on
منطقة حوض الفرات.. استقرار سورية يبدأ من الشرق
يومًا بعد يوم، يتصاعد التوتر بين مختلف الأطراف المحلية والدولية في المنطقة الشرقية، خاصة في دير الزور، بعد انحسار سيطرة تنظيم (داعش) وهدوء جبهات المعارك، والانتقال إلى التفكير في مستقبل المنطقة ما بعد الحرب.
بدأت المعارك باتجاه دير الزور، نهاية الصيف الماضي، عبر محورين رئيسين: الأول من الشمال تقوده الولايات المتحدة الأميركية بمساندة عناصر ميليشيات “قوات سورية الديمقراطية” و”مجلس ديرالزور العسكري”، وكان هدفه السيطرة على منطقة شرق الفرات بالكامل، أما المحور الثاني فكان من طرف البادية، حيث تقدمت قوات النظام والميليشيات التي تدعمها إيران، بغطاء جوي روسي، وتمكنت من السيطرة على ثلاث مدن رئيسية في المحافظة، تقع غرب نهر الفرات وهي دير الزور والبوكمال والميادين.
تتوزع خريطة السيطرة حاليًا على منطقتين رئيستين: شرق الفرات للأميركيين، وغربه للروس والإيرانيين، بحسب ما أوضح لـ (جيرون) الصحفي السوري محمد حسان حيث قال: “النظام والميليشيات المساندة له تسيطر على كامل الضفة الجنوبية الغربية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، إضافة إلى بلدتي مراط وحطلة ومظلوم، وجزء من بلدة خشام، وقسم من بلدة الصالحية شمال نهر الفرات، أما بقية الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات فهي تحت سيطرة ميليشيات (قسد) ومجلس دير الزور العسكري، باستثناء جزء بسيط من بلدة البحرة وكامل بلدة السوسة والسويعية باتجاه الحدود السورية العراقية، فهي لا تزال تحت سيطرة تنظيم (داعش)، ويحاول مجلس دير الزور العسكري وقوات (قسد) السيطرة عليها”.
أضاف حسان: “بالنسبة إلى حقول النفط، 90 بالمئة منها تحت سيطرة (قسد)، وهي موجودة في الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات، وهي حقل (ديرو)، وحقل (العمر)، وحقل (التنك)، وحقل (الجفرة)، ومعمل غاز (كونيكو)، أما الحقول التي في يد قوات النظام هي حقل (الخراطة)، وحقل (التيم)، وحقل (الورد)”.
جميع الأطراف الدولية والمحلية لديها طموحات في السيطرة على دير الزور؛ إذ إنها تحقق لها المزيد من المكاسب السياسية والاستراتيجية، بحسب ما أكد لـ (جيرون) الباحث في (مركز الشرق للسياسات) سعد الشارع الذي أوضح أن “الإيرانيين يريدون وصل مناطق نفوذهم، من طهران إلى الأراضي العراقية إلى البادية السورية إلى دمشق، وصولًا إلى لبنان حيث مياه البحر المتوسط الدافئة، وهذا الطموح لا بد أن يمر بدير الزور. اليوم هناك انتقال إيراني من العمل العسكري إلى العمل الإداري والاجتماعي، هناك بناء حُسينيات ومشفى في حي القصور وبعض المدارس في مدينة الموحسن، معتمدين على العامل الديني عبر القيام بحملة تشيّع كبيرة”.
وأضاف أن “النظام السوري يريد هذه المحافظة؛ لأنها الأغنى نفطيًا وهي تساعده في عوامل الاستقرار، أما روسيا فتريد هذه المحافظة لأن الوجود الروسي هناك يعني فصل مناطق النفوذ الأميركي في الجزيرة السورية عن منطقة الحدود الأردنية، هذه المنطقة تعد بالنسبة إلى الروس مهمة؛ لأنها ستشكل منطقة ندية عسكريًا للتواجد الأميركي”.
أما بالنسبة إلى الجانب الأميركي، فيرى سعد الشارع أن “الأميركيين ركزوا نشاطهم في منطقة شرق الفرات، عبر تشكيل مثلث نفوذ يبدأ من عين ديوار شمال شرق الحسكة حتى جرابلس بريف حلب، وضلع المثلث هو نهر الفرات، هناك أخبار عن وجود 12 نقطة عسكرية أميركية، يريدون إتمام السيطرة تمامًا وطرد تنظيم (داعش) حتى الحدود العراقية”.
شهد الأسبوع الماضي أول تصادم مباشر وكبير بين هذه القوى على الأرض، حيث قامت الطائرات الأميركية باستهداف أماكن تجمع عناصر النظام وميليشياته، قرب معمل (كونيكو)؛ ما أدى إلى خسائر وصلت إلى 150 عنصرًا، بحسب ما أعلن التحالف الدولي، وكانت وكالة (رويترز) وموقع (بلومبيرغ) الأميركي قد كشفا، خلال اليومين الماضيين، عن مقتل أكثر من 200 عنصر من الميليشيات الروسية غير النظامية المعروفة باسم (فاغنر)، سقطوا ضحايا هجوم من الطائرات الأميركية في المنطقة ذاتها، خلال محاولة هذه الميليشيات الهجوم على معمل (كونيكو) الذي انتشر فيه جنود أميركيون مؤخرًا.
أكد سعد الشارع أن “النظام والإيرانيين يحاولون الوصول إلى حقل (العمر) ومعمل غاز (كونيكو) المهم جدًا؛ حيث يسعى النظام لأخذ جزء أو إجراء تفاهم للاستفادة من النفط والغاز، ولكن ردّ الجانب الأميركي واضحٌ إنه لا يريد أي وجود للنظام في هذه الضفة، ولا يريد أن يشرك النظام في موضوع النفط والغاز، ومحاولات النظام لن تتوقف كون ثمرة وجوده في المنطقة الشرقية هي الثروات النفطية، ومن الممكن أن يحصل تفاهم مع الجانب الكردي، وأن يدخل عفرين، مقابل أن يكون له حصة من حقل (العمر) أو حقل (كونيكو)، ولكن للأميركيين رأيًا آخر”.
استبعد “الشارع” الوصول إلى صدام عسكري مفتوح؛ لأن “الأطراف القوية تسمح لأدواتها عادة في المعارك الوظيفية بالتصادم ضمن مساحات تكتيكية، قد تصل إلى إسقاط طائرات، ولكن لن يكون هناك تناحر وفتح جبهات كبيرة، أي لا يمكن القول إن حربًا ستبدأ بين الروس والأميركيين؛ لأن هناك أمورًا أكبر وساحات أكبر لعمليات التجاذب على المستوى الدولي، في أوكرانيا أو كوريا أو غيرها، ومن الممكن أن نشهد تصاعد عمليات عسكرية محدودًا بين المشروعين”.
توقّع “الشارع” أن الوصول إلى تفاهمات في منطقة حوض الفرات يعني بداية للحل السوري ككل، واستمرار النزاع في هذه المنطقة يعني عدم استقرار كامل سورية؛ وذلك بسبب “حجم القوى الكبير في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود النفط والغاز، والموقع الجغرافي القريب من حدود العراق وتركيا والأردن، وهي تشكل طريقًا اقتصاديًا مهمًا، فهي منطقة لها خصوصية، والحل يبدأ من هذه المنطقة، ولا يمكن أن يوجد حلّ سوري ما دام هناك توتر فيها”.
يُذكر أن غالبية سكان محافظة دير الزور من أبناء العشائر ذات الثقل الكبير في المجتمع السوري، مثل (العكيدات) و(البكارة)، إضافة إلى أنها تشتمل على أكبر حقول نفط وغاز سورية، وثروة مائية وزراعية كبيرة.
سامر الأحمد
المصدر
جيرون