الغارديان: المرتزقة الروس في سورية: “دُفنوا بهدوء وطواهم النسيان”



كان الرجال الذين قُتلوا بالضربات الجوية الأميركية مقاتلين أشداء أو يأملون في أجور مغرية.

ستانيسلاف ماتفييف، عُرف أنه من بين نحو مئتي روسي ماتوا خلال الغارات الجوية في الاشتباك الأكثر فتكًا مع الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة. تصوير: إذاعة أوروبا الحرة/ راديو الحرية.

لم يكن إيغور كوزوتوروف جنديًا في الجيش الروسي. بل صاحب بقالية، عمره 45 عامًا، يعتقد أقاربه أنه من بين عشرات المواطنين الروس الذين قُتلوا هذا الشهر في الغارة الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالقرب من دير الزور، المنطقة الغنية بالنفط في شرق سورية.

بعد رفضٍ أولي، اعترفت وزارة الخارجية الروسية، يوم الخميس 15 شباط/ فبراير، بأن من المحتمل أن خمسة مواطنين قد قُتلوا في القصف، في أثناء مشاركتهم بالمعارك إلى جانب القوات السورية الموالية للنظام في 7 شباط/ فبراير. لكن التقارير تشير الى أن ما يقرب من 200 مواطنٍ روسيّ ربما يكونون قد قُتلوا، وإذا تم تأكيد هذه المعلومات؛ فستكون تلك الاشتباكات الأشد فتكًا بين الأميركيين والروس، منذ نهاية الحرب الباردة.

بينما لا تزال الأرقام غير واضحةٍ، تظهر صورٌ لبعض من يُعتقد أنهم ماتوا، كان بعضهم من قدامى المحاربين في حرب موسكو في شرق أوكرانيا، ألهمتهم النزعة الوطنية أو شعورٌ متجدد بالقومية الروسية بالسفر إلى سورية، وكان آخرون يأملون ببساطةٍ في أجورٍ مغرية.

كانوا جميعهم -وفقًا لمصادر متعددة- موظفين لدى مجموعة (فاغنر)، وهي شركة تعهداتٍ عسكرية خاصة مرتبطة بالكرملين. ويقول النقاد إن موسكو تستخدم المرتزقة من (فاغنر) للتقليل من الخسائر العسكرية الرسمية في سورية. وكان عدد القتلى من الجيش الروسي في العام الماضي ستة عشر جنديًا، على الرغم من الاعتقاد بمقتل عشرات المرتزقة.

قالت ناديجدا كوزوتوروفا (زوجته السابقة)، في مقابلةٍ هاتفية مع (الغارديان) من منزلها في أسبيست بمنطقة الأورال: “كان إيغور قناصًا سابقًا في الجيش، ذهب إلى سورية؛ لأنه كان محبًا لوطنه وكان مؤمنًا بأنه إذا لم نقضِ على (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) في سورية، فإنها ستأتي إلينا، إلى روسيا، وبأنه إذا لم يذهب، فإن السلطات سترسل شبانًا صغارًا من دون خبرة عسكرية تقريبًا”. وأضافت: إنها بقيت قريبة من كوزوتوروف حتى بعد طلاقها، لكنه لم يخبرها بأنه رتّب سفره إلى سورية، وقد سمعت أخبار وفاته، من خلال قنواتٍ غير رسمية. وتابعت قائلةً: “إنني أجمع المعلومات شيئًا فشيئًا من مصادر مختلفة، في محاولةٍ لمعرفة مكان جثث القتلى”، وعندما سُئلَت عن سبب عدم اتصال السلطات الروسية بها، تنهدت، وقالت: “هذه لعبةٌ سياسية لا أفهمها”.

كانت تلك الغارة الجوية المرة الأولى التي يموت فيها الروس على يد الولايات المتحدة في سورية، منذ دخول الكرملين في الصراع إلى جانب الرئيس بشار الأسد في عام 2015، وهو التدخل الذي ساعد النظام في توزيع قواته في الحرب متعددة الجبهات.

كتب ميخائيل بولينكوف، وهو مدونٌ قوميّ، في موقعٍ على الإنترنت أنه زار الرجال المصابين في الهجوم، في مستشفى (لم يكشف عن اسمه) في روسيا: “أخبرتني مصادري أن 200 رجل لقوا حتفهم من وحدةٍ عسكرية واحدة فقط”.

وبينما انتشرت التقارير الأولى عن الوفيات، الأسبوع الماضي، على وسائل التواصل الاجتماعي، ظل الكرملين متكتمًا.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين: من الممكن أنهم بعضُ المواطنين الروس الموجودين في سورية، إلا أن الكرملين لا يملك سوى معلوماتٍ عن الجنود الروس. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، يوم الخميس 15 شباط/ فبراير: إن التقارير التي تفيد بأن عدد القتلى قد تجاوز خمسة أشخاص هي “تضليل كلاسيكي”. وقالت: “في مناطق الصراع، هناك مواطنين كثر من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من روسيا.. ومن الصعب للغاية مراقبتهم والتحقق مما يفعلونه”.

ووفقًا لبعض التقارير، فإضافة إلى كوزوتوروف، يُعتقد أن تسعة رجالٍ على الأقل قد سافروا إلى سورية، من المنطقة المحيطة بأسبيست للقتال مع فاغنر في الأشهر الأخيرة.

قالت يلينا ماتفيفا، أرملة ستانيسلاف ماتفييف، وهو مرتزقٌ يبلغ من العمر 38 عامًا من أسبيست، يُعتقد أنه قُتل أيضًا: “يرمونهم في المعركة مثل الخنازير”. وأضافت في مقابلةٍ مع إذاعة أوروبا الحرة/ راديو الحرية: “أينما أرسلوهم، فهم من دون أيّ حماية”، وقالت: إن على السلطات الروسية أن تعترف بالمواطنين الذين يموتون في المعارك في سورية، وأن تساعد في إعادة الجثث، إن كان ذلك ممكنًا. “يجب أن يكون هناك شيءٌ من ذكراهم؛ حتى لا تشعر الزوجات بالعار من أزواجهن، ولكي يمكن لأطفالهم أن يفخروا بهم”.

يلينا ماتفيفيا، تصوير إذاعة أوروبا الحرة/ راديو الحرية

على بعد 1100 ميل، إلى الشرق من موسكو، تقع منطقة (أسبيست)، ويبلغ عدد سكانها 70000، وهي موطنٌ لأكبر منجمٍ للحرير الصخري (أسبستوس) في العالم. ويبلغ متوسط ​​الرواتب الرسمية حوالي 25000 روبل (314 جنيه استرليني) في الشهر، ويعاني السكان من سوء الصحة.

وقال رسلان ليفيف، مؤسس فريق استخباراتٍ في الصراع، وهي مجموعة تحقيقٍ تبحث عن الإصابات الروسية في سورية: إن الرواتب الشهرية لموظفي (فاغنر) في سورية تراوح بين 90 ألف روبل (1132 جنيهًا إسترلينيًا) للمقاتلين، و250 ألفًا (3،147 جنيهًا إسترلينيًا) للمختصين العسكريين.

وقال النقاد إن تردد الكرملين في الاعتراف -فضلًا عن الأمانة والشرف- بالروس الذين لقوا مصرعهم في المواجهة مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة، يتناقض بشكلٍ صارخ مع الجنازة الكبرى التي أقيمت الشهر الماضي لـ رومان فيليبوف، الطيار الذي قُتل في سورية بعد إسقاط طائرته.

وقالت ناديجدا، وهي امرأةٌ أخرى تدّعي أن زوجها قد مات حين كان يقاتل كمرتزقٍ في سورية في تشرين الأول/ أكتوبر، في مقابلةٍ على الإنترنت مع صحيفة (الغارديان): “يحصل البعض على أوسمة وعلى التكريم، بينما يُدفن آخرون بهدوءٍ ويطويهم النسيان”.

ومن بين مواطني روسيا الآخرين الذين لقوا مصرعهم، في اشتباك شباط/ فبراير، كيريل أنانييف، وهو عضوٌ في حزب (روسيا الأخرى) الراديكالي اليساري. حيث قال ألكسندر أفيرين، المتحدث باسم الحركة: “ذهب الى سورية، لأنه يحب القتال.. الروس قادرون على ذلك”.

وعلى الرغم من غضب الأقارب، يدافع البعض عن تردد بوتين في الإعلان عن الوفيات؛ إذ قال ألكسندر بروخانوف، وهو كاتبٌ قومي، يُعتقد أنه مقربٌ من كبار أعضاء أجهزة الأمن الروسية: “للسلطات الحق في إخفاء المعلومات؛ إن كان ذلك لمصالح البلاد، وإنّ هؤلاء الأشخاص الذين لقوا حتفهم قد تمّ تحذيرهم قبل توجههم إلى سورية، بأنهم لن يحصلوا على الأوسمة العسكرية، إذا ما قتلوا هناك”.

اسم المقال الأصلي Russian mercenaries in Syria: ‘buried quietly and forgotten’ الكاتب مارك بينيتس، Marc Bennetts مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 16/2 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2018/feb/16/russian-mercenaries-in-syria-buried-quietly-and-forgotten عدد الكلمات 926 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون