الغوطة الشرقية.. الأطفال يوثقون انتهاكات النظام



اتخذ إيقاع الحياة اليومية للعديد من أطفال الغوطة الشرقية المحاصرة شكلًا مختلفًا، من جراء تعرضهم للقصف ومعاناتهم من ويلات الحصار وسياسة التجويع التي ينتهجها نظام الأسد، منذ 5 سنوات، بحق مدنيي الغوطة الشرقية.

الذهاب إلى المدرسة، واللعب مع الأصدقاء، وكل ما يمكن أن يقوم به أي طفل يعيش وضعًا طبيعيًا، أمورٌ لا وجود لها في حياة أطفال الغوطة الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية فضح ممارسات النظام بحقهم، من خلال تصوير واقع الحياة اليومية التي يعيشونها والعنف الذي يتعرضون له.

على الرغم من تصاعد حدة القصف على بلدات الغوطة الشرقية، منذ أكثر من أسبوع تقريبًا، واصل عدد من الأطفال تصوير مقاطع فيديو للدمار والضحايا والواقع المعيشي الصعب، في محاولة لتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية التي تتفاقم في المنطقة.

محمد نجم الذي يبلغ من العمر 15 عامًا، اتخذ على عاتقه، منذ كانون الأول/ ديسمبر2017، مهمة تعريف العالم الخارجي على كارثية الوضع الإنساني في المنطقة. حيث لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق الحقائق القاسية، حول ما يحصل في الغوطة الشرقية المحاصرة.

يقوم محمد، عبر صفحته على (تويتر)، ببث مشاهد فيديو لقصف النظام للمباني السكنية والملاجئ التي يختبأ بداخلها الأطفال والنساء.

يقول محمد في فيديو نشره منذ أيام: “بالأمس، قُتل صديقي في غارة جوية استهدفت منزله”، وتابع حديثه باللغة الإنكليزية: “كنا دائمًا نلعب معًا، عندما كنا نختبئ في الملجأ، ولكن عندما عاد هو وعائلته إلى منزلهم، فقد حياته”.

يدرك محمد تمامًا دور الصمت العالمي في ما يتعرضون له من انتهاكات، لكنه يؤكد في فيديو آخر أنه سوف يستمر في الإضاءة على معاناة المدنيين؛ على أمل أن تتحرك ضمائر العالم. يقول خلال الفيديو: “نحن نعلم أنكم ربما تشعرون بالملل من رؤية صورنا الدامية، لكننا سنستمر في نقل معاناتنا للعالم، نتمنى أن تنقذونا، قبل فوات الأوان”.

على غرار ما يقوم به الطفل محمد نجم، لجأت الشقيقتان: نور (10 سنوات) وآلاء (8 سنوات)، إلى موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)؛ لتوثيق الظروف الإنسانية السيئة التي يعيشها الأطفال والمدنيون في الغوطة الشرقية المحاصرة.

تتحدث نور وآلاء في مقاطع الفيديو التي تصورانها، عن صعوبة العيش في الملاجئ تحت الأرض، ونقص المواد الغذائية الذي يضطرهم إلى تناول وجبة واحدة في اليوم. وعدم تمكنهم من الاستمرار في متابعة تعليمهم، بسبب القصف الذي يستهدف المدارس.

تقول الشقيقتان في مقطع فيديو: “إن استمرار القصف على المناطق القريبة من منزلنا وفقداننا بعض أصدقائنا، لم يترك لنا من خيار سوى نشر مقاطع الفيديو على موقع (تويتر)، لكي نقول للعالم إننا نستحق العيش بشكل أفضل”.

منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر2017، بدأ الشقيقان: صهيب (12 عامًا) ورفيدة (7سنوات)، بتصوير مقاطع فيديو، ونشرها على (تويتر)، يتحدثون فيها عن رغبتهم في العيش بسلام، كباقي الأطفال في العالم، على أمل أن تُحدث رسائلهم يقظة، في ضمير المجتمع الدولي الذي يكتفي بالمراقبة فحسب، من دون أيّ تحرك عملي على أرض الواقع، ينهي معاناة المدنيين في الغوطة.

يحرص صهيب ورفيدة على توجيه مناشدات إنسانية لمساعدة بعض الحالات الصحية الحرجة لأطفال آخرين. حيث وجهوا نداء، في أحد المقاطع المصورة، لمساعدة طفلة تُدعى (راما) مصابة بمرض السرطان، طالبين من الجهات والمنظمات المهنية التدخل بأسرع وقت، لإنقاذ حياتها.

نعمات محسن، من مركز تمكين المرأة في الغوطة الشرقية، ترى أن توجه الأطفال نحو وسائل التواصل الاجتماعي، لنقل معاناة المدنيين، قد لا يكون أمرًا مجديًا. فهي تعتقد أن 5 سنوات من الحصار والقصف كافية لكي يدرك العالم حجم الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون. وتضيف لـ (جيرون): “أقدّر جدًا حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الأطفال الذين يقومون بنشر مقاطع الفيديو، ومدى الشجاعة التي يمتلكونها وهم في عمر صغير، لكني أعتقد، من ناحية أخرى، أن هذا الأمر يزيد حجم معاناتهم النفسية، ويعزز حجم الآثار السلبية للوضع الإنساني المزري الذي يعيشونه. هذا عدا عن إمكانية تعرضهم للإصابة أو الموت في أثناء تصويرهم الفيديو”.

أضافت نعمات: “اليأس الذي يعيشه المدنيون في الغوطة، جعلهم يفقدون الأمل في كل شيء، ودفعهم إلى مناشدة العالم والمنظمات الحقوقية من خلال أطفالهم، في محاولة أخيرة ويائسة؛ لتخفيف حجم المآسي الإنسانية التي يعيشونها”.

يقضي هؤلاء الأطفال يومياتهم في توثيق انتهاكات النظام بحقهم، وبدلًا من اللعب ومشاهدة الرسوم المتحركة، كبقية الأطفال، يقومون بمراقبة فرق الإغاثة وهي تنتشل الضحايا من تحت حطام الأبنية. فالحرب جعلت أطفال الغوطة يكبرون قبل أوانهم.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون