية والعقلية المضرة بالأطفال السوريين
15 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
[ad_1]
أثناء دراستي في جامعة “ساسكس- Sussex”، قمت بزيارة معرض أقامته منظمة غير حكومية بريطانية عاملة في سورية، عُرضت فيه رسومات أطفال من مخيمات اللاجئين اللبنانيين، رسموها بمساعدة المتطوعين في المنظمة. طُلب منهم رسم منزل. وعوضًا عن رسم سماء مشرقة مع أصدقاء يلعبون بجوار منزلهم، رُسِمت مروحيات تُسقط البراميل المتفجرة، ونيران مشتعلة في أرجاء المنزل، مع جثث أطفال يسبحون في بركة من الدماء. كانت وجوه الجثث المشوهة مبتسمة، في حين كان الحزن والدموع باديين على وجوه الأطفال الرسامين. يوجد عدد لا يُحصى من الأطفال التعساء في كلٍّ من سورية، تركيا ولبنان والأردن، وفي جميع أنحاء العالم. تغيب فرصة معالجة هذه الصدمة، مع انعدام تلقي أي دعم تخصصي وعلاج، للتغلب على كوابيس الحرب والخسارة والتشرد القسري.
بعد سبع سنوات من الصراع السوري الوحشي، يبقى حجم وأثر هذه الصدمة النفسية، وتحدي الصحة العقلية واضطراب ما بعد الصدمة، لدى الأطفال والبالغين، غير معروف بصورة دقيقة. ولا تعطي المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، أو منظمات الإغاثة والحكومات المضيفة، الأولويةَ لمثل هذه المشكلات، أمّا في سورية، فلا تزال المشكلة غير مرئية ولا حل لها في الأفق. ولكوني أحد العاملين بصورة وثيقة ومعمقة مع الأطفال السوريين في بلاد اللجوء، من خلال منظمة (المشاريع الصغيرة) Small Projects Istanbul في إسطنبول، أناشد العالم أن يولي اهتمامًا لمستقبل سورية، من خلال تقديم يد داعمة لأطفالها ومراهقيها المصابين بصدمات الحرب. وإذا فشلنا؛ فسيتعين علينا أن نواجه العواقب البشعة والقاسية التي لا يمكن التنبؤ بها، في السنوات المقبلة.
ومع تصعيد وتيرة المعارك المشتعلة في سورية؛ فإنّ ما يترتب على ذلك، من اضطرابات ما بعد الصدمة والنزعات الانتحارية والعدوانية الشدیدة والاضطرابات النفسية، تظل جروحًا غیر مرئیة، ونادرًا ما تُكتشف في وقت مبكر. إنّ إطالة مدة عدم العلاج قد تُضَخم آثار الصدمة لتصل إلى مرحلة الأمراض العقلية والنفسية. وإنّ موضوع الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية أمرٌ محظورٌ بصورة كبيرة في سورية، وفي المجتمعات الشرق أوسطية، حيث يتردد كثير من الناس في طلب المساعدة؛ لأنّهم يخشون أن تتصدى لهم مجتمعاتهم. وعلى الرغم من الصدمة التي يعاني منها الكثيرون في سورية، لا توجد سوى مؤسسة واحدة للصحة النفسية عاملة في البلاد، يتردد عليها الأشخاص، الذين يعانون من أمراض نفسية حادة، بهدف تلقي المساعدة. وحتى قبل اندلاع الصراع، لم يكن هناك سوى مستشفيين عامين للأمراض العقلية، حيث كان توفير الصحة النفسية منخفضًا، ضمن قائمة الأولويات الصحية. وفي البلدان المجاورة لسورية والأردن وتركيا ولبنان، التي تستضيف الآن أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري، لا يزال الدعم النفسي والاجتماعي والرعاية الصحية العقلية والنفسية خاضعًا للقطاع الخاص إلى حدٍّ بعيد، ولا يمكن توفيره للكثير من اللاجئين.
كثير من هؤلاء الشباب معرضون لخطر كبير، كأن يُدمنوا المخدرات، أو يسلكوا طريق البغاء والدعارة، أو أن يتحولوا إلى متطرفين في المجتمع. في لبنان، بدأت منظمة تُدعى (فن الأمل) Art of Hope بمعالجة هذه المسألة، ما يساعد على تخفيف اضطرابات ما بعد الصدمة والصدمات النفسية، من خلال العلاج عن طريق الفن والتدريب المهني. ووفقًا لما ذكره تارا كانغارلو، مؤسس المنظمة، فإنّ الأطفال يتعرضون لخطر متزايد من التطرف. وقد أُجبر أحد الأطفال، الذين يرتادون المنظمة، على مشاهدة عمليات قطع الرأس التي يُنفذها تنظيم (داعش) الإرهابي في الرقة، وذلك قبل أن قام التنظيم ببتر يده. يعاني الطفل من اكتئاب شديد، وإحساس دائم بالذنب، مع سلوك عدواني تجاه الأطفال الآخرين. ويخبر هذا الطفل مساعده في تلقي جلسات العلاج النفسي بأنه قد يكون من الأفضل له، لو عاد إلى الانضمام إلى (داعش)، معربًا عن ندمه حيال بتر يده التي يعتقد أنّها بُترت بسبب ذنب اقترفه في حق التنظيم.
ومع بقاء أعداد كبيرة من الأطفال دون تعليم؛ تظل هذه الجروح غير المرئية دون علاج وترميم. وستبقى هذه المشكلات عالقة إلى أن تأخذ منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية الدولية ومنظمات الأمم المتحدة دورها الفعلي بشكل أوثق مع المنظمات المحلية للتصدي لتحديات الصحة العقلية والنفسية، وذلك بالتوازي مع البرامج التعليمية التي من شأنها أن تعيد الأطفال إلى حياة طبيعية. ومع غياب القيادة الحكيمة للأزمة؛ ستبقى الجماعات الإرهابية تواصل الاستفادة من ضعف الأطفال، وعجزهم من خلال تجنيدهم ضمن صفوفها. نجحت الجماعات الإرهابية في مهمتها عن طريق سد احتياجات الأطفال والمراهقين، مثل تأمين الضروريات الأساسية للحياة، وتوفير شعور الانتماء والهوية الذي يفتقده معظمهم. نوقشت هذه الظاهرة على نطاق واسع في الأدب المناهض للإرهاب، ولديهم الأدلة الكافية على هذا.
من خلال معالجة هذه المشكلات، على سبيل الأولوية ضمن برامج مساعدة الشعب السوري، سيكون المجتمع الدولي والبلدان المضيفة مساهمين إسهامًا كبيرًا في الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، وسوف يساعد ذلك في الحد من الحالة العدائية والعدوانية التي تشهدها الساحة السورية، وكذلك ستنعكس النتائج على حالة التوتر التي تشهدها المجتمعات المضيفة ومجتمع اللاجئين السوريين. تستطيع الدول المضيفة، مثل تركيا ولبنان والأردن، كسب ذلك من خلال تطوير خدماتها النفسية العامة، وتعزيز برامج الصحة النفسية للاجئين.
ومع ذلك، على الرغم من هذه الصورة القاتمة، أثبت الأطفال السوريون أنّهم قادرون على الصمود وتجاوز هذه المشكلات. في منظمة (المشاريع الصغيرة) Small Projects Istanbul يلعب الأطفال ويبتسمون وينشطون اجتماعيًا، ويعود ذلك إلى الخدمات النفسية والاجتماعية غير الرسمية التي تقدمها المنظمة. وبمبادرة شبيهة لمعرض (سورية مع حبي) للرسم؛ رسم أطفال إسطنبول صورًا مليئة بالفرح والابتسامات، عوضًا عن تلك اللوحات المليئة بالموت والحزن. من الواضح أنّ لهؤلاء الأطفال مستقبلًا مشرقًا ينتظرهم؛ ويمكن أن يصبحوا أطباء أو محامين أو معلمين أو مهندسين. إنّ الخدمات النفسية والاجتماعية تمهد لمستقبل مزدهر وسلمي لسورية، وفي حالة تجاهل المشكلات النفسية؛ فسينعكس ذلك على سلامة الصحة العقلية، فمن الأهمية بمكان أن يثير المجتمع الدولي، ويتابع أمن وسلام السوريين من الاضطرابات النفسية العقلية الموجودة في صفوف اللاجئين، إن كانوا جادين فعلًا في مكافحة الإرهاب. وإن لم يكن الأمر كذلك؛ فسيستمر المستقبل المجهول وغير المستقر لآلاف السوريين.
العنوان الأصلي
Why the World Should Not Ignore the Mental Health Crisis Afflicting Syria’s Children
الكاتب
ألكساندر آستون- وارد Alexandre Aston-Ward
المصدر
برنامج الباحثين الدوليين الزائرين في مركز حرمون للدراسات المعاصرة
المترجم
وحدة الترجمة والتعريب
ألكساندر أستون-وارد
[ad_1]
[ad_2]
[sociallocker]
جيرون