واشنطن بوست: الدروس التي ينبغي على الولايات المتحدة تعلمها من الرقة



سوريون يمشون بين أنقاض المباني المدمرة في مدينة الرقة شمال سورية. (ديليل سليمان/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي)

حطَّ الجحيم بهذه المدينة مرتين: الأولى عندما استولى عليها مقاتلون من (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) في عام 2014، وجعلوها عاصمتهم، والمرة الثانية عندما حررتها في العام الماضي القوات المدعومة من الولايات المتحدة، في حملةٍ سوَّتْ الكثير من بنيان وسط المدينة مع الأرض.

تُظهر الصور وأشرطة الفيديو الضرر الشديد هنا، ومهما كانت الحال فالدمار يصعقك من شدته؛ حيث تحولت المباني إلى ركام، كتلة بعد كتلة. وإعادة البناء في بعض المناطق احتمالٌ بعيد، وستستغرق سنواتٍ عديدة لترتيب ونقل الخرسانة المحطمة بعيدًا، والكثير من حديد التسليح الملتوي.

شهدت الرقة شراسةً في القتال، لم نشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. وكل ما روي عن ستالينغراد في عام 1943، أو برلين في عام 1945، تلك المدن التي كانت رموزًا لغضب الحرب وثمن التحرير، ليس أكثر مما حدث في الرقة.

كان محررو الرقة أعضاءً في (قوات سورية الديمقراطية/ قسد)، وهي ميليشيا يقودها الأكراد، استولوا على المدينة، بناءً تلو بناء، في معركة لم تتوقف. حاصروا الرقة في أواخر حزيران/ يونيو، ثم ضغطوا عليها، وشددوا الحصار، حتى تشرين الأول/ أكتوبر، عندما انهارت المقاومة أخيرًا. ومهما كانت شجاعتهم، ما كان يمكنهم (قوات سورية الديمقراطية) الربح، من دون دعمٍ ناري ساحق من الطائرات الحربية الأميركية، والطائرات المسلحة الموجّهة، والمدفعية. كان مزيجًا فعالًا لدرجة الوحشية. وأحد الملاجئ الأخيرة هو المستشفى المحلي.

تركت “الدولة الإسلامية” رسالة وداع: المدينة محشوةٌ بالعبوات الناسفة، التي أصابت ما يقرب من 500 شخص منذ تشرين الأول/ أكتوبر، من بينهم أكثر من 150 طفلًا.

ظهرت بعض الصور التي لا تُنسى، خلال جولة استغرقت يومًا واحدًا في المدينة، الأسبوع الماضي، مع قوات المهام الخاصة الأميركية التي أدارت الحملة: مقابر جماعية محفورة في مدرجٍ كبير لتخويف الخصوم، دوار وسط المدينة حيث قامت (الدولة الإسلامية/ داعش) بتصوير عمليات إعدامها الصارخة بالفيديو، وبثها على الإنترنت، والملعب حيث عذب فيه الجهاديون السجناء في زنزاناتٍ تحت الأرض. حولت (داعش) المدينةَ إلى مسرحٍ للموت.

يحاول الناس هنا أن يعبّروا عن الرعب في تلك الأيام، ولكن أكثر ما تراه هو النظرة البعيدة، والمصطنعة في عيونهم. يقول رجلٌ غيّرته الأيام، يُدعى أبو باصر، ويقف أمام المبنى المدمر الذي كان ذات يومٍ مقرًا لإدارات (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش): “ما لم تكن بحاجةٍ إلى شيء، فلن تخرج من بيتك. رأينا أحلك الأيام في حياتنا”. في الشارع أمامه، عددٌ قليل من سيارات الأجرة الصفراء تمرُّ مسرعةً، وقد استؤنفت خدمة الحافلات للتو، وربما عاد حوالي 50,000 شخص، أي سدس سكان الرقة سابقًا.

نتوقف في (المشلب)، وهو حيٌّ في المنطقة الشرقية من المدينة. تسحب سيدتان كراسي بلاستيكية من منازلها، ويتجمع حشدٌ قليلٌ على الرصيف. ساجدة، ابنة العشرة أعوام، بحزنها الجميل، وهي ترتدي سترة مرقطة وجينزًا ممزقًا، تعانق ضابطةً في الجيش الأميركي ترتدي الزي المّوه، وأحمد (20 عامًا)، يعض على سيجارته المتقدة، ويتذكر الأيام التي كانت تقطع (داعش) أصابع الناس، إن دخنوا، ويحاول أن يضحك.

تقول إحدى الأمهات اللواتي لم ترغب في إعطاء اسمها، والتي لا تزال قلقة بما فيه الكفاية من الجهاديين: “كان الأطفال يعيشون كابوسًا، علمّوهم كيفية القتل”. وبالقرب منها فتاةٌ صغيرة ترتدي حذاءً رياضيًا ورديًا، وبلوزةً زرقاء سماوية، تقول: “مهبول” مشيرة إلى صبيّ بالقرب منها، يرتدي سترةً لها فجوة ليشكّل وجوه مضحكة. وعند النظر إلى ابتساماتهم في أثناء تجمعهم لالتقاط الصور؛ تدرك أنه: مهما كانت الظروف التي عاشوا فيها؛ فإنهم لا يخافون الآن.

ما هي دروس الرقة؟ الأول هو أن الولايات المتحدة وفت بالتزامها لعام 2014 بـ “تحطيم (داعش) وتدميرها في نهاية المطاف”. ويثبت الاستيلاء على عاصمتها، مهما كان مرعبًا، الميزة المشكوك فيها بشدةٍ بعزم الولايات المتحدة. كانت استراتيجية الجيش الأميركي هنا هي “الإبادة”، بمعناها الكامل. في المرة القادمة، يجب أن يكون الخصوم أكثر احتراسًا، في أن يتقصدوا القتال.

ومن الدروس الأخرى أن من الخطأ السماح لخصمٍ محدد مثل (داعش)، بالتحكم في مركزٍ حضري مثل الرقة، أو الموصل في العراق، التي أيضًا سُوَّيتْ بالأرض عند تحريرها. وبمجرد أن يستولي المقاتلون على مدينة، فاقتلاعهم منها لا يتم إلا بتكلفةٍ بشرية كبيرة.

وأخيرًا، فإن الرقة تحذيرٌ بأن نكون يقظين بما يخص تدمير النظام الحاكم، في أي مكان، من دون معرفة ما سيأتي بعد ذلك. ويواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعامل بحذر مع ذلك -كانت الولايات المتحدة متهورةً حتى تشجع على إطاحة السلطة في سورية والعراق واليمن وليبيا من دون تخطيطٍ أفضل لـ “اليوم التالي”- وربما كان بوتين على صواب. وفي كثير من الأحيان، فقد شغل أمراء الحرب، والمرتزقة الأجانب، وطوائف الموت، الفراغات الناشئة.

دمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرقة تقريبًا، لإنقاذها من الخلافة المحكومة بالتعذيب. كانت حربًا عادلة، ولكن علينا أن نحاول جاهدين تجنب الاضطرار إلى معركةٍ مماثلة من جديد.

اسم المقالة الأصلي The lessons the United States should learn from Raqqa الكاتب ديفيد إغناطيوس، David Ignatius مكان وتاريخ النشر واشنطن بوست، The Washington Post، 13/2 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/the-lessons-the-united-states-should-learn-from-raqqa/2018/02/13/a395e746-10f3-11e8-8ea1-c1d91fcec3fe_story.html?utm_term=.59e883772d23 عدد الكلمات 722 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون