رواية عن الذاكرة الحقيقية… “المطخ”



(المَطخُ) روايةٌ عن الذاكرة، وإبرازٌ لدور الصورة والكلمة في إعادة إنتاجها فنيًا ومعرفيًا، أصدرتها دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع، ورواها المخرج المسرحي والكاتب الدرامي غسان الجباعي، بعد عدة أعمال قصصية ومسرحية وروائية وفكرية، كان آخرها رواية (قهوة الجنرال).

انطلق الجباعي في كتابة روايته من مقولة أن (الحياة ليست ما يعيشه الإنسان، بل ما يتذكره منها، وكيف يحكيها)، مقارنًا فيها بين ذاكرتين، في محاولة كشف حقيقة ما جرى وما يجري الآن، ومعتمدًا على فنين عظيمين هما الكتابة والسينما، وليس على إعادة النظر في الذاكرة فحسب؛ إذ تبدأ المقارنة والصدام بين ذاكرة مكتوبة: “الرواية” التي لا يقرؤها إلا عدد قليل من الناس، وذاكرة مرئية: “التلفزيون” الذي يشاهده أغلب الناس، من خلال “حوار” شامل بين شخصيتين (مخرج وكاتب)، وُلدا في مطلع الخمسينيات، ويعيشان في بيئة واحدة وهما من ثقافة واحدة، ودرسا في السبعينيات في الاتحاد السوفيتي، لكن كلًا منهما يعيد إنتاج هذه الثقافة بطريقته الخاصة، ومن خلال موقعه الحالي واهتماماته السياسية والفنية.

تبدأ الرواية بسردٍ عن حياة الشخصيتين: الأولى كاتب رواية (المَطخُ) الذي عاش فلاحًا فقيرًا يتيمًا، وصار شيوعيًا ودرس لاحقًا الفن التشكيلي واعتُقل، عندما عاد إلى دمشق، لمعارضته النظام، وتحول إلى كاتب مغمور بعد الإفراج عنه. ومخرج ينتمي لعائلة إقطاعية متنفذة، صار بعثيًا، وأصرّ على نيل درجة الدكتوراه في الإخراج السينمائي، مستفيدًا من النظام، ومتحولًا إلى مخرج مشهور لمسلسلات درامية.

تتطور أحداث الرواية عند لقاء الشخصيتين من جديد، عندما قرر المخرج تحويل رواية صديق طفولته إلى مسلسل درامي تلفزيوني، بشرط أن يفعل بها ما يشاء، معتبرًا أن مهمة الكاتب منتهية، ويوافق الكاتب على ذلك مضطرًا بسبب حاجته المادية، فأعاد المخرج كتابة السيناريو من وجهة نظره، وحذف أحداثًا وأضاف شخصيات، محولًا الرواية إلى مسلسل تاريخي بدوي، بعنوان: (أزهار وجذور)، معتمدًا على ذاكرة انتقائية، تطمس ذاكرة الرواية، وتنظر إليها من زاوية مختلفة ولأهداف متباينة، وعلى الرغم من انتماء الكاتب للمعارضة وانتماء المخرج للنظام، فإن الرواية لا تعالج هذا الاختلاف الفكري، بل ما ينتج عنه من اختلاف في زاوية النظر وإعادة إنتاج الذاكرة فنيًا.

وأخيرًا، يتبين تحول رواية (المطخ)، من قصص عن حياة الناس البسطاء وما عانوه من الاستبداد والظلم، إلى مذكرات صفراء زائفة، تسرد حياة أسرة المخرج وبطولاتها، فيتحول المطخ، من بركة ماء كانت شريان الحياة الأساس للفلاحين، إلى مستنقع آسن للذاكرة، رُدمت وحُولت إلى ساحة تأبين في القرية. (ن.أ)


جيرون


المصدر
جيرون