نيو يورك تايمز: حرب الشرق الأوسط المقبلة



بقايا طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز (إف–16) تحطمت في شمال “إسرائيل” يوم السبت 8 شباط/ فبراير، بعد تعرضها لإطلاق نار مضاد للطائرات. عبير سلطان/ وكالة الصحافة الأوروبية

في الساعات المبكرة من صباح السبت 8 شباط/ فبراير، كان الشرق الأوسط على حافة حربٍ أخرى.

أثناء الليل -بحسب مصادر رفيعة المستوى- كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتعقب طائرةً إيرانية موجّهة (الدرون)، أطلقها “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، من قاعدة (التياس) الجوية في وسط سورية.

بعد دقيقة ونصف من دخول (الدرون) إلى المجال الجوي الإسرائيلي؛ أطلقت طائرة مروحية هجومية إسرائيلية النار عليها من الجو، وفي الوقت نفسه، أطلقت ثماني طائراتٍ مقاتلة إسرائيلية صواريخَ على مركز القيادة والسيطرة على الطائرات الموجهة في قاعدة (التياس)، وفجرتها، إلى جانب الإيرانيين الذين كانوا يديرون المركز. (نفت إيران إسقاط طائرتها، أو مقتل أحد من قواتها).

ردَّ الجيش السوري المتحالف مع إيران بإطلاق صواريخ (أرض-جو) على الطائرات الإسرائيلية، وأطلقت الصواريخ على طائرتين إسرائيليتين، تمكنت إحداها من تجنب الصواريخ، بينما أصيبت الأخرى بشظايا الصاروخ المنفجر، وقفز الطاقم المكون من طيارَين، وهبطا في الأراضي الإسرائيلية، بينما أصيب أحدهم بجروحٍ خطيرة.

كانت هذه أولَ طائرةٍ تفقدها “إسرائيل” في معركة منذ عام 1982، فردّت قواتها الجوية، حفاظًا على سمعتها التي لا تقهر، بغضبٍ من خلال ضربها لنظام الدفاع الجوي السوري، وإخراج خمس بطارياتٍ من الخدمة، فضلًا عن تدمير أربع منشآت اتصالاتٍ إيرانية في سورية.

كان القصد من الرد على إسقاط طائرة إسرائيلية أن يكون أكثر عنفًا. فلدى “إسرائيل”، منذ فترة طويلة، خطط طوارئ للقيام بعمليةٍ هجومية ضخمة في سورية. يوم السبت، أخرج الجنرالات الخطة من الدرج، أدرك الإيرانيون والسوريون، مع حليفهم اللبناني (حزب الله)، أن شيئًا من هذا القبيل آتٍ، وأعلنوا أنهم لن يسمحوا بمرور ذلك من دون ردٍّ. سمع الإسرائيليون هذا، ولكن لم يرتدعوا. ومضت قوات الدفاع الإسرائيلية باتجاه الحرب.

سرعان ما أصبح الأمر واضحًا، بغض النظر من الذي سيقرر. كان القصف الإسرائيلي للقاعدة الجوية قريبًا لدرجة الخطورة من القوات الروسية، وكانت مكالمةٌ هاتفية غاضبة، صباح يوم السبت، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تكفي لأن يلغي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، هذه الخطط.

علنًا أيضًا، دان الروس بشدةٍ انتهاك “إسرائيل” للسيادة السورية، من دون الإشارة إلى توغل الطائرات الإيرانية الموجهة في المجال الجوي الإسرائيلي. وقال مصدرٌ عسكري إسرائيلي كبير: “حتى ظاهريًا وعلنًا، وليس فقط سرًا، اصطف الروس في الجانب الآخر ضدنا”. وأضاف: “كان بإمكانهم منع إطلاق (الدرون)، لكنهم لم يفعلوا شيئًا. لقد سمعنا الرسالة الروسية بصوتٍ عال وواضح”.

تمَّ تجنب الحرب، ولكن فقط مؤقتًا، وما زالت جميع المقومات لانفجارٍ عنيف جدًا في الشرق الأوسط قائمة.

كانت إيران أول دولةٍ تسارع لمساعدة الرئيس بشار الأسد، عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية قبل ست سنوات، وذلك من خلال وحداتٍ من (حزب الله)، ومقاتلين شيعة من العراق وباكستان وأفغانستان، ويعود لها الفضل في إنقاذ نظام الأسد.

توقعت “إسرائيل” في وقتٍ مبكر أن بنادق هذه الوحدات ستتحول في نهاية المطاف ضدها، ولكن في تلك الأيام، كانت تُعدّ (داعش) على أنها تجسيدٌ لكل الشر، وبالتالي كل من يقاتلها فهو إيجابي، ولم يستجب أحد لتحذيرات “إسرائيل”. وقامت “إسرائيل” بأكثر من مئة عملية قصفٍ صاروخي في سورية، من دون أن تعترف بها أو تعلن مسؤوليتها عنها أبدًا، ضد مواقع تخزين الأسلحة والقوافل التي تزود القوات التي تقودها إيران.

مع انتشار الجيش السوري ضد المتمردين بالقرب من حدودها، يساعده الإيرانيون و(حزب الله) في القتال العنيف؛ اضطر هذا التحالف الثلاثي مع الوقت إلى تقبّل بعض الحقائق المريرة: اعترفوا بأن الموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يعرفون أين، ومتى، وكيف يعملون، وكانوا يعلمون أنهم غير قادرين على الرد على الغارات الإسرائيلية، من دون أن يتعرضوا لخسائر فادحة.

عندما دخلت القوات الروسية سورية عام 2015، واتضح أن الولايات المتحدة لن تتخذ تدابير حقيقية لمواجهة تحركات السيد بوتين؛ تمكن السيد نتنياهو من إنشاء قناة اتصالاتٍ سرية بينه وبين الرئيس الروسي، وفقًا لمصادري في المخابرات الإسرائيلية، فضلًا عن خط هاتفٍ مشفر بين “إسرائيل” والجيش والاستخبارات الروسية، من أجل منع الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية والروسية في سورية.

ولكن هذا التنسيق التكتيكي المحدود لم يجعل روسيا تفهم الاحتياجات الاستراتيجية الإسرائيلية. ومع اقتراب انتصار الأسد، كانت “إسرائيل” تطلب من روسيا ضمان مغادرة الإيرانيين من سورية، حالما تنتهي الحرب، حيث قوبلت هذه الطلبات باللامبالاة من موسكو، التي ترغب ببناء موطئ قدمٍ آمن في الشرق الأوسط، وتتطلب سياساتها الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران.

كما طلبت “إسرائيل” أيضًا من إدارة ترامب عدة مراتٍ أن تفعل شيئًا لمنع تدهور الوضع. وفي آب/ أغسطس الماضي، زار وفدٌ رفيع المستوى واشنطن من بينهم يوسى كوهين (مدير الموساد)، وهيرتزل هاليفي (رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية)، وقدموا لمستشار الأمن القومي، السيد ماكماستر -وفقًا لمصادري- “مواد استخباراتية حساسة وذات صدقية ومثيرة للقلق”، بشأن خطط إيران و(حزب الله) لمهاجمة “إسرائيل” من الحدود مع سورية. وقالوا إن (حزب الله) يبني وجودًا عسكريًا كبيرًا في سورية، وإن إيران تخطط لإنشاء قاعدةٍ بحرية في طرطوس، على البحر المتوسط.

وقال لي أحد المشاركين في تلك المحادثات: إن “إسرائيل” طالبت بأن أي اتفاق سلامٍ في سورية يتطلب إبعاد (حزب الله) وقوات الحرس الثوري من البلاد.

غير أن الأميركيين لم يوافقوا على الطلب، وقال أحد المشاركين في المحادثات: “نحن لا نفهم بشكلٍ عام ما تريد هذه الإدارة تحقيقه، والحقيقة تقول إننا لسنا متأكدين إطلاقًا من أن محاورينا في الجانب الأميركي يعرفون ما يريدون، أو ما قد طلب منهم الرئيس أن يفعلوه. الشعور العام هو شعورٌ بالارتباك والفوضى”.

إن سلوك الولايات المتحدة، التي انسحبت إلى حدٍّ بعيد من الشرق الأوسط، في مواجهة الوجود الإيراني والروسي في سورية، أثار الغضب والإحباط تجاه أميركا لدى أقسامٍ من الجيش الإسرائيلي، والمجمعات الاستخباراتية.

أوضحت أحداث يوم السبت أمرين: أولًا، لن تكون “إسرائيل” قادرةً على التصرف في سورية من دون قيود. وستردُّ القوى المشتركة المعارضة لها من الآن فصاعدًا، بقوة. ثانيًا، إذا لم يعرف أحد بعد، فإن روسيا هي القوة المهيمنة في المنطقة.

جلبت أحداث نهاية هذا الأسبوع المواجهة بين “إسرائيل” وإيران إلى العلن؛ ما جعل احتمال نشوب صراعٍ أكبر أكثر قربًا وإلحاحًا. لقد أثبتت “إسرائيل” في الماضي أنها قوية، عندما تشعر بأنّ من المسموح لها أن تدافع عن نفسها.

وفي صباح يوم الجمعة 16 شباط/ فبراير، وللمرة الأولى على الإطلاق، سيحضر رئيس وزراء “إسرائيل” مؤتمر الأمن في ميونيخ. ويأمل السيد نتنياهو، ورئيس الموساد السيد كوهين الذي سيرافقه، أن يوضح أن الترتيب الحالي في سورية أمر غير مقبول، وأن يحذّر الولايات المتحدة، وبلدان أخرى من أنه إذا لم يتم كبح جماح إيران؛ فإن “إسرائيل” ستهاجم قواعدها في سورية.

“إسرائيل” هي القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، ولكن الحروب لا يمكن التنبؤ بها. والجميع -من موسكو إلى القدس إلى واشنطن- ينبغي أن يعملوا، قبل فوات الأوان، على منع حربٍ أكثر خطورةٍ في سورية.

اسم المقالة الأصلي The Middle East’s Coming War الكاتب رونين بيرغمان، Ronen Bergman مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 12/2 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2018/02/12/opinion/the-middle-easts-coming-war.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fopinion عدد الكلمات 1032 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون