نتائج مسابقة التربية في حكومة النظام تكشف غياباً لافتاً للذكور



السورية نت - رغداء زيدان

سلام عمران ـ خاص السورية نت

 
"لست الوحيد الذي لم يتقدم لمسابقة التربية، هناك الآلاف غيري وقد عرفت ذلك من قلة أعداد المتقدمين من الشباب في المركز المجاور لعملي مقارنة بالعشرات من الإناث (...) حتى في هذه محرومون".

بهذه الكلمات عبر سامر خريج الأدب العربي عن امتعاضه عندما التقاه مراسل "السورية نت" مع صديقه أحمد في اللاذقية. الدهشة والحزن بديا واضحين عليهما بعد أن أخبرتهما عن  إحصاء عدد الذكور في لائحة دمشق للتعيينات الأخيرة لمسابقة التربية.

فقد صدرت لوائح التعيين للناجحين بمسابقة المدرسين لصالح وزارة التربية التابعة لحكومة نظام الأسد في 12فبراير/شباط، وخصص فيها النظام  لذوي "الشهداء" من  العسكريين والمعاقين إعاقة تامة نصف المقاعد، كما ورد في قرار التعيين العام الصادر برقم 943  وحيث يُملئ الفائض في حال عدم تمامه من قبل غير ذوي الشهداء ولكل محافظة على حدة كما جاء في الإعلان الرسمي عن المسابقة بتاريخ 7-3-2017".

اطلعت "السورية نت" على نتائج المسابقة والتعيينات الصادرة عن وزارة التربية والمنشورة على موقع الوزارة وأحصت عدد الذكور في لوائح التعيين حيث سجلت:   

محافظة دمشق نسبة تعيينات 13 بالمئة تقريباً للذكور من أصل 1127 معيناً في كل الاختصاصات، وشملت لائحة الناجحين لمحافظة دمشق 2000 ناجح تقريباً في أغلبية أنثوية واضحة. 

محافظة ريف دمشق 77 شاباً معيناً من أصل 1248 شملهم التعيين.  

محافظة حماة لم يتجاوز عدد الذكور نسبة 25 بالمئة من أصل 1400 معين تقريباً.

محافظة حلب ما يقارب 300 شاب من أصل 2404 معين.

محافظة درعا 45 شاباً من أصل 656 معيناً.

محافظة دير الزور 32 شاباً من أصل 203 معيناً.

محافظة الرقة 33 شاباً من أصل 211 معيناً.

محافظة حمص  100 شاب من أصل 1003 معينين.

محافظة اللاذقية  90 شاباً من أصل 471 معين.

محافظة طرطوس 100 شاب من أصل 419 معيناً.

محافظة السويداء 50 شاباً معيناً من أصل 525 معيناً.

لا تختلف كثيراً بقية المحافظات في لوائح النجاحات التي سبقت لوائح التعيين، وكذلك فيما يتعلق بلوائح التعيين الخاصة بذوي الضحايا من قوات النظام والمعاقين إعاقة تامة.

وقال وزير التربية في حكومة النظام هوزان الوز في تصريح سابق  لوكالة النظام "سانا" إن عدد الناجحين هو 19376 منهم 577 من "ذوي الشهداء" وسيتم تعيين 8041 من الناجحين العاديين وكل الناجحين من ذوي الشهداء".

وجاء في إعلان المسابقة أن وثيقة الاستشهاد أو وثيقة العجز التام يجب أن تكون صادرة عن مكتب شؤون الشهداء أو أحد فروعه أو عن الجهة المعنية، وهي ما يسمى مكتب الأمن الوطني، في الاتحاد العام لنقابات العمال.

لم يحظ على ما يبدو ذوي الشهداء من المدنيين  بالشواغر الوظيفية ممن قضوا بسبب قصف النظام أو مليشيات تعمل لصالحه أو من قبل فصائل معارضة، سواء كانوا في مناطق يسيطر عليها النظام أم المعارضة.

وقالت سحر خريجة تاريخ لمراسل "السورية نت" وقد نجحت ولكنها لم تعين: "إن الحكومة يجب أن تعالج ملف التعويضات الخاص بذوي الشهداء والجرحى المعاقين واحتياجاتهم خارج استحقاقات المباريات الوظيفية وقدرة مؤسسات الدولة على الاستيعاب والحاجة للكفاءات. يجب أن يحظى الجميع بفرص متساوية،  حيث تراعى الجدارة في استحقاق الشاغر الوظيفي بغض النظر عن أي اعتبار. فالحرب تطحن الجميع أيضاً إلا إذا كان لزاماً على الجميع أن يكونوا من ذوي الشهداء مع احترامنا لخسارتهم".

غياب الشباب

كان سامر وأحمد يتابعان إحصاء الذكور في محافظة حلب، وقد بدت الدهشة واضحة على وجهيهما عندما وصلا تقريباً لآخر اللائحة وقال سامر: "لم أتوقع أن يصل النقص في الذكور إلى هذه الدرجة، ولكن هذا مفهوم تماماً،  فكما أحجمت عن التقدم، هناك المئات غيري وربما الآلاف".

وتابع: "لقد ترددت كثيراً قبل أن أقرر عدم التقديم لأن الترشح للمسابقة يعني التحاقي في الخدمة الاحتياطية التي تخلفت عنها، ففضلت البقاء في عملي المؤقت كمساعد شيف في مطعم قريب من منزلنا. ولا ننسى أيضاً الفاقد الكبير للشباب بسبب الحرب كقتلى أو محاربين أو مهاجرين ومن كل السوريين".

ويضيف سامر: "إن التقديم يشترط بيان وضع عسكري وشهادة تأدية الخدمة، فمن فر من الخدمة الاحتياطية أو الإلزامية أو الاحتفاظ لن يستطيع التقدم ومن لم يلتحق أيضاً بطبيعة الحال".

أما أحمد فقال: "أنا الآن  في إجازة أزور أهلي وأعمل في لبنان ومؤجل على الإقامة. الوظيفة تعني البقاء في سوريا أي الخدمة العسكرية الإلزامية، فاخترت البقاء في لبنان، فقد مضى علي ثلاث سنوات وبعد سنة يستحق علي دفع البدل".

وعن رأيه في قلة عدد الشباب أجاب أحمد: "لم أفكر في حصر عدد الذكور سابقاً ولكن كان لافتاً غلبة العنصر النسائي وأنا أبحث عن بعض الأسماء سابقاً والآن. ما يمكنني قوله للأسف إن خيارات القتال والالتحاق أو الفرارهو المتوفر حالياً في سوريا للذكور، إلا من استطاع مغادرة البلاد. وليس غريباً أن تكون أغلب المقاعد الوظيفية للنساء".

وتابع: "عند تسريح الذكور من الجيش لن يجدوا وظيفة أو حتى تعاقداً، وسيهاجر الشاب للعمل إذا بقيت الأمور على حالها ولم تتحسن. بالإضافة إلى أن هذا يؤثر اجتماعياً في الزواج أيضا حيث أصبحت الوظيفة مطلباً أساسياً للفتاة وأهلها في هذه الظروف".

من جهتها تقول نغم وهي موظفة حكومية التقى بها مراسل "السورية نت" مع زميلتها سوسن في اللاذقية: "واقع الشباب السوري أينما كانوا محزن ومأساوي،  فأخي عسكري احتفاظ منذ أربع سنوات وخريج  جامعي لم يتقدم للمسابقة لقناعته أن الوظيفة الحكومية ليست مكسباً له وقد تجاوز الثلاثين ولا يملك شيئاً ويفكر في السفر للعمل في لبنان عندما يتسرح".  

أما سوسن الناجحة والمعينة في محافظة اللاذقية فقالت: "نعم يزداد حظ الإناث بمقاعد أكثر في مسابقات التوظيف. فمثلاً من أعرفهم من أصدقائي الشباب المتخرجين، علويون أو سنة أو مسيحيون، إما قضى في الحرب أو يقاتل مع الجيش أو الميليشيات، وآخرون هربوا وهاجروا إلى لبنان وتركيا وأوروبا، وبعضهم فار لا يريد الالتحاق بالخدمة العسكرية الآن".

الأمان والولاء

يجمع خبراء الاقتصاد أن الموظفين الحكوميين هم الأكثر تضرراً بدرجة كبيرة في البلدان التي تعاني من التضخم  بسبب الحروب أو الأزمات المالية، لأنهم يتقاضون رواتب ثابتة لا تراعي الآثار الناتجة عن التضخم من غلاء المعيشة وضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية.  

وفي الحالة السورية هناك شريحة وازنة من السوريين الموظفين في المؤسسات الحكومية التي تقدر بـ2 مليون و500 ألف وهناك تقريباً مليون و500 ألف آخرون ملحقون بالقوة العاملة المستفيدة من القطاع الحكومي إذا ما تمت مراعاة النقص الحاصل بسبب التهجير والموت. بحسب تصريح لوائل الحلقي رئيس مجلس الوزراء السابق في حكومة نظام الأسد عام 2015.

تحدث أحد المعارضين في الداخل لمراسل "السورية  نت" وطالباً عدم ذكر اسمه:  "إن الشريحة الاجتماعية الحرجة من القوة العاملة في سوريا الآن المقدرة حاليا بـ4 مليون أظهرت إلى حد ما ميلاً للصمت وعدم الانخراط في استحقاق الحراك الشعبي في بداية الثورة"

وتابع: ومستقبلاً لن يتغير شيء مع المعينين والمتعاقدين منذ سبع سنوات إلى الآن وبنسبة أكبر من الإناث، أمام استحقاقات مرحلة ما بعد الأسد إذا لم يصار إلى محاكمته مع أركان نظامه أو إبعاده تماماً عن أي أمكانية للتأثير. فقد يكون بقاؤه في سوريا لاحقاً مؤثراً في شؤون البلاد والحكم والإدارة من خلال حجم المراكز الوظيفية التي تدين له بالولاء أو بالحد الأدنى لن تشكل بسلبيتها مشكلة للنظام القديم أن يحكم من خلف الستار طالما أن سلاح الترهيب موجود".

ويتابع المتحدث نفسه: "إن الموظفين كتلة وازنة يجب أن ينظر إليها كبيضة قبان في أي استحقاق سياسي قادم على البلاد. ويجب الإصرار على العملية الدستورية التي تراعي تأسيس وبناء ظروف موضوعية مقبولة لتمارس هذه الشريحة وغيرها من الشرائح الاجتماعية خيارات انتخابية حرة تصب في مصلحة السوريين جميعاً بدون مضايقات من أجهزة الأمن".

يقرأ بعض الناشطين في الداخل هذه التعيينات والتعاقدات الكثيرة التي يوفرها النظام رغم سياسة تخفيض الموازنة منذ عام 2010 وحتى اليوم في سياق سياسي لكسب ولاء أكثر ومن الأقليات والعلويين على وجه التحديد، والتي تعتمد في سبل عيشها على الوظيفة التي توفرها "الحكومة".

ما يحصل حسب رأيهم هو سطو على نسبة من الشواغر الوظيفية القديمة والمستحدثة وهذه العملية تمثل إحدى أدوات إعادة إنتاج نظام الأسد لنفسه لتعزيز رصيده المعنوي المهزوز بين الكتل الاجتماعية المؤيدة والحيادية والمعارضة السلبية.

قد لا يمثل النشاط السياسي أو حتى المشاركة في العملية الانتخابية بفاعلية وجرأة أي اهتمام لموظف أربعيني أو ثلاثيني إن وجد، إذا لم تتوفر البيئة المناسبة والآمنة. همه استمرار وظيفته والحفاظ على مصدر دخله الأساسي.  والمرأة هنا أحرص من الرجل في مسألة الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤثر سلباً على مصدر عيشها، خاصة في ظل ظروف الخوف التي عاشتها في سنوات الحرب.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن جملة الناجحين في مسابقات السنوات الماضية والمتعاقدين يحسبون على كتل اجتماعية لم تتأثر بشكل مباشر من الحرب كدمار بيوتها أو ضياع محالها ورزقها وهي إلى حد ما يمكن استمالتها لصالح النظام الحاكم الحالي بقيادة الأسد.

اقرأ أيضا: أمريكا تتهم ثلاثة رجال بتوريد أجزاء خاصة من طائرات بلا طيار لحزب الله




المصدر