سوق الشهادات العلمية المزورة يزدهر في دمشق

16 فبراير، 2018

كُشف مؤخرًا عن شبكة تزوير شهادات جامعية في دمشق، باعت بعض المسؤولين ممن يشغلون مناصب مهمة، من بينهم مسؤولون في حزب البعث، شهادات علمية مصدّقة (إجازات، ماجستير، دكتوراه). وتم توقيف 15 شخصًا، من حملة الشهادات المزورة، خلال الأيام الأخيرة، بينهم أمين فرع حزب البعث في ريف دمشق أحمد همام حيدر، الذي أعفي من منصبه، بحسب صحف موالية للنظام، وقائد ميليشيا “كتائب البعث” بجامعة دمشق، وعضو في مجلس الذهب العالمي، إضافة إلى رئيسي تحرير صحف سياسية خاصة.

تزوير الشهادات الجامعية بدرجاتها المختلفة، وعرضها وبيعها في أسواق الداخل السوري، وفي دول اللجوء، بات ظاهرة تخيف حكومات المجتمعات المضيفة، لكثرة حملة الشهادات المزورة، أما عمليات التزوير في مناطق سيطرة النظام فلا تبتعد كثيرًا عن كونها جزءًا من منظومة فساد نظام الأسد.

وسام الدين العكلة، أستاذ جامعي، قال لـ (جيرون): “إن ظاهرة تزوير الوثائق السورية تعدّ من أخطر الظواهر التي انتشرت، خلال السنوات الأخيرة، في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة، وفي دول اللجوء، حيث تنتشر العشرات من عصابات التزوير، ولا تقتصر عمليات التزوير على الشهادات الدراسية، بل تطال الوثائق القانونية بكل أنواعها، من جوازات السفر وصكوك ملكية العقارات، مرورًا بوثائق الأحوال الشخصية والأختام الرسمية المزورة، وانتهاء بالشهادات العلمية وبخاصة الجامعية والدراسات العليا. أما في ما يتعلق بتحقيقات النظام، وفصل بعض المسؤولين عن العمل بدعوى تزوير شهاداتهم، فهذه مسرحية هزلية لا يمكن تصديقها؛ لأن إجراءات تعيين أي مسؤول كبير تمرّ بعدة مراحل من الدراسات الأمنية، يمكن التعرف من خلالها على أدق التفاصيل عن المرشح للمنصب، لكن النظام يستخدم ذريعة تزوير الشهادات لعدة أهداف، منها التخلص من بعض المسؤولين أو الموظفين المحسوبين على شخصيات متنفذة، وتصفية الحسابات مع آخرين، بعد انتهاء دورهم في خدمته”.

أضاف العكلة: “سبق للنظام أن غض الطرف عن قيام بعض الموظفين والمسؤولين بتزوير شهادات جامعية عليا؛ لتغطية النقص في بعض المجالات، خاصة مع هجرة الكفاءات الحقيقية من ذوي الشهادات العليا إلى خارج البلاد؛ بسبب الوضع الأمني المتردي في المناطق التي يسيطر عليها”. وتابع: “حسب المعلومات المتداولة، خلال السنوات الماضية، كان هناك الكثير من العصابات كانت تعمل في دمشق تحت أعين النظام، وأعضاؤها مرتبطون بشخصيات متنفذة داخله، سواء في الجامعات أو وزارة التعليم العالي أو دوائر النفوس والهجرة، ويجمعون أموالًا طائلة من عمليات التزوير”.

أما بشأن دوافع التزوير، “فهناك العديد من العوامل التي تدفع بعض الأشخاص للحصول على شهادات مزورة، منها عدم قدرتهم على الحصول على وثائقهم الأصلية، خاصة إذا كان مطلوبًا للأجهزة الأمنية التابعة للنظام والتي منعت الجامعات من إعطاء وثائق المطلوبين لها، دون الحصول على موافقة مسبقة، وهناك من يرغب في الحصول على فرصة عمل، أو للمظهر الاجتماعي، وهؤلاء يلجؤون إلى تزوير شهادات الدكتوراه. ومع ذلك، بات تزوير الوثائق جريمة دولية منظمة، أصبح الحد منها والقضاء عليها ضرورة ملحة؛ لأنها تؤثر على أصحاب الشهادات الأصلية، كما تؤثر على المكانة العلمية للجامعات والشهادات السورية في العالم. بكل الأحوال، لا يوجد أي سبب يبرر لجوء الشخص إلى التزوير، أيًا كانت دوافعه. وحسب القانون، يعتبر التزوير من الجرائم الجزائية، ويختلف الوصف الجرمي والعقاب في هذه الجريمة، بحسب طبيعة الصك المزوَّر وصفة الشخص القائم بالتزوير، فتكون جناية إذا كان المحرر المزور سندًا أو ورقة رسمية، وجنحة إذا كان من الأوراق الشخصية. كما فرض القانون على الشخص الذي يستخدم أوراقًا أو سندات مزورة مثل عقوبة من قام بعملية التزوير”.

محمد صالح أحمدو، مدير سابق في وزارة التربية والتعليم بالحكومة السورية المؤقتة، قال لـ (جيرون): “إن الوثائق المعتمدة من وزارة التعليم العالي وكذلك وزارة التربية في سورية لا تحوي (الباركود)، وعنصر الأمان الإلكتروني فيها ضعيف؛ ما روج لتكاثر مكاتب التزوير التي شكلت شبكة علاقات عملت بالخفاء على الأرض، ولكنها عملت علنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكما يقال (الغريق يتعلق بالقشة)، لذا وَجد ضعاف النفوس من أولئك المضطرين إلى تلك الوثائق صيدًا ثمينًا يجب استثماره”.

وأكد أن “هذه الشبكة تضم موظفين حاليين وسابقين وطلابًا جامعيين وأصحاب مكاتب عقارية وغيرها، ولهم علاقة وطيدة مع موظفين من الدرجة الأولى، في وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وكذلك مع الأفرع الأمنية، والجدير بالذكر أن العديد من الوثائق صدرت من داخل أروقة المكاتب الوزارية، بالأختام الرسمية تمامًا، كما تتم عملية استخراج جوازات السفر للسوريين في خارج سورية من مكاتب الهجرة والجوازات، ولكن بأرقام مضروبة؛ ما أدى إلى مشكلات مع الأجهزة الأمنية، في عدة دول”. وأشار إلى أن الحكومة التركية، مع انتشار مكاتب التزوير، أخذت قرارًا بضرورة “عرض وثائق الثانوية العامة على مكتب تصديق الوثائق التابع للحكومة السورية المؤقتة، في غازي عينتاب، والتأكد من صحتها وإرسالها بالظرف المختوم إلى مديريات التربية التركية، وأما بالنسبة إلى التأكد من صحة الشهادات الجامعية، فقد قامت مؤخرًا بالتأكد من عددٍ لا بأس به، ممن يود تعديل شهادته الجامعية، بالتواصل مع (يونيسف) التي تتأكد بدورها من صحة الوثائق من عدمها بطرقها الخاصة، وبهذا أنهت مهزلة التزوير التي استطاع عبرها العديد من المزورين الحصولَ على الأموال الطائلة، وكذلك القضاء على حالة الفوضى في مجال التعليم، بدخول العديد ممن لا يملكون المؤهلات التعليمية في مجال التعليم، سواء في المخيمات أو في المدارس السورية المنتشرة في مدنها”.

في الموضوع ذاته، أكدت الناشطة الدمشقية ثروة شام، لـ (جيرون)، أن “موضوع تزوير الشهادات ليس جديدًا، إنما هو موضوع قديم. كثيرون حصلوا على شهاداتهم عبر الشراء، وأغلب من يقوم بذلك هم شخصيات في النظام السوري عالية المستوى، أما عن فضح الأمر ومحاسبة الفاعلين، فإنه تلميع الصورة من جديد، ليس إلا، ليقال إن هناك محاسبة من قبل الدولة للفساد المستشري”.

أحمد مظهر سعدو
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون